الجودة والتميُّز في القطاع الحكومي
من هنا يحق لكل مواطن أن يتساءل متى تتحقق الجودة في أجهزة القطاع الحكومي؟
ويحق كذلك لكل مسؤول أن يتساءل كيف نحقق الجودة والتميُّز في أجهزتنا الحكومية؟
إن الإجابة عن هذه التساؤلات المستحقة تعتبر مهمة وطنية عزيزة لذا كان لزاماً عليّ وعلى أساتذتنا وزملائنا المختصين في هذا المجال أن نتشرف بالمشاركة والمساهمة في تحديد مسيرة الجودة والتميُّز في بلادنا الحبيبة وبالذات في القطاع الحكومي ــ وهو القطاع الحساس لكل مواطن ــ ليتحقق ــ بإذن الله تعالى ــ المراد والهدف السامي من قرار مجلس الوزراء الموقر، لذا فإن هذا المقال ما هو إلا حلقة من حلقات المساهمة في إثراء المشروع، حيث سيناقش التساؤلات التالية:
أولاً: لماذا يجب تحقيق الجودة في القطاع الحكومي؟
ثانياً: كيف يتم تحقيق الجودة والتميُّز في القطاع الحكومي؟
ثالثاً: ما أهم الأسباب في عدم تطبيق وتبني برامج الجودة الفاعلة؟
رابعاً: مقترحات عملية لتطبيق برامج الجودة في القطاع الحكومي.
خامساً: وقفة أخيرة مع أصحاب القرار.
وإليك عزيزي القارئ تفاصيلها، مستعيناً بالله سائلاً منه التوفيق والسداد.
أولاً: لماذا يجب تحقيق الجودة في القطاع الحكومي؟
تكمن أهمية الجودة في المسلَّمات التالية:
1 ـ أنها مطلب شرعي ديني من خلالها نرضي رب العالمين الذي اتصف بالإتقان، الذي هو ذروة سنام الجودة، كما قال ــ جل وعلا ــ في كتابه العظيم: “صنع الله الذي أتقن كل شيءٍ”، والمؤمن عندما يحقق الجودة والإتقان ينال محبة الله ــ سبحانه وتعالى ــ وذلك مصداقاً لحديث نبينا محمدٍ ــ صلى الله عليه وسلم ــ الذي قال فيه: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه”.
2 ـ الجودة مطلب لولي الأمر فلطالما نادى بها خادم الحرمين الشريفين وحث وزراءه الكرام بحمل الأمانة وأدائها على الوجه الأكمل، ومن ذلك ما ورد في كلمته التاريخية التي يعتبرها المختصون شعاراً للاستراتيجية الوطنية للجودة عندما قال ــ حفظه الله: “ليس من سبيل للمملكة للمنافسة والمشاركة الفاعلة عالميا إلا عندما تكون الجودة معيارها الأساسي في كل ما تقدمه للعالم، مستمدة هذا الإتقان من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف”.
3 ـ إدراك المسؤولين من الوزراء وغيرهم أهميتها وضرورتها للقطاع الحكومي وذلك من خلال تصريحاتهم التي تطالب برفع مستوى جودة الخدمات التي تقدمها وزاراتهم للمواطنين.
4 ـ الفوائد المترتبة على تنفيذها في الوزارات والمنشآت الحكومية ومن أهمها:
أ ـ إرضاء وإسعاد المتعاملين من المواطنين والمقيمين بتحقيق متطلباتهم وتنفيذها على أكمل وجه، ما يؤدي إلى زيادة معدلات الرضا وقلة الشكاوى.
ب ـ زيادة الإنتاجية وخفض التكاليف التشغيلية وتنفيذ المشاريع الوطنية في الوقت المحدد والتكلفة المناسبة، وبالتالي تنفيذ الخطط الوطنية بكفاءة عالية.
ج ـ تطوير وتحسين الخدمات الأساسية المقدمة للمجتمع كالتعليم والصحة والأمن والسلامة وغيرها من الخدمات، وبالتالي تحسين مستوى المعيشة للمواطن.
د ـ توفير فرص بيئية متميزة للموظفين وتطويرهم وتمكينهم وتحسين كفاءاتهم وبناء ثروات وطنية تتمثل في الاهتمام بالإنسان قبل البنيان.
هـ ـ تطوير البلاد محلياً والمنافسة الوطنية خارجياً بمنتجاتها وخدماتها وثرواتها البشرية.
5 ـ كذلك النتائج السلبية المترتبة على فقدها بالكلية أو ضعف تطبيقها وضعف تبنيها التي من أبرزها:
أ ـ الضعف في تنفيذ ــ في بعض الأحيان ــ الخطط الخمسية للمملكة التي يضعها القادة ويهيئون لها السبل من الموارد البشرية والميزانيات المالية الضخمة، ما يضعف المخرجات المؤملة منها.
ب ـ الخسائر البشرية نتيجة للمنتجات المقلدة أو الأخطاء الطبية أو حوادث الطرق حتى أصبحت المملكة من أكثر الدول في نسبة ضحايا الطرق والمواصلات، وكذلك فقد الجودة في مشاريع البلديات أدى إلى كوارث كبيرة! تظهر مع نزول الأمطار أو غيرها من المصائب كما حدث في مدينة جدة..نسأل الله أن يجيرنا منها ويحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين.
ج ـ كثرة الشكاوى وزيادة مستويات عدم الرضا من المواطن والمقيم نتيجةً ضعف الخدمات المقدمة جراء تعقد المعاملات، وطول انتظار المواعيد، وفقد الحقوق، وبالتالي انتشار الأمراض الاجتماعية والاقتصادية والصحية.
د ـ اهتزاز الصورة الذهنية لمستوى الخدمات في بلادنا الغالية لدى كثير من المواطنين والمقيمين، بل بعض دول العالم، ما يخشى أن يؤدي إلى ضعف الثقة بالأنظمة الإدارية لأجهزة القطاع الحكومي والتردد في الاستثمار وهجرة رؤوس الأموال.
هـ ـ الخسائر المالية التي قد تصل إلى مليارات الريالات المتمثلة في انهيار البُنى التحتية أحياناً وتأخر آلاف المشاريع الوطنية أو تعطلها أو إعادة تنفيذها، وكذلك التعويضات المالية للمتضررين منها، وكل ذلك كان بالإمكان الوقاية منه.
و ـ تأثر منشآت وموظفي القطاع الخاص ــ الذي يتسم إجمالاً بالتميُّز والنضج الإداري النسبي ــ بالخلل الإداري الكبير في أجهزة القطاع الحكومي من حيث عدم تسهيل تعاملاتهم وتوفير متطلباتهم واحتياجاتهم، ما يؤدي إلى التقليل من نسب النجاح والنمو التي يرجى أن يحققها.
ز ـ ظهور العديد من المخالفات والتجاوزات الإدارية من بعض أجهزة القطاع الحكومي، التي تم رصدها عن طريق ديوان المراقبة العامة من خلال عمليات المراجعة والتدقيق، وكان من أبرزها ما يلي:
1 ـ تأخر تنفيذ العديد من المشروعات الحيوية وتعثر بعضها وتدني جودة التنفيذ.
2ـ ضعف الرقابة الداخلية الوقائية في كثير من الأجهزة الحكومية التنفيذية.
3 ـ ضعف تحصيل بعض إيرادات الخزانة العامة وتوريدها في المواعيد المقررة لذلك.
4 ـ ضعف أداء بعض الشركات التي تسهم فيها الدولة واستمرار تكبدها خسائر كبيرة.