فلسطين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فلسطين

    ** التسمية

    عرفت فلسطين منذ القرن الثامن عشر ق.م بأرض كنعان، وبـ "فلستيا" التي وردت في السجلات الآشورية كمجموعة من الدول الفلسطينية التي كان أشهرها الدولة الساحلية حول مدينة أسدود العاصمة، وذكر اسم "أرض فلسطين" علماً أن المقصود من هذا المصطلح الساحل الفلسطيني.. واصبح اسم فلسطين في العهد الروماني ينطبق على الأرض المقدسة، وغدا مصطلحاً رسمياً منذ عهد "هدريان" وانتشر استعمال هذا الاسم في الكنيسة المسيحية على نطاق واسع..

    أما في العهد الإسلامي فقد كانت فلسطين جزءاً من بلاد الشام، حيث كانت لها منزلة خاصة في نفوس العرب المسلمين حيث ورد في القرآن الكريم "الأرض التي باركنا فيه للعالمين" صدق الله العظيم..



    ** من جغرافية فلسطين التاريخية:

    كان لموقع فلسطين المتوسط ما بين القارات الثلاث: آسيا، وأفريقيا، و أوروبا، دور كبير في كتابة تاريخها، خاصة وأنها تعتبر المدخل الرئيسي لهذه القارات، كما أنها حلقة الوصل ما بينها بشكل عام، وما بين مصر القديمة والمناطق الآسيوية الأخرى بشكل خاص..

    يمكن تقسيم فلسطين طولياً حسب الآتي: الساحل والسهل الساحلي الفلسطيني، المقصود به سهل عكا، سهل مرج ابن عامر،وسهل يافا، والساحل الفلسطيني الجنوبي ثم المنطقة السفلي الواقعة بين الجزء الجنوبي للسهل الساحلي ومنطقة جبال القدس والخليل، وسلسلة الجبال الداخلية المقصود بها امتداد سلسلة جبال لبنان التي تنتهى بجبال الخليل، منها جبال الجليل شديدة الارتفاع ومناخها البارد، وجبال نابلس، وجبال القدس، وجبال الخليل، ثم منطقة بئر السبع والنقب تبدأ من وادي الخليل شمالاً حتى وادي السبع جنوباً الذي يتجه غرباً حتى البحر الأبيض المتوسط، ومن ثم تتجه غرباً إلى سيناء وباتجاه الجنوب والجنوب الشرقي إلى الجزيرة العربية مروراً بالعقبة. ثم منطقة وادي الأردن الواقعة بين جبل الشيخ في الشمال والبحر الميت في الجنوب وتشمل منطقة الحولة، وبحيرة طبريا، والبحر الميت، ووداي عربة، والتي تعتمد جميعها على مياه الأمطار بشكل رئيسي والينابيع والأنهار (الأردن والمقطع وإبراهيم والعوجا وروبين والداليه)..



    ** فلسطين في العصر الحجري القديم:

    تبدأ مرحلة العصر الحجري منذ أن بدأ الإنسان الأول يصنع أدواته من الحجارة، وتنتهى بمعرفة الإنسان للكتابة في الألف الرابع قبل الميلاد، وقد دلت المخلفات الأثرية على أن الإنسان قد عاش في منطقة غربي وشرقي نهر الأردن، وقد عثر على معظم المخلفات الأثرية التي تعود لهذا العصر في مواقع موزعة على منطقة واسعة من بلاد الشام، خاصة في منطقة حفرة الانهدام..

    ويعتبر مركز العبيدية في الجزء الشمالي لغور الأردن في فلسطين من أهم المواقع الأثرية وأشملها في جنوب بحيرة طبريا، وقد تمتعت منطقة فلسطين و الأردن بأفضل الأجواء المناخية وبطبيعة خضراء، ومجموعات حيوانية مختلفة، حيث مثلت هذه المرحلة بداية للتجمعات البشرية التي أصبحت تشكل أنماطاً معيشية متطورة، وتم تصنيف المواقع الفلسطينية المنسوبة إلى المرحلة الانتقالية بين الإنسان الجامع للقوت، والإنسان المنتج له تبعاً للأدوات التي تم اكتشافها، وخاصة الميل إلى الاستقرار الدائم في قرى ثابتة بين الإنسان الجامع للقوت والإنسان المنتج في بلاد الشام، حيث يمكن تقسيم مرحلة العصر الحجري الحديث إلى مرحلة البكر ومرحلة المتأخر، وفي هذه المرحلة يبدو أن فلسطين كغيرها من مناطق بلاد البحر المتوسط قد تعرضت لتغيرات مناخية، فقد بنى الإنسان لنفسه بيتاً في هذه الفترة، ففي أريحا عثر على بيوت مستطيلة الشكل، مبنية بطوب ترابي يختلف في شكله على الذي استعمل في الفترات السابقة، وفضلاً عن أريحا فقد تم اكتشاف العديد من المواقع، التي تعود إلى هذه الفترة السابقة، في فلسطين منها: تل المتسلم، وبيسان، والشيخ على وبلاطة، وتل الفارعة وغيرها الكثير.. وقد دخل تصنيع النحاس في حياة السكان في أواخر هذا العصر في مواقع عدة حول الأودية والأنهار ومصادر المياه، وفي المناطق الخصبة، وكانت أول هذه المواقع موقع تليلات الغسول على الزاوية الشمالية الشرقية للبحر الميت، وهناك ثلاثة مواقع هامة تقع بالقرب من بئر السبع وهي خربة البيطار، وبئر الصفدي، وتل أبومطر وهي متشابهة في إطار حضاري واحد، تعتمد على زراعة القمح والشعير وحياة الرعى والاستغلال الجزئي للنحاس والتجارة مع المناطق المجاورة، وتمثل المرحلة السكنية بمبان تحت الأرض تتضمن غرفاً مستطيلة الشكل متوسطة الطول، تطورت إلى غرف دائرية أو مخروطية بنيت من الطوب المجفف فوق أساس من الحجارة، بسقوف من لوحات خشبية متعارضة ومغطاة بطبقة طينية.. وأهم ما يميز هذه المرحلة أيضاً وجود الأدوات الفخارية، ووجود عدد من التماثيل (الدمي) الآدمية من العاج تمثل الرجال والنساء، امتدت هذه الحضارة لتمثل الجزء الأكبر من شمال النقب، ابتداء من مواقع وادي غزة في الغرب وتل عرار في الشرق..



    ** ظهور دويلات المدن:

    شهدت منطقة الشرق القديم ومنها فلسطين، في العصر البرنزي مع نهاية الآلف الرابع قبل الميلاد، تغيراً حاسماً في النواحي الاجتماعية والاقتصادية والمعمارية، وكان أكثر ما ميز هذه المرحلة في فلسطين، ظهور اعداد كبيرة من المدائن المقطوعة في الصخر، تنسب إلى جماعات وضعت نهاية لحضارة العصر الحجري النحاسي، أو حضارة غسول/ بئر السبع حيث تظهر هذه المدافن الصخرية في فلسطين وتنتشر على نطاق واسع وقد وجد مع الهياكل العظيمة عدد كبير من المرفقات الجنائزية كالأواني الفخارية والبازلتيه وبعض الأدوات البرونزية، مما يظهر بأن سكان فلسطين اخذوا في تزايد مستمر، وأصبحوا يطورون في مواقعهم السكنية تدريجياً حتى أصبحت مدناً محصنة ذات طابع مستقل، تميزت باستعمال عجنة الفخار على نطاق واسع، وذلك بخلط النحاس بنسبة معينة من القصدير، انتجوا منها أدوات برونزية متعددة الأشكال والوظائف، وغلب عليها الصحن العميق بأحجام مختلفة، وكانت مادة البناء الرئيسية في مدنهم وقراهم الفلسطينية من الطوب المجفف على أرضية من الحجارة الملساء، مؤلفة من غرفة واحدة، وقد اضيفت غرف أخرى تبعاً للحاجة، وقد كشفت الحفريات على وجود معابد في تل الفارعة، وفي اريحا، والتل (عي) الذي عثر فيها على معبد أعيد بناؤه ثلاث مرات، وعلى بعض أواني (التقدمات) جراراً كبيرة مغروسة في الأرض، وكذلك في تل المتسلم، وتميزت مدافنهم بالمدافن المقطوعة من الصخر، والمدافن القبية، ومدافن الغرف المستطيلة، والمدافن العمودية المقطوعة من الصخر.

    إن تطور حياة المدن والاستقرار زاد من حركة العمران التي تدل على نمو السكان، وارتفاع مستوى المعيشة، وتقدم ملحوظ في نظام الزراعة مثل الحبوب والزيتون و اللوزيات، وقد عثر أيضاً على أدوات للزينة مصنعة محلياً أو مستوردة مثل الخرز والعظام والأحجار الكريمة وبعض قطع الذهب، في أهم المدن اريحا (تل عين السلطان) وعرار في منطقة النقب، والتل (عي) شرق قرية بتين في محافظة رام الله والبيرة، وخربة الكرك في المنطقة الجنوبية، والعفولة بالقرب من مدينة العفولة، ويازور على الطريق بين يافا والقدس، وتل الشيخ العرينى على الساحل الفلسطيني، وتل الفارعة الشمالي، وباب الزراع شرق البحر الميت، وقد امتدت هذه المرحلة بتطور ملموس في المدن حتى منتصف القرن السادس عشر حتى أواخر القرن الثالث عشر ق.م، حيث تميزت هذه الفترة بالسيطرة المصرية شبه التامة على بلاد الشام بالقضاء على آخر ملوك الهكسوس، وباختصار فإن حالة من الاضطراب قد سيطرت على فلسطين من مواقع الجنوب والوسط.

    وفي التاريخ الاجتماعي والاقتصادي في العصر البرونزي الأخير، نستنتج من انتشار المدن والكهوف المحصنة ازدهار الحياة الاقتصادية في فلسطين خلال الألف الثاني قبل الميلاد، حيث وجدت بعض مجموعات من الحرفيين وفئات التجار والفلاحين، وصناعة الأسلحة المعدنية، ولاشك بأن العائلة كانت تشكل أساساً للعلاقات الاجتماعية، وكان لها التأثير المباشر على الحياة السياسية إذ كان الحاكم يورث ابنه الحكم من بعده، وكان النصيب الأكبر من الإرث للأولاد من الذكور، والابن الأكبر مسؤول عن العائلة، وينسب إلى هذا العصر أقدم تاريخ للقبائل العبرية، تبعاً لتفسيرات علماء اللاهوت لسفري العدد ويشوع في التوراة مما جعل غالبية رجال اللاهوت المهتمين بالعهد القديم، تحاول تفسير أسفار التوراة على أنها حقيقة مسلم به، حيث اخذوا ينسبون غالبية المادة الحضارية لتاريخ العبرانيين لخدمة أطماعهم السياسية.



    ** عصر المماليك:
    اعتمد شرح هذه الحقبة الزمنية على تفسيرات علماء اللاهوت للتوراة، مستمدة من شرح مفصل من أسفار التوراة المتتابعة زمنياً، ابتداء من سفر القضاة الذي يعنى استقرار ما يسمى بالقبائل العبرية في فلسطين، ويتبع ذلك سفرا صموئيل الأول والثاني، وسفرا الملوك الأول والثاني أيام شاؤول وداوود وسليمان ثم انفصال هذه المملكة إلى مملكة إسرائيل الشمالية، ومملكة يهودا الجنوبية والصراع بينهما ثم الصراع مع ممالك المؤابين والعمونيين في الضفة الشرقية من نهر الأردن والممالك الآرامية الأخرى في شمال سوريا، حيث كانت فلسطين مسرحاً لعدد من الصراعات الداخلية والخارجية بين القوى الكبرى في مصر وبلاد ما بين النهرين وآسيا الصغرى، تكونت في هذه الظروف مراكز قوى محلية من كنعانية وآرامية، امتزجت مع مجموعات مهاجرة أشهرها الفلسطينيون الذين يعتبرونهم من مجموعة شعوب البحر، واعتبرهم آخرون سكان فلسطين أصلاً امتزجوا بمجموعات شعوب البحر الذين أثروا في حضارتهم، وأدخلوا عليها مواداً وعادات جديدة، اصبحت متميزة في الكثير من مواقع الساحل الفلسطيني الجنوبي، ظهرت التأثيرات الكنعانية على مخالفاتهم من خلال اسماء آلهتهم (داجوت، وعشتروت) وحياتهم الدينية الكنعانية،وبيوتهم، ومعابدهم ومبانيهم العامة التي نسبتها ادعاءات التوراتيين الإسرائيليين لهم، فقد ادعت التوراة أن القبائل العبرية الاثنتى عشرة قد عقدت تحالفاً مع شكيم، وتجمعت حول اله واحد ومعبد واحد، واستطردت التوراة بسرد وانجازات داوود وسليمان حيث انقسمت المملكة في عهده إلى مملكتين احتدم الصراع بينهما حتى الحملات العسكرية الآسيوية باخضاع ممالك آرام وأروم وإسرائيل ودفعهم الجزية لآشور حتى سقوط الدولة البابلية في منتصف القرن السادس ق.م واصبحت بلاد الشرق الأدنى تحت سيطرة الفرس، بعد أن تم نفي اليهود وسبيهم في (586ق.م) من قبل القوات البابلية المسيطرة بقيادة بنوخنصر، حيث بقيت المعلومات التاريخية الموثقة عن فلسطين في العهد الفارسي قليلة ومبعثرة..ونستطيع أن نلخص الفترة الممتدة من الألف الرابع إلى أواخر القرن الرابع قبل الميلاد، هجرة أقوام هبطوا من الصحراء، وتنقل قبائل جاءت تستوطن عموريين وكنعانيين وغير ذلك، وقبائل فاتحة وغازية من الشرق بابليون، وآشوريون وكلدانيون، وفرس، والفاتحون من مصر، ومن البحر "شعوب البحر" الذين عرفوا بالفلسطينيين جاؤوا إلى البلاد في القرن الثاني عشر قبل الميلاد..



    ** عهد الاسكندر والبطالمة والسلوفيون:

    في سنة 334ق.م اجتاز الاسكندر من اليونان إلى آسيا الصغرى، وانتصر على الفرس واتجه بعد ذلك جنوباً نحو سواحل بلاد الشام رغبة منه في تدمير الأسطول البحري الفنيقي، فاستولى على ساحل بلاد الشام شمالاً حتى غزة المدينة التي حاصرها ووقفت في طريقه مدة شهرين إلى أربعة أشهر قبل تدميرها، وبعدها تسلم الاسكندر مصر سلماً بعد غزة وبني فيها مدينة الاسكندرية، ثم عاد إلى بلاد الشام حيث أعد حملته نحو فارس و أواسط آسيا وحوض السند، وقد توفى فجأة بعد ذلك،وقامت الحروب بين قادته، وظهر ملوك البطالمة والسلوقيون طوال القرن الثالث قبل الميلاد بعد حروب طاحنة فيما بينهم، وقد أصاب فلسطين الضرر من هذه الحروب إلا أنها نعمت بالاستقرار في العصر السلوقي إلى أن قامت حرب الماكبين ضد السلوقيين استمرت أربعين سنة إلى أن جاء الرومان فأصبحت فلسطين جزءاً من الدولة الرومانية..

    كانت فلسطين في أيام الفرس جزءاً من المرزبانية الخامس، التي تشمل بلاد الشام وجزيرة قبرص، مقسمة، إلى خمس وحدات إدارية: الجليل، والسامرة، ومنطقة القدس، و اسدود فلسطيا القديمة مع عسقلان وغزة، وأدوم،وقد ورث البطالمة هذا التقسيم عن الفرس، وقد أدخلوا بعض التعديلات، وبقي هذا التقسيم في عهد السلوقين مع بعض التعديلات لغاية الثورة المكابية حاكم السامرة بفصل منطقة القدس وجعلها إبارخيا مستقلة، حيث كانت البلاد عبارة عن ساحة حرب في معظم الفترات، كان للمدينة المستقلة دور كبير في تاريخ فلسطين، فازداد عدد المدن ودخل في تنظيمها العنصر الهليني، بتبديل طبيعة المدن، ونشاط المجتمع كمراكز للنشاط الحضاري والثقافي، حيث منحت الاستقلال الاداري لفرض الضرائب، وكان من أشهرها: عكا كميناء على البحر، وجبع على منحدر الكرمل، ودورا على الساحل الفلسطيني الجنوبي، وحصن استراتون صيدا، ويافا، ويبنا جنوب يافا، اسدود على السهل الساحلي الجنوبي، وعسقلان، وغزة، ورفح، اعتمدت جميعها على الزراعة والصناعة والتجارة مع الغرب والريف الشرقي وغور الأردن مع قيام سكة للنقود والمصارف في المدن التجارية والمؤسسات الرسمية والمدن المستقلة والمنظمات السياسية والدينية من أهمها جماعات الصديقون من الجماعة الدينية اليهودية، والفريسيون والغلاة..



    ** روما تحتل فلسطين:

    في سنة 65ق.م دخلت الجيوش الرومانية كيليكيا في طريقها إلى سوريا وفلسطين، وفي سنة 63ق.م اعتبرت المنطقة الغربية من الدولة السلوقية وفيها فلسطين بأجمعها وغرب سوريا، ولاية (سوريا الرومانية).. بقيت لغاية سنة 66م حيث اندلعت في فلسطين حركة عصيان عنيفة ضد الحكم الروماني بسبب الضرائب، حتى أخمدها نيرون (54-68م) وتم هدم الهيكل سنة 70م من قبل ابن نيرون (تيطس) الذي كان هيرودس قد بناه، هدمت بيت المقدس نتيجة هذه الحرب العنيفة على أن محاولة إنشاء مدينة هيلينية محل بيت المقدس القديمة أدت إلى قيام عصيان كبير في فلسطين..



    ** المسيحية في فلسطين:
    كانت السلبية تتمثل في موقف اليهود العدائي نحو الهيلينية، ونحو الدولة الرومانية، فقد كانوا يحاولون ترسيخ عقائدهم الدينية، بربطها بأمور كثيرة، باتخاذهم قواعد دينية غريبة،كربطهم بالاعتزال عن الآخرين اجتماعياً، حتى في قواعد الطعام واللباس والطهارة مما اشعر الرومان بأنهم جماعة يختلفون عنهم تماماً، فهم أي اليهود يعتقدون أن الله اختارهم شعباً خاصاً، وأن مملكة ستقوم على الأرض، هي المملكة اليهودية الآلهية المنتظرة، سيتحقق وجودها على يد مخلص منقذ يعود إلى الشعب اليهودي، حيث أصبح للهيكل اليهودي مكانة خاصة في الحياة اليهودية بطقوس متنوعة تتم في الهيكل، وكان الفريقان الرئيسيان في المجتمع اليهودي الفريسيين والصدوقين على خلاف في تأدية طقوسهم الدينية، في هذا الجو جاء المسيح برسالته التي تتلخص، بان ملكوت الله، هو هبة الله للبشر أجمعين، وأنه يتم بإرادة الله، والحصول عليه يتم بالتوبة، والتنازل عن متاع الدنيا، والوصول إلى هذا المكتوب يصبح أمراً روحياً داخلياً في نفس كل مؤمن، وحملت دعوة المسيح تحريراً للإنسان من القيود والأربطة التي لفتها الجماعة الدينية اليهودية حوله، فقيدت المجتمع فرادي وجماعات.. ويمكننا أن نلخص ما مر بالمسيحيين في الفترة الأولى من حياتهم، وخاصة في بيت المقدس بالآتي: أصر اليهود الذين قبلوا المسيحية بأن "الخلاص" الذي دعا إليه المسيح لا يمكن أن يتم إلا في إطار "الشريعة" والحفاظ على قواعدها، والمظهران الرئيسيان لذلك هما الختان والتقيد بأنظمة التطهر، أما الذين لم يكونوا يهوداً فلم يروا التقيد بهذين الأمرين، والمؤمنين الجدد قبلوا فكرة مجيء المخلص المنتظر "المسيا" وقبلوا المسيح على هذا الأساس، فالذين كانوا يهوداً أصلاً، كانوا يأملون من المخلص "المسيا" أن يعيد لهم دولة، بعد التي ضاعت بعد احتلال بومبي لفلسطين عام 63ق.م، وبعد زوال هيرودس سنة 4ق.م، أما الآخرون لم تكن تر أن إعادة دولة يهود هو الخلاص.. في هذه الأجواء الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والروحية، التي لم تكن هادئة، كانت فلسطين من النقاط الحارة في الصدام لغاية 135م، حيث كانت المسيحية تشق طريقها وتنتشر،رغم الاضطهاد الرسمي على أيدي الأباطرة، بحيث أنه قدر أن خمس سكان الامبراطورية كانوا اعتنقوا المسيحية في أواسط القرن الرابع الميلادي، حيث كانت خصوماتهم تدور حول أن المسيحيين هم خصوم للمدنية، والمسيحية أداة لتدمير الحضارة اليونانية والرومانية، واعتناق المسيحية يضعف الأخلاق الفاضلة، وهي خالية من الفكر الفلسفي، وهي حديثة العهد ومن أهم وأعنف الاعتراضات كانت من اليهود والوثنيين على المسيحية..



    ** الدولة البيزنطية في فلسطين لغاية الفتح العربي:

    تاريخ بلاد الشام طغت منذ بداية القرن الثالث الميلادي على الحروب المستمرة، بين الدولة الساسانية الفارسية والدولة الرومانية، علماً بأن الدولة البيزنطية حافظت منذ قيامها، على ما ورثته من مؤسسات ونظم وترتيبات إدارية، جاءت نتيجة للتجربة الهلينية الرومانية متراكمة ومجتمعة، ومن أبرزها قيام الحكم المركزي المطلق، الذي يعتمد على سلم بيروقراطي تكاد تنعدم فيه، المرونة فقد تولى شؤون الامبراطورية المطلق، بعد قسطنطين وحتى نهاية 527سبعة عشر امبراطورا، وبالنسبة لفلسطين فإن أهم ما تم في هذه الفترة هو العناية بتطوير الادارة، فالوالي الذي يمثل السلطة المركزية العليا أي الملك، هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، وداخل حدود ولايته في فلسطين كانت مدن لها إدارتها المدنية الخاصة بها، مثل بيسان، وقيصرية (الساحل) ونابلس وسبسطية وصفورية وعكا وغزة وبيت جبرين، مستقلة تصك النقود الخاصة بها، لها حدودها، إلى أن أصبحت فلسطين سنة 400م مقسمة إلى ثلاثة أقسام إدارية فلسطين الأولى والثانية والثالثة (الصحراوية) أو (الداخلية). الأولى كانت تضم القدس (إيليا كابيتولينا) قيصرية (قيسارية) دور الطنطورة، رأس العين، اللد، يبنه، عمواس، كفر عانة، عسقلان، غزة، رفح ، بيت جبرين، نابلس سبسطية، أريحا، اسدود، تل الفارعة، الخليل، أما فلسطين الثانية: بيسان، أم قيس، اللجون، صفورية، دبورية، طبريا، الكرك، الحصن، الخليل الأعلى، اما فلسطين الثالثة: بئر السبع، أراد (تل عراد)، العقبة (إيليا)، عوجا الحفير، سبيطة، مقسمة إلى 31 قضاءاً فيها 31 مدينة، 422 قرية، عدا عن القلاع والحصون، وفي الفترة التي تلت عهد قسطنطين تطورت الكنيسة في فلسطين والجوار، حيث كان انتشار المسيحية في المدن بداية، ثم الريف، ثم مع الطرق التجارية، وقد تخلصت من التصاقها باليهودية كديانة جديدة متمثلة في اتجاهين مشرقي يمثل في الكنيسة التي نظمت أمورها في بلاد الشام وبعض مناطق العراق، وكانت اللغة المستعملة في خدمتها السريانية، وفي مصر استعملت اللغة المرقسية القبطية، والاتجاه الثاني الذي ظهر في آسيا الصغرى وبلاد اليونان والاسكندرية والذين كانوا يعتمدون اللغة اليونانية، قامت بينها خلافات متعددة ومتباينة، لتباين الخلفيات التاريخية والحضارية والاجتماعية لفئاتها المتعددة، وخاصة خلافات لاهوتية حول عدة أمور، كان تنظيم الكنيسة في فلسطين يسير على أساس الوحدات الادارية، فحيث يوجد مسيحيون وكنيسة أو كنائس كان يتولى إدارتها "أسقف" يتم انتخابه من قبل العلمانيين ورجال الدين..

    لم يتبدل سكان فلسطين من القرن الرابع لغاية القرن السادس من حيث العناصر إلا بازدياد عدد العرب بين السكان إلى الأدمويين في الجنوب، والأيطوريين في الشمال الشرقي، والقبائل التي كانت تقطن الساحل الجنوبي والأوسط، إزدادوا بالقبائل الغسانية، وبعض الأنباط، ودخول الأنباط كجنود وتجار و موظفين، وقد تبدل الوضع الديني وبقي فئة من اليهود كانت على عادتها من العنصرية من التحجر الفكري والاجتماعي، كما ظل السامريون الذين ينتشرون في فلسطين على دينهم، يعيشون جميعهم على الزراعة والتجارة والصناعة، وقد استعملوا الاقتصاد العيني بدل الاقتصاد النقدي أي المقايضة فيما بينهم، وقد بنى الرومان في هذا العهد عدة جسور وطرق وموانئ ادت إلى ازدهار فلسطين من الناحية التجارية والعسكرية. أما التعليم فكانت مسؤولية الأسرة نفسها حيث يقوم الآباء بتعليم أبنائهم بتوفير المعلمين لهم، وعنيت المدينة بتوفير التعليم العالي، ، وأنشئوا مؤسسات البحث العلمي والمكتبات العامة والخاصة، وعرفت من بين مدارسهم مدرسة غزة في القرن السادس، للحفاظ على الفكر الهليني لتوضيح الفكر المسيحي..

    في دراسة التطور الحضاري في فلسطين لغاية مجيء العرب، والتي ترجمته النقوش والآثار والقيود والنصوص التاريخية. وما عرفته من مؤلفات في جميع مجالات الحياة والمسرح، وما يشبه ذلك من الأبنية التي كانت تتم فيها الاحتفلات العامة، والنحوتات، وبناء المنازل ، و الرسوم الفنية، والمصنوعات الفنية، وفنون البناء، ما أثبت أن المسيحية، الدين الجديد، نمت وترعرعت في إطار إجتماعي ثقافي روماني مميز، بالهيكل الوثني، بكل ما في من اتقان في البناء والزخرفة، والثاني الباسلكيا المبني الواسع المستطيل الشكل، حيث اخذت الكنيسة بأسس وقواعد للبناء، اعتمد التراث الفني والفكري الذي كان سائداً في ذلك الوقت، وفي فلسطين كان التراث الهلينستي هو السائد بفنونه وبنائه وتنظيمه..

    كانت الحروب بين البيزنطيين والساسانيين تعنف وتهدأ، وكانت تعقد بين الدولتين معاهدات واتفاقات صلح متعددة لا تلبث أن تلغي وتقع الحروب مجدداً بين البلدين، ولكن كان لهذه الحروب آثار كبيرة فيما يتعلق بالادارة والتنظيم في البلاد، فقد وجد العرب الفاتحون إدارة بيزنطية في فلسطين قد تآكلت، وتضاربت المصالح العامة والخاصة فيها بحيث أن البلاد لم تتمكن من الوقوف أمام الفاتحين..



    ** فلسطين والفتح العربي:

    كانت فلسطين تقع تحت حكم البيزنظيين، في صلب الأحداث التي نجمت عن الحروب الانتقامية التي شنها (هرقل) على فارس، رداً للهجوم الذي قام به كسرى الثاني (590-628م) على بيزنطة في الأناضول وانطاكية ودمشق وبيت المقدس، التي تركها نهباً للحرائق ودمر فيها كنيسة القيامة وغيرها من بيوت العبادة، وأعمل السيف في أهلها عام 614م، وحمل معه الصليب المقدس وعاد به إلى عاصمته، وقد استرد (هرقل) ما فقده من أرض ومن جملتها فلسطين، كان الحكم الفارسي قد دام اثنتي عشرة سنة، فقدت خلالها بيزنطة الكثير من نفوذها وهيبتها، وخاصة في المناطق الجنوبية من بلاد الشام (فلسطين)، بعد إيقاف المساعدات المالية المدفوعة لهذه المنطقة، مقابل حراسة الحدود، ولم تكن الحال بأفضل في المجال الديني، إذ أن الانشقاق في الكنيسة الذي حدث في منتصف القرن الخامس أدى إلى تصدع وحدة المجتمع الروحية.

    كان الفتح العربي لبلاد الشام ومنها فلسطين، جزءاً من مخطط بدأ تنفيذه منذ حياة الرسول (ص)، تطبيقاً لمبدأ عالمية الدعوة الإسلامية: الأقربون، عرب الجزيرة، العرب خارج الجزيرة، شعوب العالم، فكانت بدايات الفتح للعرب خارج الجزيرة، علماً بأن العرب خارج الجزيرة، غالبية قبائلهم تحالفت مع البيزنطيين لعاملين أساسيين أولهما عامل الدين إذ كان بعضها يدين بالنصرانية، والثاني عامل الاستقلال القبلي ورفض تدخل أية قوة خارج عن إطار القبلية، كان اللقاء الأول للفاتحين مع هذه القبائل، ثم تم فتح المدن ذات الغالبية العربية الواقعة جنوب بلاد الشام، ثم أواسط بلاد الشام، ثم المدن الساحلية، ومعظم هذه المدن تم فتحها بعد حصار طويل، وقد سهل على الفاتحين التناقض في التركيب السكاني وتعدد الديانات، وسوء الادارة البيزنطية، والخلافات المذهبية، وقد أقامت الجيوش الفاتحة قواعدها العسكرية المركزية في الجابية في الجولان منطقة الغساسنة والرملة في فلسطين، ونزل القادة الفاتحون في طبريا، وبيسان، وفي القدس (إيلياء)..

المواضيع ذات الصلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
أنشئ بواسطة HaMooooDi, 01-11-2024, 01:45 AM
ردود 0
25 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة HaMooooDi
بواسطة HaMooooDi
 
أنشئ بواسطة HeaD Master, 12-26-2008, 08:20 PM
ردود 30
6,255 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة HeaD Master
بواسطة HeaD Master
 
أنشئ بواسطة HaMooooDi, 06-21-2008, 04:50 AM
ردود 178
14,094 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة HeaD Master
بواسطة HeaD Master
 
يعمل...
X