الإشراف هو فن العمل مع مجموعة من الناس يمارس المشرف عليهم سلطته بطريقة تحقق أقصى فاعلية في أداء العمل. ويتحقق الإشراف على أكمل وجه في جو تملؤه النوايا الطيبة والتعاون الجاد من جانب الأفراد المشتركين بما فيهم المشرف بالطبع. وقد يكون الإشراف من أصعب الفنون لأنه يحتاج إلى استخدام مبادئ العلاقات الإنسانية التي تثبت صحتها مع معظم الناس في أكثر الأحيان بطريقة ناجحة وفطرية.
ويعترف المشرفون المحنكون بعدم وجود طرق أكيدة ومحددة للعمل مع الناس عامة لكنهم يعرفون بحكمتهم التي نتجت عن خبرتهم أن البشر لهم سمات فريدة وأن هذه الفردية يجب أن توضع دائماً في الاعتبار عند تنمية علاقات العمل. ورغم معرفة السمات الخاصة للأفراد إلا أن هناك مبادئ عامة معينة يستخدمها المشرفون كدليل فن العمل مع الناس. ويحتوي كل مبدأ على بعض الأفكار المصاحبة التي يجب فهمها لتقيم المبدأ الإرشادي، وفيما يلي عرض لهذه المبادئ مع مناقشة لكل منها. وليست هناك أهمية لعرض مبدأ قبل الآخر فكلها في غاية الأهمية.
المبدأ الأول: يجب أن يفهم الناس بوضوح ما هو المتوقع منهم.
عندما يبدأ شخص مستجد العمل فإنه في العادة يتشوق لمعرفة الهيئة التي يدخلها والعمل المفروض القيام به، أي ما ستكون وظيفته المحددة. وينتهز المشرف المجرب هذا الاهتمام المبدئي. فهو يعرف أنه إذا فشل في تحقيق بداية طيبة للموظف المستجد فإنه قد يستغرق مدة أطول ويحتاج إلى عمل أشق لإنجاز ذلك فيما بعد. وهو يعلم أيضاً أن موظفه قد لا يحمل نفس الشوق والاستجابة للتعلم كما هو في البداية. وعلى أية حال فإن أي موظف مستجد يجب أن يعرف الآتي بعد أن يبدأ العمل مباشرة:
1. ما تمثله الهيئة، وكيفية التنظيم لها، وطريقة التشغيل، ونوع العمل فيها وشيء عن تاريخها وأسلوب الترقية الذي تستخدمه مع العاملين فيها.
والغرض هنا هو إقناع الموظف المستجد أنه قد التحق بأحسن هيئة ممكنة وأنها تضم أفضل الناس، وأنه يقوم بأهم عمل بأعلى درجة من الاستنارة والكفاية. ويحب الناس الإحساس بأن هيئتهم هيئة ممتازة ويبذل الموظفون جهدهم في شيء هام. والزهو بالهيئة قوة حافزة عند الكثير من الناس، فإن الإيمان بأهمية عمل الهيئة يمنح دورهم فيها نوعاً من الامتياز.
2. طبيعة عمله المحدد وصلة عمله بأعمال زملائه الموظفين، ونوع السلطة التي سيمارسها إذا كانت ثمة سلطات، وكذلك المسؤول عن الإشراف عليه.
وغالباً ما يكون هناك نوع من عدم الوضوح في هذه المجموعة من البنود لسنوات كثيرة. ويجب أن يستعرض الموظف الجديد هذه البنود بين الحين والآخر حتى تتحقق البداية الصحيحة. وبهذه الطريقة يعتمد كل شيء يقوم به الموظف بعد ذلك على معرفته لرئيسه وعلى فهمه الواضح لعمله وصلته بالأعمال المرتبطة به.
3. مكان الحصول على المواد والموارد التي قد يحتاجها، وموقع مكان عمله وقواعد العمل في الهيئة، وهذه القواعد تشمل موعد صرف المرتبات وبداية العمل ونهايته، ووقت الراحة المخصص لتعاطي القهوة، وفترة الغذاء والإجازات وغيرها من القواعد بالهيئة على وجه التحديد.
قد لا تحتاج هذه الأشياء إلى بيان، ومع ذلك فهي هامة ويجب أن نهتم بها، وقد لا يحتاج المشرف في هذا الصدد إلى شرحها شخصياً ولكن من الممكن أن يقوم بعض موظفيه بذلك.
4. كيفية قياس الكم في عمله.
5. معايير الجودة في عمله.
ويحتاج البندان الرابع والخامس إلى التفكير الدقيق، فمن غير المشجع في الواقع أن يكتشف الموظف بعد العمل لمدة معينة أن مستوى الجودة في عمله ليس على ما يرام، ومن غير المشجع أيضاً أن يعلم الموظف بعد الأوان أن إنتاجه على غير ما يتوقع المشرف وأن الكم والكيف يجب أن يفهما مقدماً، وإذا لم يتم ذلك فقد يثور جدل حولها حين يكتشف الموظف أنه لا يوافق المشرف في أحديهما أو كليهما.
وهناك أشياء أخرى يجب أن يتأكد المشرف من معرفة رجاله لها، فمثلاً يجب أن يعرف الموظف المستجد قواعد الأمن إذا كان عمله يتضمن مواداً أو نشاطاً سرياً، وتحتاج هذه الأشياء على أية حال إلى مناقشة بين المشرف والموظف المستجد، ومن الأفضل أن تكون هذه المناقشة مخططة بأسلوب منهجي، وإذا لم تكن كذلك يحتمل أن ينسى الموظف بعض الأشياء أو يتغاضى عنها، ولن يكون هذا خطأ الموظف المستجد.
ويجب أن يكون أغلب ما يحتاجه الموظف المستجد من هذه المعلومات في شكل مكتوب، وكثير من المؤسسات وليس كلها عندها هذه المعلومات مكتوبة، وتتضمن هذه المعلومات ما يلي:
– خريطة المنظمة.
– أهداف المنظمة وسياسة التشغيل بها.
– تاريخ المنظمة.
– أسلوب الترقيات التي تستخدمه المصلحة.
– قواعد العمل المكتبي العامة لكل العاملين.
– توصيف الوظائف على حدة وشرحها.
– مستويات الأداء من حيث الكم والكيف.
– موجز عن التدريب الخاص بكل وظيفة.
ويستطيع المشرف إذا ما كان مدعماً قبل هذه المجموعة من المواد والمعارف القيام بعمل أفضل وأكمل عما لو حاول تذكرها كلها. والهيئات التي تعرف أن الموظفين أهم رصيد لها تعد هذه البيانات وتوفرها وبعض الهيئات تكتب البنود الثلاثة الأخيرة ذات طابع فردي.
المبدأ الثاني: يجب أن يتوفر الإرشاد للموظفين في أداء عملهم.
والإرشاد كلمة عامة، وبتميز أدق فإنها تشمل الأشياء الآتية:
1- المعلومات الجارية:
من غير المتوقع أن يعمل الإنسان في جهل بما حوله، فكل موظف يرغب في معرفة ما يدور حوله مما قد يؤثر على عمله، والأمر متروك للمشرف في تقدير التطورات الجديدة والأشياء التي توشك أن تحدث، والأشياء التي حدثت بالفعل ونقلها كاملة وفوراً لكل أفراد مجموعته، ويمكنه القيام بهذا في الاجتماعات أو مؤتمرات الهيئة أي مع كل موظفيه في نفس الوقت، فإذا قام بهذا العمل مع كل من موظفيه على حدة فإنه سيستغرق وقتاً أطول، والمصادفات متشابكة ككرمة العنب، وغالباً ما يكون الاستماع إلى المعلومات التي تنقصها الصحة كلياً أو جزئياً مؤدياً للمتاعب وحتى المصائب، وكرمة العنب تعمق جذورها في الممارسة السيئة للإشراف وتزدهر إلى أعلى درجة حين يهمل المشرفون في مسايرة رجالهم لأحدث المعلومات.
معلومات التخصص:
بالإضافة إلى معرفة التطورات يحتاج الموظفون إلى دراسة أحدث وأفضل للمعلومات الفنية أو الخاصة التي تتصل بعملهم، ذلك لأن أحدث النظريات والمبادئ والمواد والمعرفة التي تتعلق بفروع تخصصهم المعينة هامة لأي عامل، وقد يبدو هذا على درجة كبيرة من التعميم بالنسبة لكل نوع من العمل، فمن الممكن للعمال غير المهرة أن يستمروا دون الحاجة إلى هذه المعلومات لكن الحروف الأحسن والطريقة الأفضل في حفر خندق، والممكنة الأحسن أو الآلة الأفضل في تنظيف الأرضيات، والأدوات الأحسن لتحريك الأشياء الثقيلة ومعرفة الأسلوب الأفضل في أي عمل، كل هذه الأشياء تساعد في تحسين إنتاجية الناس وتنمي اهتمامهم بالعمل، ومن الواضح في الميادين المهنية أن قاطع الأخشاب أو المهندس أو عالم الطبيعة أو الطبيب أو المحامي أو رجل الاقتصاد أو أي متخصص في أي ميدان لا يستطيع أن يتطور دون دراسة المعلومات الجديدة في ميدانه، وقد يكون صحيحاً أن المشرف لا يمكنه شخصياً تزويدهم بكل هذه المعرفة، ومن الأفضل في الواقع ألا يحاول ذلك لكنه مسؤول عن التأكيد أن هذه المعرفة متوفرة وسهلة في التوصل إليها. ومسؤول كذلك عن دراسة رجاله ليتأكد من نقاط القوة ومواطن الضعف في كل منهم، وكذلك فإن المشرف مسؤول عن تشجيع الدراسة الصحيحة وتنميتها، وسأناقش النقطة الأخيرة باستفاضة في المبدأ السادس.
2- المعلومات الخاصة بالأساليب:
تختلف الأساليب مع كل نوع من أنواع العمل، ومن الأفضل أن يجعل المشرف الذكي من نفسه مرجعاً لكل وظيفة في وحدته ويجب أن يتأكد أن كل موظف من موظفيه يعرف أفضل الطرق لإنجاز عمله الخاص أن الطرق أو الأساليب تختلف عن المعرفة الخاصة بالعمل مع أنهما قد يتداخلان، ولكن غالباً ما توجد أساليب لا تتصل بالمعرفة الخاصة الضرورية لأداء عمل معين فمثلاً لا يعرف كثير من المتخصصين دائماً أشياء مثل الآتية:
أ. كيفية الاستماع.
ب. أسلوب الكلام.
ج. كيفية الكتابة.
د. أسلوب القراءة.
هـ. كيفية تنظيم العمل.
و. أسلوب جدولة النشاط.
ز. كيفية إدارة اجتماع.
وهناك أساليب عديدة من الممكن أن نسجلها لكل عمل معين، وهناك بعض البنود مثل البنود الستة التي سبق ذكرها وهي بنود مشتركة بين كثير من الوظائف والمهم أن المشرف يحتاج أن المشرف يحتاج أن يكون يقظاً إلى ضرورة مساعدة رجاله في استخدام أسهل الأساليب المعروفة وأكثرها كفاءة، ولا ينبغي أن يراقب هذه الأساليب فحسب لكنه يجب أن يعمل مع رجاله بطريقة منتظمة من أجل تطويرها.
3- تنمية الشخصية:
وهذا آخر بنود الإرشاد أصعبها في التنفيذ، إن تقديم مقترحات لتنمية الشخصية تتطلب معالجة ماهرة للأمور، فلكل كائن بشري نقاط ضعف ويعترف كل واحد تقريباً أنه ليس منزهاً عن الخطأ، ومع ذلك إذا أبرزت لفرد معين خطأ محدداً فإن ذلك يسبب لك المتاعب وكثيراً ما ينكر الشخص التهمة في حدة رغم أنه أحياناً يفاجئك بالاعتراف بها. وقد يكون الشخص كسولاً أو بطيئاً أو كثير الثرثرة، أو متقلب الطباع، أو حاد المزاج أو متسرعاً في اتخاذ القرارات أو ما شابه ذلك، والمشكلة دائماً أنه لا يعترف بهذه الأشياء حتى لنفسه، ومع ذلك فإن كل إنسان له حق المساعدة من مشرفه وخصوصاً في نقاط الضعف في شخصيته.
إن المشرف المفكر يحرص على أن يتلقى كل من رجاله التشجيع المفيد بطريقة أو بأخرى للتغلب على خطأ في الشخصية يعوق التعبير الكامل عن القدرة، ولست أعرف صيغة ناجحة لتوفير هذا التشجيع أو الإرشاد أو لطريقة تقبله، ويبدو أن النجاح يعتمد على (أ) اعتراف الشخص أن به خطأ، (ب) منع الناس الكامل بخصوصه، (جـ) تنمية الرغبة الصادقة للتغلب عليه، (د) المساعدة البناءة والتشجيع على التخلص منه.
وكل واحدة من هذه النقاط هامة، وأصعب شيء في تحقيقه عامة هو اعتراف الإنسان بخطئه، إن الضغط على النقطة الأولى قد يجعل عدم التشجيع إلى صعوبة تنمية الرغبة للتغلب على الخطأ، وحين تتخذ هذه الخطوات يصبح تقديم المساعدة للتغلب على الخطأ سهلاً يسيراً في تقبله، ومن الممكن أن تشبه هذه الطريقة طريقة إخفاء اسم المخدرات ليجعلوا من المدمن غير مدمن، وليس هناك اعتراض إلا أن الطريقة ناجحة في أكثر الأحيان لا في كلها، ومع ذلك فإن الطريقة كما يصفها أصحابها تعتمد على الإقرار والاعتراف بالضعف، وبدونه ينعدم أي أمل في التقدم، ويستحق أسلوب التصحيح الدراسة الدقيقة وخاصة في الحالات الأكثر صعوبة.
المبدأ الثالث: يجب تقدير العمل الجيد دائماً.
يوافق كل مشرف محنك غالباً على أن هذا المبدأ سليم – ويخبرنا أن هذا التقدير يجب أن يكون علنياً بقدر الإمكان – ذلك أن الناس يحبون الإحساس بالتقدير وأنهم سيجدون أكثر حين يلاحظ المشرفون مجهوداتهم ويمدحونها، لكن قد يقول المشرفون في صوت واحد تقريباً أن المبالغة في هذا ممكنة – والخطأ في أن الخوف من المبالغة كثيراً ما يمنع المشرفين من تقديم المديح مطلقاً.
ومع ذلك فما زالت استطلاعات الرأي تشير بوضوح قاطع إلى أن الناس يعتبرون تقدير العمل الجيد إحدى سمات المشرفين الممتازين، وكذلك فإنهم يعتبرون عدم تقدير العمل الجيد سمة من سمات الإشراف السيئ والسؤال الآن هو “ما هي أفضل الطرق لوضع هذا المبدأ في موضع التنفيذ المؤثر المعقول”.
وفيما يلي بعض الطرق التي يستطيع بها المشرف تقدير العمل الجيد الذي يقوم به كثير من رجاله وهذه الطرق مرتبة بنظام يبدأ بأبسطها وأسهلها:
1- قل له على الفور أنه قد قام بعمل طيب، والأفضل القيام بهذا في حضور الموظفين الآخرين.
2- اكتب إليه فوراً وصراحة وتأكد أن نسخة من الخطاب قد أرفقت بالملف الخاص به (ففي الحكومة الفيدرالية وفي حكومات كثيرة من الولايات وكثير من الشركات والهيئات يحفظ ملف بشؤون الأفراد لكل شخص في الهيئة وهذه الملفات من الممكن أن تكون ذات قيمة كبرى كحوافظ للأعمال والسجلات الخاصة بكل موظف يعمل في الشركة أو المصلحة، وتضم هذه الملفات عامة وحتى بعد سنوات قليلاً من الخطابات المديح من النوع الذي نصفه هنا، وأحياناً لا تضم خطابات مطلقاً.
وفي هذا الصدد دعني أقول أن أخبار موظف أو الكتابة إليه لا يكلف شيئاً، فهذه أدنى الأشياء تكلفة، لكنها اكثر طرق التقدير بالعمل الجيد أهمية، وتحتوي البنود التالية وسائل أكثر تكلفة:
3- امنحه شهادة امتياز من أي نمط تستخدمه الهيئة إذا كان بها شهادات.
4- امنحه مكافأة نقدية أو علاوة.
5- امنحه ميدالية أو شهادة علاوة على المكافآت النقدية.
6- امنحه زيادة في الراتب.
7- رقه إلى وظيفة أفضل يكون مؤهلاً لها.
ويتضح من هذا أو وسائل التقدير يجب أن تناسب درجة الامتياز في الأداء وفقاً لسياسات الهيئة، ويمكن تطبيق البند السادس في المصالح الاتحادية كنتيجة للقانون الجديد. فالموظفون يحققون زيادة في المرتبات في فترات منتظمة إذا كانت خدماتهم مرضية، ويمكن أن يمنح الزيادة للعمل فوق المتوسط بناءً على توصية المشرف وبعد مرورها بلجنة أو اثنتين.
ويمكن منح مكافآت أخرى في الخدمة الحكومية بالإضافة إلى تلك التي سبق ذكرها وتطبيق نفس الشيء في عديد من الشركات وغيرها من الهيئات.
لكن هذا كله يعتمد أساساً على رغبة المشرفين في جعل مبدأ التقدير فعالاً، وليس ضرورياً أن يرتبط الإشراف الجيد بالكثرة في عدد المكافآت ولكن الواقع أن الوسائل البسيطة السهلة في إبلاغ الناس أو الكتابة إليهم بخصوص إنجاز أعمال ممتازة هي وسائل أساسية في الإشراف.
المبدأ الرابع: أن العمل الهابط يستحق النقد البناء.
حقيقة أن العمل الجيد يستحق التقدير، لكن يبدو صحيحاً أن العمل دون المستوى يجب أن يقدر – تقديراً مناسباً – وهذا ميدان نتفوق فيه جميعاً، ويبدو أن النقد أسهل بكثير من المديح، وغالباً ما يبدو أن ملاحظة العمل دون المستوى أسهل من اكتشاف العمل الجيد، ومع ذلك فإن أي إنسان يستحق النقد على العمل الهابط الذي قام به والذي يعترف بهبوطه.
ويجب توجيه النقد على انفراد، أن النقد العلني الذي يتلقاه الموظف يتضخم بنسبة عدد الأشخاص الآخرين الذين سمعوه، ومع ذلك لا يكفي أن يكون النقد محصوراً في الجلسات الخاصة بين المشرف وأحد رجاله، لكن يجب أن يكون النقد بناء.
وتوبيخ الموظف من أقوى الطرق في إضعاف رضا الموظف بعمله واهتمامه بوظيفته وحتى ثقته بنفسه، وقد يريح التوبيخ العنيف مشاعر المشرف بخصوص خطأ وعمل هابط، وقد يرضى ذلك نفسه لكنه قطعاً لن يرفع من مستوى الإنتاج في وحدته، فالموظف الذي ينقد نقداً لاذعاً أو يوبخ بلا رحمة قد يظل يتأجج غيظاً لشهور بسبب الحادثة، وقد لا يتغلب عليها لمدة طويلة ربما لسنين. ومن المحتمل أن ينفس عن استيائه بإنجاز قدر أقل مما لو كان يحب الوظيفة، وهنا توضح استطلاعات الرأي بين موظفي الحكومة والعاملين في الصناعة أن الموظفين لا يعتبرون المشرفين ببساطة أعلى منهم، وصارمين بلا داع في التعامل مع موظفيهم، إن هدف المشرف هو جعل الموظفين يعملون بأقصى طاقة ممكنة وعندما يقومون بعمل هابط فإن واجبه هو حثهم على القيام بعمل أفضل إلا أن ينفث سخطه عليهم، والمشكلة ليست من المسؤول ولكن دائماً كيف تطور مجهودات الموظفين.
المبدأ الخامس: يجب أن يتمتع الموظفون بالفرص لإظهار استعدادهم لقبول مسؤوليات أكبر.
ستصبح كل وظيفة في أي هيئة شاغرة إن آجلاً أو عاجلاً وسيكون على موظف جديد أن يشغلها، وطريقة “هرش الرأس” أي الحيرة في شغل وظيفة خلت بلا توقع هي طريقة سيئة، فعلى العكس من ذلك تحاول أي مصلحة يقودها رجال أولو بصيرة أن تكون مستعدة لملء أي وظيفة أو كل الوظائف حين تخلو ويتطلب ذلك أن يستغل المشرفون كل فرصة لحث رجالهم على إظهار ما يمكنهم عمله، وحين يسمح الوقت لشغل وظيفة شاغرة لن تكون هناك ضرورة للحيرة أو هرش الرأس، ذلك لأن أفضل الموظفين يعرفون بالفعل لأنهم تلقوا التدريب والاختيار، والمشكلة الوحيدة هي اختيار أفضلهم تأهيلاً، وفي هذا الصدد نؤكد بالطبع أن الأقدمية وحدها ليست هي معيار الترقية، بل على العكس من ذلك يجب أن يمنح الأفضل تأهيلاً فرصة الترقي بغض النظر عن السن.
إن إعداد الموظفين لوظائف ذات مسؤوليات أكبر تحتاج إلى حفظ السجلات، فحين تتاح الفرصة للموظف لإظهار ما يمكنه القيام به فإن المشرف الجيد يكتب في الوقت المناسب مذكرة عن أداء الموظف الممتاز ويضمها إلى ملفه الخاص بشؤون الأفراد، وتشمل هذه الفرص واجبات خاصة في عمل أكثر صعوبة أو في مواقع أو مكاتب أخرى، وتوفر رحلات المشرفين الميدانية أو الإجازات فرصاً أخرى لكي يحمل الموظفون المسؤولية والمر كله يتركز في التخطيط في تنمية الموظفين، فالموظف الذي يعمل باضطراد على تنمية ذاته من الممكن أن يزدهر حين يتمتع بالفرصة، ويجب على المشرف الجيد أن يشجع هذا الرجل وأن يلاحظه بعناية.
واختبار الموظفين بقبل أن تخلو الوظيفة تماماً هو إحدى الطرق لتحاشي شغل الوظيفة بشكل سيئ، وليس هذا بالطبع ضماناً إيجابياً فالموظفون يتغيرون لكنه يساعد إلى حد كبير في الحد من عدد التنقلات أو الترقيات السيئة، ووضع الموظفين الذين لم يتم اختيارهم في الوظائف يعتبر من مظاهر إدارة غير حكيمة. والمشرف الذي يظن أنه يملك المقدرة التي لا تخطئ في اختيار الموظفين الأكفاء قد يواجه ببعض المفاجآت.
وإلى هذا الحد فإن الرأي يمثل وجهة نظر الهيئة والمشرف، أما من وجهة نظر الموظفين أصحاب الشأن (وكلنا في الهيئات أصحاب شأن) فإن فرصة الترقي من الأشياء التي يعملون لها، فالطلاب حديثو التخرج من الكليات يؤيدون دائماً معرفة نوع الترقي في المصلحة وفرصهم المكنة فيها. ولا فائدة من القول لهم عندما كنت في سنك كنت سعيداً لمجرد الحصول على عمل، فهذا مجال الفرص “لأن الشاب الذي يخطط طريقه يجب أن يعرف المكان الذي سيشغله بعد خمس أو عشر سنوات”.
وعلاوة على ذلك فإن الموظف الذي يقوم بأعباء وظيفة ما بنجاح يعرف مثل مشرفه ومصلحته أنه يستحق فرصة الترقية إلى وظيفة ذات مسؤولية أكبر، فهو يريد ويستحق مسؤولية أكثر ومرتباً أعلى ووضعاً أرقى.
والمشرف مطالب من وجهة نظر الهيئة والموظفين أن يستغل الفرصة أو يخلبها لترقى رجاله ودعني أذكر في هذه الجملة الاعتراضية أن المشرف الذي يعرف تنمية رجاله من الممكن أن يجد ترقيته هو أسرع بكثير.
المبدأ السادس: يجب أن يشجع الموظفون على تنمية أنفسهم.
شاع في أمريكا لعدة سنوات قبول الفكرة الخاطئة أن الشخص حين يتخرج من المدرسة يصبح “متعلماً” وسواء تخرج الشخص من مدرسة متوسطة، أو عليا أو من معهد أو من جامعة، فإن ذلك لا يشكل كثيراً من الاختلاف إلا في الدرجة، فشهادتك تصبح بمثابة جواز سفرك رغم أنه من المعروف أن دبلومات الكليات ستوصلك إلى أماكن أكثر من دبلومات المدارس العليا وقد أصبحت هذه الدبلومات تعتبر شهادات – انفصال – انفصال من كل تعليم أعلى منها.
وقد جعلت هذه الأفكار روبرت بلاكلي يصف التعليم الأمريكي على أنه نهائي في طابعه، فهو يرى “أنك تعد متعلماً إذا واصلت بلا توقف تعلمي نفسك”. وقد قال هذه العبارة لأحد فصول التخرج في إحدى الكليات، ويوافق على هذه الفكرة بحماس المربون والعلماء ورجال الأعمال والقادة في المجالات المهنية وكذلك المثقفون في كل مكان.
ويمكن للشخص أن يتلقى تدريباً مكثفاً في عديد من الموضوعات لمدة ثماني سنوات أو اثنى عشرة أو ست عشرة سنة أو لسنوات أكثر من ذلك، والغرض من هذا عامة هو تعريف الشخص كيف يستخدم ملكاته العقلية لحل الأنواع المختلفة من المشكلات، ومعظم المشكلات التي يدرسها في المدرسة إما مصطنعة أو مستعارة، وهي ليست بالضرورة واقعية وليست حتماً مشكلاته الخاصة، وحين يترك المدرسة يبدأ الشخص مواجهة مشاكل متنوعة لم يدرسها ولم يناقشها في المدرسة، وكلما كان الشخص أكثر تعليماً كلما كان أفضل تأهيلاً لحل المشاكل الجديدة بنجاح. ويستعيد التعليم بالنسبة لغالبية الأمريكيين صور مبنى المدرسة وحجرات الدراسة، ويتحدث الناس عن التعليم كما لو كان سلعة يمكن الحصول عليها لو ذهبنا إلى المكان الصحيح، وعلى حد قول بلا كي يساعدنا هذا النوع من التكفير على القول لبعضنا “لقد حصلت على تعليمي من بودنك، ومن أين حصلت على تعليمك”.
إن التعليم في الواقع لا ينتهي أبداً قبل أن تنتهي حياتنا، وليس هناك ما يحل محله فإما أن تستمر في التعليم ومقدرتنا على حل المشاكل الجديدة أو نصاب بالركود، فليس ثمة طريق وسط.
ويستطيع الإنسان تنمية عقله بوسائل عديدة: بالقراءة وبالمناقشة خاصة مع أشخاص أكثر كفاءة منه وبالتعبير عن نفسه بالكتابة ويطرق أخرى والمشرف الحكيم هو الذي يحفز رجاله على الاستمرار في شوقهم إلى التعليم وللتعطش للمعرفة والاستعداد للأفكار الجديدة النافعة. وحفز الناس يحتاج إلى مهارة فائقة وتفكير، وبعض المدرسين يعجزون عن القيام بهذا على الأقل مع كل طلابهم وعلى الرغم من هذا فنحن نقترح أن يحاول المشرفون يجد فيما فشل فيه المدرسون المدربون والمجربون، وسيجد من ينجح منهم أنهم يعملون مع مجموعة من الناس سينفقون ويبثون في عملهم الخيال والبصيرة.
المبدأ السابع: يجب أن يعمل الموظفون في ظروف صحية آمنة.
وهذا المبدأ هو آخر المبادئ السبعة وهو غالباً ما يغفله المشرفون ومن المتفق عليه أنه من مسؤولية الإشراف حيثما يستخدم الناس الآلات والأجهزة الآلية وهناك اعتراف أيضاً بالمسؤولية حيث يشترك الناس في عمل بدني ثقيل، وقلما نجد المشرفين على وعي بإجراءات الأمن والسلامة الضرورية في أي مكتب عمل عادي.
وفي أي مكتب كثير من الأخطار المحتملة فالمشي على أسلاك الكهرباء أو أدراج الدراسات المفتوحة في أسفل الدواليب، والوقوف أمام باب قد يفتح فجأة، وإصابة الذراعين، أو اليدين أو الساقين من حافة الأثاث أو عروق الخشب، ومحاولة نقل أثاث ثقيل، أو الوقوع على الأرضيات المشمعة أو الوصلات الكهربائية التالفة كل هذه مواقف بسيطة من الممكن أن تؤدي إلى حوادث خطيرة، وهناك بالإضافة إلى هذه الأشياء أخطار التهوية والإضاءة وغيرها من المشاكل في مكان عمل مغلق مما يحتمل أن تكون ذات أهمية كبيرة وتوجد مستويات فنية لكل هذه الأخطار يمكن الحصول عليها بسهولة من المجلس القومي للأمن الصناعي، وهناك مخاطر على الصحة أيضاً، مثال ذلك الموظف صاحب الضمير الحي الذي يأتي إلى المكتب وهو يقاسي من برد شديد معدي وهذه الأشياء أيضاً تحتاج إلى اهتمام المشرف