ادارة عملية الابداع والابتكار باستخدام الايزو 9001
عملية الإبداع والابتكار وجدت مع الإنسان منذ بداياته ، وكما قال الله تعالى (وعلم ادم الأسماء كلها) ، (أقرأ باسم ربك الذي خلق) ، حيث عمد الإنسان على تطوير وابتداع أدوات وطرق حياتية مختلفة تعينه على متابعة الحياة ، وتطورت إبداعاته وابتكاراته مع تطور معارفه وإدراكه للأشياء ، ولكن تم تناول عملية الإبداع والابتكار بكثير من المنهجية والبحث من خلال القرن الماضي وخاصة العقد الأول من هذا القرن.
فكثير من الأبحاث والتطبيقات تؤكد أن الإبداع والابتكار ما هو إلا عملية يمكننا أن نديرها كأي عملية أخرى وبالتالي يمكننا أن نطورها لتخدم الأغراض المرجوة منها.
هناك العديد من البلدان عملت على إصدار معايير وطنية بشأن الابتكار، وهذا يدل على تزايد الوعي الوطني وأيضا التوافق العالمي في الآراء بشأن الكيفية التي ينبغي أن تدار بها عملية الابتكاروالإبداع في المنظمات.
في عصرنا هذا أصبح العملاء أكثر وعيا وإدراكا لذلك هم يطالبون بأعلى معايير الجودة مع الاحتفاظ بأسعار معقولة ومناسبة للمنتجاتوالخدمات، أيضا أصحاب الشركات أو المستثمرين يطلبون ربحية أكثر والمجتمعات تطالب المنظمات بالالتزام بالمعايير والمواصفات الخاصة بالبيئة والمسؤولية الاجتماعية وغيرها ، كل ذلك يضع الكثير من الضغوطات على كاهل المنظمات لتلبى كل تلك الطلبات وتستمر في الإنتاج والبقاء في السوق. ولمواجهة كل تلك التحديات لابد للمنظمات من آليات ونظم وأدوات تعينها على أداء ذلك.ومن تلك الأدوات عملية الإبداع والابتكار كأحد الحلول الناجعة للحد من الهدر,وتحسين الأداء وكذلك لإنتاج منتجات جديدة تلبى تطلعات ورغبات العملاء.
كثير من الأدوات المستخدمة تقليديا في برامج إدارة الجودة وأوسعها تطبيقا وانتشارا يمكن أن تكون مفيدة جدا لإدارة الإبداع والابتكار ، مما يساعد على اكتساب المنظمة ميزة تنافسية وتحسين فعالية الأعمال.
سأفرد هذه المقالة للحديث عن استخدام مواصفة الأيزو 9001 كأساس لنظام إدارة الإبداع والابتكار
و ذلك من خلال استخدام متطلبات مواصفة الأيزو 9001 بمستوى أعمق من التفكير والتطبيق لإعداد نظام إدارة الإبداع والابتكار وذلك من خلال إدارة عملية التفكير والتي هي ضرورية لأي ابتكار ناجح.
سنعمل من خلال هذا المقال التركيز على عناصر رئيسية معينة من متطلبات مواصفة الأيزو 9001 و إظهار كيفية استخدام الأنشطة التي تجري في كل من تلك العناصر( البنود) لتطوير إدارة الابتكار و الإبداع.
الابتكار يعرف بأنه التحويل الناجح للمفاهيم والمعرفة إلى منتج أو خدمة تضيف قيمة إلى العميل
نقطة البدء للإبداع والابتكار في مجال متطلبات مواصفة الأيزو 9001 هو العميل. البند (8.2.1) والذي يتحدث عن رضا العميل. مقرونة بالبند (7.2) والمتعلق بالفهم الصحيح لمتطلبات العميل أو الزبون ، اذ تمثل هذه المتطلبات الوقود الحقيقي لعملية الإبداع والابتكار.
رضا العميل يجب ان يكون نقطة الانطلاق نحو الإبداع والابتكار . العديد من المنظمات تفوت فرصة عظيمة هنا ويغيب عنها القصد الأصلي والمعنى الحقيقي لهذا البند. لذا يجب الانتقال من طرح أسئلة مثل “هل العميل راض عن منتجاتنا”، وما إلى ذلك والبدء في طرح أسئلة مثل : ما هي الصعوبات التى تواجهنا فى سبيل الحصول على رضا العميل ، وأين هي أماكن الهدر في الوقت وغيره.
ومن المهم أن ندرك أنه في الأوقات الصعبة اقتصاديا عادة ما تكون أكثر ربحية عندما تقدم المنظمة منتجات جديدة أو خدمات جديدة للعملاء الموجودين لديها، أكثر من البحث عن مصادر لعملاء جدد.
مصدر آخر للمساهمة في عملية إدارة الابتكار ، وهو البند (8.3) التحكم في المنتجات أو الخدمات غير المطابقة للمعايير ، والذي بدورة يتيح الفرص لإيجاد الحلول. فمثلا إذا كانت المنظمة تعاني من الفشل المتكرر فهنا الفرصة سانحة للإبداع والابتكار. وفي هذه المرحلة المبكرة من عملية الابتكار يجب أيضا تقييم الاستعدادات المتوفرة لدى العاملين بالمنظمة. (التقييم الذاتي للكفاءة) والبحث عن أفضل السبل التي تجعل العاملين يساهمون بقصارى جهدهم في عملية الابتكار. و هذا أيضا يتعلق بالبند(6.2) والمتعلق بتحديد الكفاءات وتطويرها
.
ثم ننتقل إلى المرحلة التالية في نظام إدارة الإبداع والابتكار باستخدام تحليل البيانات من خلال البند (8.4)
تحليل البيانات عن رضا العملاء ومشاكل المنتج أو الخدمة وكذلك العمليات ، تقدم لنا الفرص للإبداع والابتكار حيث يجب علينا التركيز في هذه النقطة ويمكن أن نشير إلى مقولة شهيرة لألبرت أينشتاين “إذا كان لي 60 دقيقة لإنقاذ العالم ، وأود أن انفق 55 دقيقة في تحديد المشكلة”. ونحن بحاجة إلى تعريف واضح لما يريد العميل الحصول عليه. وكذلك تحليل الفشل في الإيفاء بالمتطلبات المحددة بالنسبة للمنتج او الخدمة . تحليل البيانات هنا يعتبر من أولى الأولويات.
ثم تأتي الحلول المفاهيمية من استخدام التحسين المستمر ، البند (5.8). حيث ينبغي للمنظمة أن تعمل على حل المشكلات بطرق وأساليب منهجية. حيث يجبعلى المنظمة أن تطبيق المنهجية في حل المشكلات من خلال التفكير فى المشكلة من خارج المشكلة (out of the box)،ويجب إشراك الجميع فى إيجاد الحلول من داخل المنظمة و خارجها ، وليس القيام بإدارة العملية من جانب واحد أو إدارة واحدة و هذا يمثل العنصر الرئيسي في الاتصال وفى إيجاد حلول مبتكرة. ومشاركة جميع من ينتمي للمنظمة في عملية الإبداع والابتكار لها أثرها الفعال في خلق قيمة مضافة جديدة .
أفضل الحلول دائما ما تأتي منخلال المعرفة الجماعية، وكذلك تأتى من قبل أولئك الذين يمكنهم الاتصال بشكل أفضل مع الآخرين ، و على حد تعبير لينوس بولينغ ، “أفضل طريقة للحصول على فكرة جيدة هى الحصول على الكثير من الأفكار” و المخترع والعالم اديسون يقول” إن العبقرية هي 1% الهام و 99% عرق)” .
ولبلورة هذه الأفكار نحتاج أيضا للبيانات والمعلومات عن التكلفة والوقت و مخاطر التنفيذ. (يجب أن يتم تقييم للمخاطر الداخلية و الخارجية ، ونحن كثيرا ما ننسى ذلك).
تثبت الإحصائيات انه إذا كان لديك منتج جديد ، فانه بنسبة 90 ٪ يكون لديك مورد جديد ، لذلك لابد من تقييم دوري للموردين البند (7.4) باستخدام عملية المراجعة والتدقيق البند (8.2.2).
كما يجب عمل الترتيبات المناسبة من خلال عمليات ضبط الجودة لمنتجات الموردين لضمان ان تلك المنتجات تفى بالمتطلبات المحددة وللتخفيف من المخاطر.
من أهم العوامل التي تؤثر على عملية الإبداع والابتكار ، القرارات التي تتخذها وتتبناها الإدارة العليا نتيجة للمراجعات واجتماعات الإدارة ، البند (5.6) ، وغالبا ما تكون مخرجات تلك المراجعات والاجتماعات عبارة عن خطط عمل محددة تجاه مشكلة ما أو تطوير لمنتج أو منتج جديد أو فرص التحسين المختلفة ، فتمثل هذه منصة الانطلاق نحو الإبداع والتطور.
ومن المفارقات أن البند (7.3) من مواصفة الأيزو 9001 والذي يتحدث عن التصميم والتطوير وهو أكبر عنصر من عناصر الأيزو 9001 والذي يهدف إلى ضبط عملية التصميم والتطوير من خلال التخطيط المسبق للعمليات وتحديد مدخلاتها ومخرجاتها وتحديد المسؤوليات و الموارد اللازمة و عناصر الضبط والتحكم فى تلك العمليات وكذلك عمليات القياس والاختبار والتحليل لكفاءة العمليات. ولكن الكثير من المنظمات لا تؤدى عملياتها بطريقة ناجعة ، فتارة تدار العمليات من غير تخطيط سليم وتحديد للمسؤوليات وتارة من غير تحديد سليم لمدخلات العملية ومرات أخرى مستوى الضبط يكون اقل من المطلوب وغالبا ما تغيب الرؤية الواضحة عن كيفية تطوير تلك العمليات نسبة لغياب الفهم الصحيح لكيفية عمل تلك العمليات ، إذا الفرص متاحة هنا لتحليل تلك العمليات و العمل على تطويرها من خلال الإبداع والابتكار.
ويمكننا أن نتعمق في تأثيرات كل بند من بنود المواصفة على عملية الإبداع والابتكار ولكننا حصرنا ذلك في تلك البنود لأنها الأكثر تأثيرا.
من الضروري تشجيع عملية الإبداع والابتكار بالمنظمة ما من شانه أن يعمل على زيادة القدرة التنافسية للمنظمة وضمان بقائها فى السوق وذلك من خلال إيجاد منتجات جديدة أو إضافة ملامح جديدة لمنتجاتها ومن خلال خفض التكلفة وتحسين المنتج مما يؤثر على عملية شراء المنتج.
نظام التفكير أمر حيوي لأي ابتكار ناجح. وإذا لم يتم تكامل لعملية إدارة الإبداع والابتكار مع النظم المطبقة بالمنظمة فان عملية الإبداع والابتكار ستنهار وتموت.
مع القليل من التكيف والتطبيق الفعال لنظام ومتطلبات الأيزو 9001 فان ذلك يوفر إطارا ممتازا لتطوير نظام إدارة الإبداع والابتكار من خلال نشر ثقافة الإبداع والابتكار بالمنظمة.