الشهيد أبو جهاد وبعض البدايات في الثورة .. ، رحيل الجد إلى الرملة 1915

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الشهيد أبو جهاد وبعض البدايات في الثورة .. ، رحيل الجد إلى الرملة 1915

    إذا التقيت عدوك .. فاثبت له حتى يتقهقر، فإذا تقهقر فاتبعه حتى يقع، وإذا وقع فاضرب عنقه. «عمرو بن العاض» بضوء أخضر امبريالي أمريكي. تناولت الكثير من الأقلام «أبو جهاد - خليل الوزير، الإنسان والقائد» ..، وهأنذا أوضح وألقي الضوء على بعض الأمور في هذا المقال .، الذي آمل أن أتبعه بمقال ومقال ومقال .. لكي أُجلي بعض الحقائق .. قبل لحاقي به وبأخواته وإخوانه من سفراء ثورتنا الوطنية المعاصرة، ثورتنا العربية الفلسطينية.
    أعلنت تركيا الحرب مع ألمانيا (1914) ضد الحلفاء، وجهزت جيوشها في بقايا إمبراطوريتها، وجعلت جبهة فلسطين من أهم مواقع دفاعها، بإمرة الجيش الرابع بقيادة جمال باشا السفاح، وذلك لمواجهة الجيش البريطاني المنتظر قدومه من الديار المصرية (سيناء) بقيادة الجنرال اللنبي. في هذه الأثناء عاث الجيش التركي فساداً في فلسطين .. خاصة جنوبها، فقطع الأشجار وسرق المحاصيل وجعل قطاع غزة منطقة عسكرية مغلقة.
    لقد دفعت السياسة التركية الغاشمة الكثير من أبناء مدينة غزة إلى الهجرة منها متجهين شمالاً ..، وقل تعداد المدينة إلى ما دون (3000 مواطن) .. مع العلم أنها المدينة الأكثر تعداداً في المدن الفلسطينية عبر آلاف السنين.
    ارتحل خليل الوزير (الجد) إلى مدينة الرملة (عروسة السهل الساحلي)، وذلك عام 1915) واستقر هناك .. وتزوج ابنه إبراهيم، وأنجب خليل (الحفيد) في اليوم ما قبل الأخير من الإضراب الفلسطيني التاريخي [17/4/1936 – 11/10/1936].


    طرد الأب من الرملة 1948ودرس في مدارس الرملة الابتدائية، حتى انسحاب الجيش العربي الأردني من مدينتي (اللد والرملة)، حيث فرض قائد الهجوم الإسرائيلي إسحاق رابين الخروج القصري على المواطنين، وأعطاهم حق الاختيار بين التوجه شرقاً إلى رام الله، أو التوجه جنوباً في اتجاه المجدل وغزة، وأعطى لجيشه حق سلب أولئك المواطنين رجالاً ونساءً من كل ما في حوزتهم، فعلاً خرجوا بملابسهم التي على أجسادهم ..، وكان هذا أمراً مهماً ولقد تعرض الصبي خليل الوزير – فعلاً – إلى إطلاق نار مباشر ولكن الرصاص أصاب عربي آخر، .. ولكن الأمر الأهم .. كان بالإجهاز قتلاً على مرأى من الجميع لحالات عديدة .. لكيلا يُنقل أي منهم إلى مستشفى، فالرصاصة أقل كلفة من العلاج – والعربي الجيد، في العرف الصهيوني، هو العربي الميت -!!!.
    تأثر الصبي (خليل) بهذه المناظر المؤذية في النفس والتي تترسب في الأعماق لصبي دون الثانية عشر من عمره، خاصة أن هذا الصبي كان ذكياً ولماحاً .. فهو الأول على أقرانه في المدرسة، وبقي كذلك حتى تخرجه من «الثانوية العامة» في مدينة غزة، (1955). وبعد مصادمة الموت وجهاً لوجه في مدينة الرملة .. نجحت الأسرة في الوصول بعد صعاب - ما أنزل الله بها من سلطان – إلى مدينة غزة، وسكنت منزل العائلة في حي الدرج، وعمل الوالد في «حمام السمرة» خاصتهم، وانتظم الابن خليل في مدرسة الرمال الإعدادية للاجئين.
    إلى أين ؟
    وتأثر الصبي بما أحاط به من أحداث وبقي قارئاً أميناً لذلك المشهد .. مشهد الاقتلاع من الجذور ..، حيث تم القطع الحدي للتطور المجتمعي الفلسطيني، والقي به بعيداً .. عاش الجندي الإسرائيلي القاتل في أعماق أعماق نفسية ذاك الصبي .. وتعاظم دور الجندي سلباً على كامل حراك حياة الصبي ..، وصراخه الأخير لازال يملأ عليه الأسماع والبصر – ويثقل عليه بصيرته (يالا روخ من هون) ..، والسؤال الأبدي .. في أعماق الصبي إلى أين؟ ..، ودوماً برز على مجمل حياة الصبي السؤال الأكثر خطورة .. أين القيادة؟ .. ولكن السؤال الأشد خطورة – كمن في – أين الأشقاء العرب / شعوباً وأحزاباً وملوكاً ورؤساءًا؟ ..
    الجواب:- حركة الكل الوطني
    كبر الصبي .. وكبرت الأسئلة ووجد نفسه يجيب عليها ..، علينا خلق الإطار التنظيمي الذي سيتولى رد الضيم الواقع على شعبنا، وهذا لا يكون إلا بإعطاء الدور القيادي الأول في قضيتنا لشعبنا .. مع تثوير طاقاته وإمكاناته وقدراته .. وأن تصب جميعاً في خانة النضال الوطني .. بكافة أوجهه .. وتوجهاته وجبهاته وأذرعه متكاملاً في الأداء على أرضية معادلة «الكل الوطني» أسوة بكل حركات التحرر العالمية ..، أي أن الحاجة تفرض .. بل وتحتم خلق حركة تحرر وطني ثورية شعبية عربية فلسطينية تتبنى الكفاح المسلح / ذراعاً مركزياً وأساسياً من أذرع النضال الوطني /، وتكون هذه الحركة (القابلة للتطور) هي القيادة الوطنية الفلسطينية الراعية لمشروع التحرر الوطني الفلسطيني، والمحافظة على القرار الوطني السياسي الفلسطيني، وأن يبقى مستقلاً عن النظام العربي الرسمي، استفادة من التجربة الوطنية الفلسطينية السابقة ونهلاً من تجربة الثورة الجزائرية الشقيقة منذ انطلاقتها في 1/11/1954.
    «التنظيم هو الحل»هنا توجه للإطار التنظيمي الذي بحث عنه إبان احتدام الصراع بينه وبين نفسه، وهو يرى الجنود الصهاينة يمارسون فاشيتهم وساديتهم، التحق بجماعة الإخوان المسلمين أوائل الخمسينات من القرن الماضي، متأثراً بدعاياتهم وبأحاديثهم المنمقة حول فلسطين وضرورة استردادها بالكفاح المسلح ..، انتظم حسبما يفرض عليه عمره، بما أطلق عليه حينئذ «الفتيان» وتلقي بعض التدريبات الكشفية والعسكرية في رفح وشمال سيناء .. وأصبح المسئول الأول لهؤلاء الشباب «الفتيان»،.
    فلسطين الألوية الثانية
    وعندما طالبهم مع غيره بالسماح لهم بتنفيذ وممارسة ما استفادوه من التدريب العسكري ضد العدو الصهيوني، فوجئوا بالرد الحاسم بأن الأولوية للجهاد ليست ضد «إسرائيل» بالرغم من خطرها .. بل إن أولوية الجهاد الأولى هي ضد النظام المصري بقيادة جمال عبد الناصر.
    المنعطف المصري
    هنا كان المنعطف الحاسم والخطير في حياة خليل الوزير وهذه المجموعة من «الفتيان» - مما سيؤثر في تاريخ فلسطين المعاصر والمنطقة على مدى العقود الطويلة من السنين. هنا بدأ وبعض إخوانه .. في اتخاذ القرار الجدي الذي سيتأثر كل منهم .. حتى نهاية حياته نتيجة هذا القرار المصيري في حياة كل منهم وتاريخ فلسطين.
    لقد كان قرارهم .. هو ترجمة وتجسيد حي .. مبدع وخلاّق .. لما دار في كيان الصبي خليل الوزير بمدينة الرملة .. وقد صاحبه مع غيره من أبناء جيله ..،. هنا كان التنفيذ الحي للخلاص الوطني الفلسطيني .. ألا وهو القسم بممارسة النضال الثوري وإبراز الكفاح المسلح ليكون بوابة المرحلة الوطنية الفلسطينية مع التأكيد فيما بين هذه المجموعة الشابة الخارجة والمتخلصة من ثوب «جماعة الإخوان المسلمين» إلى غير رجعة .. بأن العمل المسلح داخل الأرض المحتلة هو «خشبة الخلاص» لمعاناة الشعب الفلسطيني والطريق الذي لا بديل له لاسترداد التراب العربي الفلسطيني وعودة الإنسان الفلسطيني إلى أرضه .. للتفاعل العمودي مع أرضه والتفاعل الأفقي مع مواطنيه أسوة بكل شعوب وأمم الأرض.
    العمل العسكري الأول
    وأخطر ما في الأمر .. أنهم قد طبقوا القول بالفعل .. حيث بدءوا ممارسة العمل العسكري مباشرة من قطاع غزة، داخل الأرض المحتلة. ونجحوا في التسلل عبر خطوط هدنة (1949) واستطلاع بعض الأهداف والوصول إليها (وهي متواضعة) وضربها. إن «إسرائيل» على مستوى أعلى زعاماتها قد درست هذه الظاهرة الآتية عبر الحدود ..، ولم يكن أياً من هؤلاء الشباب قد جاوز (20 عاماً) من عمره، ما عدا / حمد العايدي /، لقد أوضح هؤلاء الشباب .. «أن التنظيم .. حتماً في خدمة القضية» وليس العكس، وفي اجتماعهم السري الأول اختاروا / خليل الوزير / مسئولاً عن هذه المجموعة – وأطلقوا عليه مسمى «المعلم» - ووزعوا الأدوار ، حيث أبقوا / كمال عدوان / على عضويته بجماعة الإخوان المسلمين، لينقل إليهم ما يدور في الجماعة وليخفف من هجوم «الجماعة» ضدهم.
    العلم .. الأرضية الصلبة للعودة
    بعد الانتهاء من المرحلة الدراسية الإعدادية، التحق / خليل الوزير / بمدرسة فلسطين الثانوية .. (1952 – 1955) ونشط بفاعليات ثقافية وطنية .. شهد له بها الجميع من أقرانه ومدرسيه، حيث أصبح وهو في السنة الثانية ثانوي رئيساً للجنة الثقافية المشرفة على المهرجانات الخطابية، والبرنامج الخطابي الصباحي والتمثيل وجرائد الحائط والمجلة المطبوعة الصادرة باسم المدرسة،. هنا بدأت ملكات الشاب/ خليل الوزير/ بالتبلور والتمايز وظهرت شخصيته القيادية المتسمة بالهدوء والانسياب وقوة الإقناع والحسم في اتخاذ القرار.
    تفجير خزان زوهر ومضاعفاته
    اقترن دوره في المدرسة الثانوية .. مع دوره القيادي لمجموعة العمل العسكري الفلسطيني الأول بعد نكبة (1948) وذلك في الأشهر الأولى لعام 1954، قام مع إخوانه بعمليات عسكرية عدة .. إلى أن كانت العملية الكبيرة ليلة 25/2/1955 .. حيث قامت دورية عسكرية بقيادة / خليل الوزير / بتفجير خزان زوهر ..، وتدفقت مياهه المجوزة إلى البحر الأبيض المتوسط .. ولكن هذه المياه تدفقت نتائجها سياسياً في المنطقة بكاملها، فلقد اتخذ دافيد بن غوريون وزير دفاع «إسرائيل» حينئذٍ قراره بالانتقام وبالفعل قامت (وحدة 101 + قوات المظليين) بالهجوم على جنوب مدينة غزة، حيث أوقعت في كمينها سيارة لوري مغطاة (بالشادر)، وكانت النتيجة 39 شهيداً مصرياً وفلسطينياً من ضباط وصف ضباط وجنود الجيش الفلسطيني – وعُرفت بحادثة 28/فبراير/1955.
    انفجار المظاهرات وكتيبة مصطفى حافظ
    خرجت المظاهرات العارمة في قطاع غزة منادية بالتسليح واعتقل عشرات الحزبيين (اليمين واليسار) ووصل عبد الناصر في زيارة مفاجئة وخاطفة للقطاع واتخذ قرارات جريئة .. حيث أقلع نهائياً وأنهى مغلقاً ملف البحث عن السلاح لدى الغرب .. وتوجه لشراء السلاح السوفيتي .. وهذا ما كان له تأثيره السياسي في المنطقة حتى تاريخه. لقد أكدت حادثة 28/فبراير أفكار ووجهة نظر جمال عبد الناصر أن الخطر الأول على الأمن القومي المصري – والعربي لا يكمن في المنظومة الاشتراكية بزعامة الاتحاد السوفيتي .. بل يكمن في «إسرائيل» وتحالفاتها، وكذا في سياسة الأحلاف الغربية في المنطقة. وكانت صفقة السلاح «التشيكية» وتفاعلاتها حتى تاريخه، وتأسست كتيبة (421) من الفدائيين بقيادة مصطفى حافظ حيث أثرت في المزاج والمعنوية والعقل الكفاحي العربي الفلسطيني، ولازالت هذه الكتيبة وقائدها تحظيان بالاحترام الكبير في جميع أوساط الشعب الفلسطيني.
    اعتقال القائد .. «المعلم» اعتقلت إدارة الحكام الإداري العام لقطاع غزة، الشاب / خليل الوزير / على خلفية تفجير خزان زوهر .. ومكث في السجن فترة، ولقد ساعده قريبه وكيل النيابة (المحامي فايز أبو رحمه) .. وخرج بكفالة أحد العاملين في إدارة الحاكم العام (بمدينة غزة) وهو سوداني الأصل، ونال / خليل الوزير / إعجاب الضباط العاملين في إدارة الحاكم العام، هذه هي القومية العربية الذي إذا وُضعت على المحك فإن معدنها الأصيل .. هو الوحيد الذي يتمايز.


    الجامعة والآفاق الجديدة
    أنهى خليل الوزير / دراسته الثانوية عام 1955 والتحق بجامعة الإسكندرية / كلية الآداب – قسم فلسفة وعلم اجتماع، وهنا في مصر كانت إحدى أهم حلقات حياته الذهنية ..، حيث التقى مع / عبد الفتح عيسى حمود/، وكانت مجموعة الشباب في قطاع غزة، قد أوفدت، كمال عدوان للالتقاء به، ولكن المخابرات عثرت على رسالتهم معه ..، واستمر التواصل معه سراً – إلى أن كان لقاء (الوزير مع حمود) من أهم خطوات انتشار الفكرة الجديدة .. حيث شكلا ثنائي ناجح لطرح الفكرة.
    وهنا تعلم خليل الوزير .. أكثر عن تجربة رابطة الطلاب الفلسطينيين .. وتأكد أن فكرتهم في قطاع غزة – القائلة بالخروج من الأزمة الوطنية التنظيمية الطارحة ذاتها وبعمق .. إنما يكمن في جمع حدود معادلة الكل الوطني في محصلة فعل ضد المشروع الاستعماري الصهيوني، وتأكد من إمكانية نجاح ذلك بعد إطلاعه بالتفصيل من / عبد الفتح عيسى حمود / على تجربة رابطة الطلاب الفلسطينيين .. حيث من الممكن أن تتعايش الأفكار مهما تناقضت من أجل إنجاز هدف سام .. على غرار استرداد فلسطين.
    لقد كان / خليل الوزير / متعمقاً في رفض مشروعات التوطين .. «أياً كانت مسمياتها .. وهنا زاد وعيه وإدراكه بخطورة هذه المشاريع .. وبأنها فعلاً أخطر ما يواجه القضية الفلسطينية من عوامل وعناصر لتصفيتها. واطلع كذلك على مشاريع تحويل مياه نهر الأردن ..، وعرف كما لم يكن يعرف .. أحوال الشعب الفلسطيني في الشتات خاصة في دول الجوار.
    قف وفكر .. فلسطين الثبات
    كانت هذه الأمور وغيرها مدعاة لخليل الوزير أن يقف ويفكر ويطور أفكاره النضالية التحررية .. ودرس وباستفاضة حركات التحرر الوطني العالمية .. وقصد معظم مكاتبها في القاهرة وتحادث مع العاملين فيها وأخذ الكثير من نشراتهم .. وتأثر منذ البدايات بالتجربة التحررية الجزائرية .. ولقد بقي لهذه التجربة في قلبه وعقله مكاناً .. ومساحة لا محدودة.
    وبدأت آفاق خليل الوزير تتسع بمساحات واسعة وتتفاعل أفقياً وعمودياً وتتلاقح أفكاره .. وبقيت فلسطين تشكل شمال بوصلته الثابتة وتحريرها هاجسه الأول والأخير .. وكل شيء هو لخدمة حرب الاسترداد .. أنها الحرب المقدسة في خاطر وعقل وضمير وأحاسيس ووجدان خليل الوزير.
    التنظيم .. الشخصية .. الهوية ..
    الكفاح .. الثورة .. الانتصار .
    بدأت أطروحات الفكرة الجديدة بالبلورة وتوضحت أهم هذه القضايا بالآتي:
    - إن الإطار التنظيمي إنما وُجد لخدمة القضية الفلسطينية وليس العكس نعم (التنظيم في خدمة فلسطين).
    - تم الحسم بألا يكون الاسم «جماعة» أو حزباً .. لأن المطروح بالتأثر من حركات التحرر الوطني العالمية .. إما جبهة أو حركة، ولكيلا يقع الإطار له التزاوج .. فقد تم التوجه نحو تسمية «حركة»، خاصة أنها تعني أول ما تعني القدرة على التطور.
    - وهذه الحركة .. لابد أن تكون وطنية وثورية وأن الانبثاق الحقيقي من صميم إرادة الشعب العربي الفلسطيني وطموحاته وتطلعاته.
    - إن الشخصية الوطنية الفلسطينية قد تعرضت إلى مالا يطاق ولا يحتمل من مؤتمرات الشطب والتذويب والإنهاء .. وهذا الإطار عليه أن يجدد وجود ودور الشخصية الوطنية الفلسطينية عربياً ودولياً / الغير خاضعة لأي إن كان ، وليست تابعة أو موجهة إلا لثوابت نضال الشعب الفلسطيني وأمته العربية.
    - وتقع على مسئولية هذا الإطار التعبأة الثورية للشعب الفلسطيني .. لأخذ دوره الطليعي والأساسي والمركزي في بعث وإدارة وقيادة القضية الفلسطينية لتحرير فلسطين من المشروع الاستعماري الصهيوني وتحالفاته الاستعمارية الدولية.
    - إن الشخصية الوطنية والمسئولية القيادية تؤكدان أن مستقبل هذا الإطار ليس يمينياً أو يسارياً، فلابد من تجاوز كل هذه الطروحات وغيرها وصولاً لإنجاز هدف التحرير، واسترداد الأرض العربية في فلسطين وعودة الشعب إلى دياره الذي طُرد منها.
    - إن تحرير فلسطين يتم عبر وسيلة الثورة المسلحة .. في الأرض المحتلة من فلسطين، حسبما ترتئيه قيادة الإطار مستقبلاً.
    - كل هذا يكون على أرضية استعادة الشعب الفلسطيني لدوره في الميدان القتالي .. مع الجزم أن دوره هذا لا يتعدى كونه رأس الحربة، والأمة العربية هي جسم هذه الحربة وقاعدتها الصلبة.
    - وهذا يدفع للحسم في مسألة القرار الوطني الفلسطيني، وبأنه قرار مستقل لا مساومة عليه مع أحد.
    - إن هذه الجدلية في العلاقة الفلسطينية – العربية بنيت على أرضية أن الإطار الفلسطيني القائد للثورة الفلسطينية .. يرى أن الثورة الفلسطينية برمتها هي جزء من حركة طلائع الأمة العربية الثورية.
    - وهكذا أكدت الفكرة الجديدة أن الشعب الفلسطيني جزء من الأمة العربية وأن ثورته هي جزء من الحركة القومية الثورية.
    - إن تحرير فلسطين واجب وطني فلسطيني وواجب قومي عربي وواجب ديني إنساني لخدمة الحضارة البشرية.
    - لقد فرق دعاة الإطار الأول بين الصهيونية كمشروع استعماري، وبين اليهودية كدين سماوي .. وجندوا كل قدراتهم لمحاربة المشروع مع عدم الانتباه للمسألة الدينية اليهودية .. إلا بمدى ضرر بعض أتباعها ومحاربتهم للمشروع الوطني العربي الفلسطيني.
    - وأكد دعاة الإطار أن إقامة العلاقات مع الدول العربية – (وإن لم تضعها جميعاً في سلة واحدة) – ويتجه بكل فكره وطاقاته وإبداعاته من أجل انطلاق الثورة وتكريس ذلك بالفعل الثوري المسلح، وبذلك كل الإمكانات من أجل ديمومة الثورة وإعلاء شأن القضية وصولاً للنصر.
    - إن المناضل هو صاحب الأرض ومالك نصاب القضية الوطنية والأمين على انتزاع النصر.
    الصراع / هو صراع وجود .
    - لقد رفض الإطار الدخول في طروحات المسألة الاجتماعية، بواقع أن الصراع ضد المشروع الاستعماري الصهيوني، هو صراع وجود، وليس صراعاً يدور حول مبدأ اجتماعي ما.
    - رفضت هذه المجموعة بطروحاتها الفكرية الجديدة .. الخوض في المفاهيم الاجتماعية لما بعد الانتصار وإقامة الدولة الفلسطينية، مؤكدة أن جميع شرائح وطبقات ومسميات الشعب الفلسطيني قد تأثرت بنكبة 1948، والآن على جميع القوى هذه وغيرها أن تدرك أن الحالة الفلسطينية لا تقبل القسمة ولا الطرح ولا ضرب بعضنا بعض .. بل تقبل الجمع.
    - وأكد هذا الإطار أن على جميع الشباب الفلسطيني أن يجمد كل ارتباطاته والتزاماته الحزبية إلى ما بعد المعركة أن القضية هي قضية وطنية شاملة وليست قضية طبقية، فهي ليست قضية تحالف فقراء عرب ويهود صهاينة، ضد تحالف أغنياء عرب وأغنياء يهود صهاينة ..، بل هي قضية وجود ما بين المشروع الاستعماري الصهيوني الغازي وبين المشروع الوطني الفلسطيني .. صاحب الأرض والقضية والمصير.
    - أكد الإطار على الديمقراطية الثورية .. قاعدة مهمة من قواعد الاستقرار والفعالية والديمومة، وتمارس برؤى المركزية الديمقراطية والقيادة الجماعية وحرية الرأي وممارسة القواعد التنظيمية لدورها الرقابي على قيادتها، وإيلاء النقد والنقد الذاتي أهمية خاصة لتدعيم وترسيخ وتمتين المفاهيم الديمقراطية.
    - نظراً للوضع السري الخاص الذي سيكتنف العمل التنظيمي فلابد من تثوير دور العضو بالفاعلية وتسليحه بالمبادرة وتجنيده لاتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب لصالح الفعل المناسب.
    - تم إقرار استعمال كلمة (أخ) من واقع وقراءة أن العضو الفاعل في الإطار، سيكون رفيق سلاح في العمل الثوري العسكري، وأمانة الإطار التنظيمي (ككل) فسيكون «الأخ» والدراسات الحزبية اليسارية تؤكد أن المستقبل الإيجابي لاستعمال كلمة «رفيق» ستصبح «الأخ».
    - تم الحسم على مسألة التقشف في الصرف والتطوع في الدفع المالي بكل القدرات الممكنة.
    الوحدة الوطنية .
    - ولعل الدرس الأول المستفاد من تجارب حركات التحرر الوطني العالمي .. يكمن في وعي وهضم مفاهيم ودلالات الوحدة الوطنية، كل شعوب وأمم الأرض بحاجة ماسة في نضالها ضد (الاستعمار أو الاحتلال أو الدكتاتورية المحلية) – للوحدة الوطنية، بل وبحاجة ماسة وبنسبة عالية جداً لذلك ..، إلا أن حاجة الشعب العربي الفلسطيني بحاجة أكثر وبكثير من حاجة أي شعب من شعوب الأرض للوحدة الوطنية .. إنها بوابة النصر الوحيدة ضد المشروع الاستعماري الصهيوني وتحالفاته الدولية. ولكن هؤلاء الشباب وضعوا الوحدة الوطنية نُصب أعينهم من أجل فلسطين .. وليس من أجل الحزب، ورفعوا شعارهم «فلسطين فوق الحزب» فوق الأحزاب والحزبية والتحزب. ومنذ البداية أكدوا أن خير موقع يتم اللقاء فيه من أجل وحدة وطنية مثمرة .. «هو اللقاء في أرض المعركة» ضد العدو المركزي، حيث «البنادق كل البنادق باتجاه صدر العدو».
    لقاء «الصبرا» - من إرهاصات «فتح» الأساسية .

    هذه الأفكار طرحت خطوطها العريضة في لقاء ضم (13) شاباً في أحد أحياء مدينة غزة (الصبرا) أوائل عام 1954، حيث انطلقت العمليات العسكرية الأولى بعد نكسة (1948). من أولئك الشباب الذين كانوا من «الفتيان» وهم على غرار (الطلائع الشبيبية) في جماعة الإخوان المسلمين..، حيث انسلخوا عنها نهائياً لعدم تجاوبها في طروحاتهم التحررية.
    وتطورت طروحات الأفكار الجديدة، بعد انتهاء التقاء خليل الوزير مع عبد الفتاح عيسى حمود .. حيث اعتبر الثاني بمثابة ممثل لأفكار «الشباب الثلاثة عشر» في القاهرة، وإن تم منذ اللقاء الأول في «الصبرا» الإجماع فيما بينهم على إسناد دور القيادة لهذا التشكيل إلى خليل الوزير، وأطلقوا عليه لقب «المعلم».

    لقاء القاهرة .. مارس 1956 .
    تم طرح الأفكار السابقة .. في لقاء القاهرة الذي ضم بعض المؤيدين .. وذلك في مارس (1956) والذي حضره إلى جانب خليل الوزير، رفيق عمره كمال عدوان – الذي له الفضل في الدعوة للاجتماع الأول لـ «الشباب الثلاثة عشر» - وحضر لقاء القاهرة معهما عبد الفتاح عيسى حمود .. وغيرهم من الشباب الفلسطيني الجامعي.
    وأسند لخليل الوزير وحمود مهمة تبويب الطروحات الجديدة الخاصة بالإطار مع رفض إعلانه تنظيماً في ذلك اللقاء. وأسند لحْمود مهمة الاتصال مع الجهات الوطنية المؤيدة لطروحاتهم الجديدة على الساحة الفلسطينية والعربية، واستمرار الاتصال مع حمد العايدي الذي تسلل إلى الأردن بعد انكشاف أمر دورية خزان زوهر (1955)، وأبقى لقاء القاهرة مهمة خليل الوزير قائمة .. كما تمت (1954) في غزة. واتفق على لقاء أخر بعد عام.


    الانتشار الحذر والاتصال بثوار العالم .


    وبدء الانتشار الأفقي الحذر للغاية، خشية أجهزة المخابرات العربية ..، ولكن هذه المرة على أرضية طروحات الأفكار الجديدة للإطار. تيقن خليل الوزير أن مهمة تاريخية تنتظره، ولابد أن يسعى جاهداً لإتقان دوره فيها..، واتسعت آفاقه التحررية نتيجة اتصالاته الحثيثة بمكاتب حركات التحرير الوطني في القاهرة .. التي أصبحت بعد مؤتمر باندونج/أبريل – 1955 / كعبة الثوار والأحرار يحجون إليها من كل حدب وصوب، وكثف من قراءاته المتعددة التوجهات / السياسية والفكرية والأديان / .. وشغف بالدراسات المتعلقة بحركات التحرر والتاريخ والفلسطيني والعربي والمشروع الاستعماري الصهيوني – وكل ما يتعلق بذلك، وتابع بانتباه وتركيز شديدين ما يدور في قطاع غزة ودور كتيبة الفدائيين (421) وما زرعته من رعب داخل خطوط الهدنة حيث تأكدت صحة ودقة وجهات نظر «مجموعة الصبرا» ..، وبقى على اتصال وثيق بكل ما يتعلق باللاجئين في الضفة الغربية والضفة الشرقية وسوريا ولبنان ..، لقد كانت استعداداته عالية للعمل الفدائي القادم.
    حرب 1957 وانتصار جمال عبد الناصر .

    في خضم هذه الأحداث .. جاء الدور الأمريكي القذر ضد ثورة 23 يوليو 1952، سحب تمويل السد العالي .. الذي أعقبه تأميم قناة السويس العالمية، ومضاعفات ذلك .. مؤتمر لندن للمنتفعين السابقين من الشركة المؤممة، وفشل مهمة منزيس إثر لقائه مع جمال عبد الناصر، لقاءات سيفر «بريطانيا، فرنسا، إسرائيل» والإعداد للعدوان الثلاثي على مصر .. موقف السوفيات المؤيد لمصر .. الموقف القومي العربي المبايع لمصر قائدة للأمة العربية ..، الاستعدادات المصيرية لردع العدوان .. تنفيذ العدوان الثلاثي .. احتلال قطاع غزة وسيناء وجزء من بُورسعيد، انسحاب الجيش المصري لغربي القناة، المقاومة البطولية في بورسعيد .. ويشهد لها العالم بالبسالة، وتتعطل الملاحة في قناة السويس .. وعبد الناصر لازال خطابه يتردد في الأذهان «حنحارب» ..، حقاً والله زمان يا سلاحي .. وفعلاً الله أكبر .. الله أكبر فوق كيد المعتدي ..، هنا إذاعة صوت العرب من دمشق، مظاهرات عارمة في عراق نوري السعيد وعبد الإله، المناضل عبد المجيد السراج مع إخوانه الأحرار في سوريا يدمرون أنابيب النفط المارة بالأراضي السورية..، ثوار الجزائر في الجبال يضربون جيش الاحتلال بقوة.
    عاش الوطن العربي لحظات مجد وكبرياء وهم يُعلي صوته مؤيداً مصر في لحظة محنة ولدت نصراً سياسياً مبيناً .. وتنضم العروبة من الخليج إلى المحيط .. إلى جانب مصر الثورة، مصر عبد الناصر، مصر التأميم، مصر التمصير، وكأنها تصرخ بصوت واحد مصر أولاً .. مصر أخيراً ..، نعم / لا عرب بلا مصر .. ولا مصر بلا عرب.
    المد القومي

    تلاحقت الأحداث صيف عام 1956 .. وفلسطين في القلب من الحدث، إنها القضية المركزية للأمة العربية..، وها هي مصر – قائدة الأمة – تتعرض للعدوان العسكري المباشر .. كانت قلوب شعبنا الفلسطيني – مع مصر أولاً .. فشعبنا يعلم ويعرف تمام المعرفة أن أهم عوامل فشل الحملة الصليبية (الفرنجة) إنما كمن في عدم قدرتها على احتلال مصر ..، مصر مطرقة الأمة العربية عبر تاريخ العروبة الطويل، وسوريا سندانتها وفلسطين (مقر معارك الأمة المصيرية قديماً وحديثاً) وممر غزاتها .. يمروا ولكن لا ولم ولن يستقروا قط.
    نشرة «صوت الشعب» في القاهرة .

    تابعت مجوعة «الإطار» ما يدور من أحداث على الأرض .. وأثناء وقوع العدوان الثلاثي قامت هذه المجموعة – بإصدار نشرة سرية «صوت الشعب» / في القاهرة / تنطق باسم المقاومة الشعبية» وأشرف / خليل الوزير على كامل إصدارات هذه النشرة، وشاركه فيها / كمال عدوان وصلاح خلف – رئيس رابطة الطلبة الفلسطينيين في القاهرة – ومنير عجور وفوزي جبر. وكان خليل الوزير على اتصال دائم مع كمال عدوان المسئول في جبهة المقاومة الشعبية، الذي وصل إلى العريش إثر مطاردة من جيش الاحتلال.
    7 / مارس – آذار / 1957 .
    رحل جيش العدوان عن بورسعيد 23/12/1956 وتلكأ بالرحيل عن قطاع غزة وشمال سيناء .. إلا أنه أمام الإصرار المصري والإسناد العربي والدعم السوفياتي والمداهنة الأمريكية والمقاومة الشعبية المتواضعة، أُجبر جيش الاحتلال على الإنكفاء فجر 7 مارس 1957 ..، - حيث فوجئ أهالي قطاع غزة .. أن قوات الطوارئ الدولية قد تسلمت القطاع من قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي .. ، فكانت الفرحة العارمة .. ولكنها لم تتم، فلقد أعلن البريجادير جنرال بيرنز قائد قوات الطوارئ الدولية .. أن القوات هذه قد جاءت لتنفيذ قرار الأمم المتحدة القاضي بالتمركز على الحدود (الجانب المصري) من شرم الشيخ حتى رفح .. وأما قطاع غزة .. فإنه منطقة دولية.
    لا للتدويل .
    هب قطاع غزة .. هبة رجل واحد وشاركت القوى السياسية في التحريض ضد هذا القرار، وكان لمجموعة «الإطار» دوراً مميزاً في رفض هذا القرار .. سواءاً من شاركوا بمقاومة الاحتلال في قطاع غزة أو إخوانهم ممن وصلوا من العريش حيث كانوا ينتظرون الانسحاب الإسرائيلي بين لحظة وأخرى. تدفقت الجموع وحاصرت جميع مقرات قوات الطوارئ الدولية .. وبرزت الكثير من الأسماء ممن عُرفوا فيما بعد .. من بين شباب «الإطار».
    وبعد أسبوع من المظاهرات المتصلة على مدار 24 ساعة، أعلن داج همر شولد الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة، أن مواقع القوات الدولية في قطاع غزة ستكون على الحدود ..، واستقبل الشعب الفلسطيني ذلك بفرحة اكتملت في ذات اليوم باستقبال قطاع غزة / الذي خرج عن بكرة أبيه ليستقبل اللواء أركان حرب محمد حسن عبد اللطيف، الحاكم العام المصري ولتعود الإدارة العربية المصرية إلى قطاع غزة العربي الفلسطيني.

    اللقاء الثالث / مارس – آذار / 1957 .

    تحت ظلال هذه النشوة الوطنية والقومية العارمة التأم شمل «الإطار» من القطاع ومصر في مارس 1957 .. وكان اللقاء الثالث للإطار، ولكنه اللقاء الأول الموسع – وكان بعد عام من اللقاء الثاني (مارس 1956)، وبالفعل كان هذا اللقاء بمثابة المؤتمر التحضيري الثالث الذي أخذ عن عاتقه مسئولية التأسيس التنظيمي لطروحات الفكرة المنبثقة من الحاجة / ومن الضرورة.
    لقد تمت الموافقة على جميع الطروحات التي قدمها خليل الوزير للمجتمعين .. وهو المكلف بذلك. وكانت الدعوة واضحة لاستمرار الاتصال بالقوى الوطنية من الإحزاب السياسية من أجل وضع الطروحات الوطنية للإطار أمامهم جميعاً. ولقد تم في تلك الاجتماعات رفض وثيقة الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهار القاضية بملئ الفراغ في الشرق الأوسط، بعد الهزيمة والانسحاب التي منيت بها دول العدوان الثلاثي على مصر وقطاع غزة.
    جماعة الإخوان المسلمين .. يرفضون تحرير فلسطين . بناءً على توجهات «الإطار» قدم خليل الوزير في يوليو 1957 مذكرة مكتوبة لمسئول جماعة الإخوان المسلمين في قطاع غزة – هاني بسيسو: لأن يتبنى الإخوان المسلمون آفاق تنظيم خاص بجانب تنظيمهم بحيث لا يحمل لوناً إسلامياً في مظهره وشعاراته، وإنما يحمل شعار تحرير فلسطين عن طريق الكفاح المسلح، وأن يتولى التنظيم الجديد الإعداد لهذا الكفاح وأن يبدأ بممارسته متى توفرت له العدة، وعلى الذين ينضمون إلى التنظيم سواء كانوا من الإخوان أو من الذين ستوجه لهم الدعوة من خارج الإخوان أن يخلعوا ثيابهم الإخوانية أو الحزبية ويلبسوا بدلاً منها ثياباً فلسطينية، كما أن عليهم أن يمتنعوا عن الدعوة لأية عقيدة أو أيديلوجية».
    الأعضاء يتركون جماعة الإخوان المسلمين .
    لم تأخذ زعامة جماعة الإخوان المسلمين بهذه الأفكار .. بل اعتبروها «أضغاث أحلام» .. ولكن شباب «الجماعة» سرعان ما بدءوا يُنَظِّرون للأفكار المطروحة .. وبدأت الاستعدادات تترى للإنضمام إلى صفوف «الإطار». وكان لانضمام أبو الأديب – سليم الزعنون – أهمية خاصة .. فهو المسئول الأول عن جبهة المقاومة الشعبية في قطاع غزة أثناء الاحتلال .. ولقد طرح فكرته القائلة إن تجربة رابطة الطلاب الفلسطينين في القاهرة .. كانت ناجحة حيث حسمت أمر التعايش ما بين الأفكار لخدمة الهدف الوطني، وكذلك فإن تجربة جبهة المقاومة الشعبية كانت تجربة ناجحة في السياق ذاته .. وخلص إلى القول إن هذا الإثراء في التجربة يدفع إلى تبني فكرة «الإطار» التي تدعو لخلق فعل سياسي فلسطيني تحرري على غرار تجارب حركات التحرر الوطني العالمية .. متبنياً للكفاح المسلح على أرض فلسطين لتحريرها.
    جماعة الإخوان المسلمين .. تناكف . ولقد أكدت مذكرة / يوليو – 1957 / على الدور الإيجابي الذي يوليه الإطار للصف العربي المساند من أبناء الأمة العربية وللدول العربية عامة والدول التقدمية منها خاصة، حيث لا يريد «الإطار» ولا يبحث عن أي صراع مع أحد من العرب سواءاً من الدول العربية أو من شعوب الأمة .. بل يريد وينتظر دعمها جميعاً ما أمكن، فردت زعامة جماعة الإخوان المسلمين مؤكدة أن الدول العربية الثورية لن تسمح بنشاط فلسطيني فوق أراضيها، دون إخضاعه لسياساتها، وعند القتال ستجعل التنظيم الفلسطيني ينطلق من دول مجاورة، وليس من أراضيها، لتصفية حسابات عربية – عربية، فإن عاندها التنظيم الفلسطيني فستبطش به وتتهمه بالتآمر مع جهات أجنبية تعمل ضد الأمة العربية، وبالتالي لن يجدي الحياد في تجنب الصراع مع الدول العربية إن رفض الخضوع للدولة المضيفة.
    وهكذا أرادات زعامة جماعة الإخوان المسلمين أن تضع العصي في دواليب العربة التي لم تتمكن من السير والحركة بعد.
    الانتشار – الإيجابي . إثر ذلك تبعثر «القوم» من رجالات «الإطار» .. وإن تصلبت مواقفهم أكثر وأكثر وتسلحوا / بمسئولية متناهية الدقة والحساسية .. فلقد ملكوا الأجوبة على الكثير من الأسئلة المطروحة منذ نكبة 1948 .. تبعثروا وبدء كل منهم بقدراته وملكاته التبشير بطروحات الفكرة الجديدة .. شعب، شخصية، هوية، ثورة، حرب عصابات، نضال، كفاح، وحدة وطنية حركة تحرر .. مفردات ذات دلالات بينة ولكنا جديدة كل الجدة على المواطنين الفلسطينيين، وكانت البعثرة حسنة ما بعدها حسنة، ولو خطط لها ما أتت بتلك النتائج حقاً «رب ضارة نافعة».
    إرهاصة – على درب التحرير .
    انتشر الجميع .. خليل الوزير إلى المنطقة الجنوبية الغربية من السعودية، عبد الفتاح عيسى حمود إلى الضفتين ومن ثم إلى المنطقة الشرقية من المملكة السعودية، كمال عدوان إلى الدوحة – قطر ..، وهناك تعرَّف / أكثر على مجموعة أخرى «رابطة أبناء فلسطين» ذات طروحات متقاربة / محمود عباس وعادل عبد الكريم ياسين وعبد الله الدنان، وهم من أبناء اللاجئين الفلسطينيين إلى سوريا مع اخوانهم محمود سليمان المغربي (رئيس وزراء ليبيا الأول بعد نجاح ثورة الفاتح من سبتمبر 1969) / محمد السهلي وظافر الخضراء وغيرهم .. ، وطالبوا بالتحاق الفلسطينيين للكلية الحربية وحصلوا عن ذلك، في نهاية عام 1956، دخل بعض أعضاء هذه المجموعة الكلية العسكرية في مدينة حمص ومنهم محمود عباس.
    الفكرة تنتصر .
    وبدأت أسماء مميزة في عالم «جماعة الإخوان المسلمين» تترك «الجماعة» وتقترب من طروحات الأفكار الجديدة للإطار، محمد يوسف النجار، سليم الزعنون، غالب الوزير، رفيق النتشة، سليمان الشرفا، أسعد الصفطاوي، صلاح خلف، فتحي البلعاوي، سعيد المزين، رمضان البنا، علي الحسن، محمد أبو سردانه، يوسف عميرة وغيرهم ممن أخذوا على أنفسهم خلع ثوب جماعة الإخوان المسلمين عنهم .. والتخلص نهائياً من أعبائه، والتوجه بالكامل نحو تحرير فلسطين وبالكفاح المسلح.
    إرهاصة أخرى .
    التقت هذه المجاميع مع غيرها، من الشباب الفلسطيني اللاجئين في سوريا .. ومنهم مجموعة «صوت فلسطين» والذي تحورت ليصبح أسمها أكثر عروبة وقومية «عرب فلسطين» وكان على قمة هرمها هايل عبد الحميد وفيصل الحوراني ورفيقهم أنيس عبد الخطيب، وجاء في برنامجهم: «أن أهل فلسطين مدعوون للاعتماد على أنفسهم ومطالبون بأخذ زمام المبادرة ليشكلوا رأس الحربة في الكفاح». إنها ليست محض صدفة أو توارد خواطر .. إنها الحاجة والضرورة والحتمية لآخذ المبادرة لتلبية وإنجاز طموحات المواطن العربي الفلسطيني بعد نكبة 1948.
    نقل كمال عدوان صورة «الإطار» للأخوة الوطنيين الفلسطينيين هناك، ونقل عنهم أوضاعهم لخليل الوزير .. الذي أطلع الآخرين من «الإطار» عليها ..، ومن خلال عبد الله الدنان وعلاقاته مع كمال عدوان .. أطلعه على ماهية عادل عبد الكريم ودوره في رابطة أبناء فلسطين، التي كانت تهدف إلى تجنيد الفلسطينيين في سوريا وتدريبهم عسكرياً لمواصلة الكفاح المسلح على أرض فلسطين.
    لقاء الخفجي 1958 . أنهى خليل الوزير العام الدراسي 1957-1958 مدرساً في السعودية، وتعاقد للعمل مدرساً في الكويت، ووصلها في 25/9/1958 واتصل فوراً بعادل عبد الكريم ياسين، الذي وصلها قبله بأيام متعاقداً مدرساً وأطلعه على كافة أمور «الإطار» واتفقا على الاتصال سريعاً بعبد الفتاح عيسى حمود – مهندس البترول في السعودية – وتم ترتيب اللقاء في بلدة الخفجي (المنطقة المحايدة ما بين السعودية والكويت) .. وتم الاتفاق على المضي قدماً بفكرة «الإطار» وأنه منذ هذا الاجتماع .. فإنه «التنظيم».
    الاتفاق وتوزيع الأدوار .
    واتفق في هذا الاجتماع على المنطلقات النظرية لما قام بطرحه كل من خليل الوزير وعبد الفتح عيسى حمود، حيث تقبله عادل عبد الكريم وكذا الاتفاق على الاتصال بالمجموعات الشبيهة وكانت كثيرة، وأن تتم الاتصالات الأولى بالمجموعات التي دعت إلى الكفاح المسلح أو ما يشبه ذلك. واتفق على أن يقوم خليل الوزير وعادل عبد الكريم بمراجعة القضايا النظرية لبناء «الإطار» وليصبح تنظيماً سياسياً معبراً عن إرادة الإنسان الفلسطيني بالتحرير والعودة، وكذا تم تحديد أن التنظيم هو «حركة» تسعى لتحرير فلسطين بمنهج وطني ثوري، وتم كذلك تحديد البؤر الثورية التي سيتم الاتصال بها .. وتم تكليف كل منهم بالجهة المنوي الاتصال بها والتواصل معها. وهكذا تم وضع ميثاق التنظيم الحركي والذي سيتم اختيار اسم «فتح» له – على المدى المرئي – وهذا ما تم قبل نهاية (1958) وكان لعمر عبد الكريم الدور الواضح لاختيار الاسم للحركة «فتح».
    عرفات / الرابطة – الخريجين – التنظيم .
    وغادر عبد الفتاح عيسى حمود إلى السعودية .. وعاد خليل الوزير / وعمر عبد الكريم إلى الكويت ..، ولم يكونا على علاقة مباشرة أو جيدة مع ياسر عرفات بعد، إلا أن «حمود» أكد لهما أهمية وجوده مع «التنظيم – الحركة» واتفق الثلاثة، أن تاريخه مُشرف منذ عام 1948 ومشاركته جيش الجهاد المقدس .. وكذا دوره في إحداث حرب الفدائيين في «قنال / السويس» 1951، وعام 1953 .. وانضمامه وقتاله مع الجيش المصري ضد العدوان الثلاثي، ولا يغيب عن الجميع دوره القيادي البارز رئيساً لرابطة الفلسطينيين (1952-1956) متحالفاً مع الجميع بلا عضوية مع أي من الأحزاب آنذاك، ومن ثم تأسيسه لرابطة الخريجين الجامعيين الفلسطينيين، وقد كانت حالة إعلامية أكثر منها واقعاً وظاهرة جوهرية .. وعرف الجميع من أبناء جيله كل هذه الحقائق الإيجابية وغيرها لصالحه كثير .. إلا أنهم كانوا / أيضاً / يعرفون عنه .. حبه وشغفه الشديدين للتفرد وجميع خيوط العمل والفعاليات بين يديه، بسلطة أبوية دينامية تثير الانبهار.
    ولكن حتى خصومه السياسيين يعترفون له بعمق وثراء وغنى تجربته وفي رابطة الطلبة الفلسطينيين، هذه «الرابطة» التي تعتبر هادية وراعية / وهي البيت السياسي الفلسطيني الأول – بعد نكبة 1948 وهي أيضاً من أهم أسباب ظهور فكرة التشكيل الجبهوي الشعبي الفلسطيني، الحامل على منكبيه العراض ألوان الطيف الثقافي والاجتماعي والسياسي والعقائدي الوطني الفلسطيني ..، وهذا الوضع الخاص والمحدود في «الرابطة» كان من أهم العوامل التي لقت القبول الحسن لدى «مجموعة حي الصبرة الثلاثة عشر» وما صاحبهم في لقاء القاهرة مارس/1956 واجتماع غزة مارس/1957.
    وزاد من القناعة بمصداقية هذا التوجه، ما تم من تجربة حية في إطار «جبهة المقاومة الشعبية» و«جبهة المقاومة الوطنية» - إبان الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، «العدوان الثلاثي 1956» ..، لقد كان ياسر عرفات كنزاً لا ينضب له معين في تجربته الحية في العمل السياسي الوطني في «الرابطة» وما رافقها من تداعيات ومضاعفات.
    اللقاء التنظيمي .
    توجه خليل الوزير إلى ياسر عرفات .. وحاوره .. وكانت الأرضية ناضجة تمام النضوج لديه .. بل أضاف الكثير من الأمور من تجاربه الغنية في العمل السياسي ولم يكن غريباً عن الفكرة .. بل وكأنها قد ولدت من أعماقه ..، وربط بين الرجلين حتى رحيلهما للسماء .. العلاقة الخاصة القائمة على التقدير والاحترام والمحبة الخالصة ورفقة السلاح وأخوة الدرب الكفاحي النضالي التحرري حتى النصر.

    زخم الاتصال والانتشار
    وباشر ثلاثتهم في الكويت الاتصال بالأسماء المعدة في الخفجي .. وتم توزيع أدوار الاتصالات هذه، بعد قبول عادل عبد الكريم بدور ياسر عرفات ..، وكان لمثابرة خليل الوزير / دورها الفاعل في الوصول والاتصال بهم، وعرض الأفكار الخاصة بالعمل الحركي ..، والتأمت قيادة العمل التنظيمي (الحركي) في الكويت ثلاثتهم ويوسف عميرة ومنير سويد وتوفيق شديد لمرحلة، لتنقيح المدونات السابقة ..، واعتبر قرار الخفجي بتكليف/ عمر عبد الكريم وخليل الوزير بإعداد ميثاق العمل التنظيمي قائماً، مع الآخذ بالتنقيحات وإثراء الاستزادة هذه أو تلك التي تمت في تلكم اللقاءات.
    التأسيس الكويت .
    تمت اللقاءات الثنائية واللقاء الموسع بين المؤسسين لبؤرة الكويت الفتحوية، بحذر شديد وبيِّن، فإن لم تكن أجهزة مخابرات دول الجوار الفلسطيني عاملة بالكويت بصورة مباشرة، إلا أنها كما يقول المثل الفلسطيني - «كانت ملائكتها حاضرة»!!. وبالرغم من ذلك فقد سرت النار الفتحوية في الهشيم الجماهيري الفلسطيني وبدأ الانتشار الكمي المحدود، والمعتمد على الاختيار النوعي، ما أمكن لذلك سبيلاً .. كل هذا تم بسرية شبه مطلقة .. بعيداً عن أعين رجال المخابرات العربية. وهكذا يبقى للخليج العربي بمياه اللازوردية / تراباً عربياً وشعباً أبياً / .. يبقى لهم ديناً في أعناق كل من سار على درب الثورة الفلسطينية وحمل بندقية تقاتل المشروع الاستعماري الصهيوني.
    بؤرة التأسيس – في قطر .
    نقل عبد الفتاح عيسى حمود رسالة اجتمعاع الخفجي إلى محمد يوسف النجار الذي نقلها بدوره إلى غالب الوزير ورفيق النتشة ومحمود عباس ..، حيث شكلت البؤرة الحركية في قطر، وكان عبد الله الدنان قد غادر قطر إلى ليبيا حيث تعاقد للعمل مدرساً هناك، ولم يلتزم العضوية التنظيم الجديد .. وإن نقل له عادل عبد الكريم الأفكار المطروحة وأصبح متحدثاً بالصيغ الوطنية الشبيهة بطروحات التنظيم، الذي أصبح اسمه «حركة التحرير الوطني الفلسطيني / فتح».
    البؤرة الثالثة .
    وأرسلت رسالة حركية في الإجازة الشتوية المدرسية من قبل خليل الوزير المكلف بالاتصالات إلى أسعد الصفطاوي وصلاح خلف ..، وتكثفت الاتصالات بسرية بالغة وأحياناً معقدة ..، وانتشرت حركة فتح الانتشار الحذر القائم على نوعية اختيار العنصر كيفاً وليس كماً. وكان حمد العايدي هو البؤرة الخامسة بعد بؤرة السعودية.
    بيان حركتنا 1959 .
    أخذ خليل الوزير وعادل عبد الكريم على عاتقهما منذ اجتماع الخفجي دورهما لإصدار (ميثاق) حركة فتح وبالفعل كان نتاج ذلك (بالتعاون مع كامل أعضاء اللجنة المركزية)، إصدار (بيان حركتنا)، الذي صدر في صيف 1959 والذي تم توقيعه باسم «فتح» وهذا البيان هو بمثابة «الدستور» أو «الميثاق» الحركي الملزم لجميع أعضاء فتح وشمل كافة التفصيلات النظرية السابقة. وإن بقى بحاجة إلى تطوير تقتضيه التجربة – وهكذا تمت الاستزادة والتغيير عبر ظاهرة «التجربة والخطأ» - التي بقيت ملازمة لفتح حتى تاريخه. وما فتئ خليل الوزير ممارساً دأبه ومتابعته الدقيقة- .
    خليل الوزير – أول الدعاة – أول المتفرغين .
    وهكذا فإن خليل الوزير هو عضو اللجنة المركزية الأولى في حركة فتح .. وبقي في مرتبته هذه حتى رحيله إلى ملكوت السموات العلى في 16/4/1988. وكذا إنه العضو الفتحوي الأول الذي ترك وظيفته مدرساً في الكويت (1963) وتفرغ للعمل الحركي وهو أول المتفرغين في حركة فتح حيث عمل مديراً لمكتب حركة فتح في الجزائر، والذي كان نتيجة للعلاقات المباشرة التي تمت بأكثر من لقاء بين القادة الجزائريين محمد خضير وحسين آية أحمد في الكويت وخليل الوزير وإخوانه من قادة حركة فتح في دولة الكويت الشقيقة.
    مجلة فلسطيننا – نداء الحياة .
    تكامل الأداء أكثر وأكثر .. خاصة بعد صدور «بيان حركتنا»، وشكل رابطاً نظرياً مهماً في تلك المرحلة ما بين الخلايا التأسيسية .. الذي تكامل أداءها أكثر من أي توقع ..، هنا كان لابد من إظهار الفكرة السياسية الفتحوية .. بالرغم من سرية العضوية .. وهنا تعرف كل من ياسر عرفات وخليل الوزير على أحد أبناء طرابلس الشام (توفيق حوري) وهو مسئول جمعية خيرية (عثمانية) إسلامية، حاصلة تم تصريح لإصدار نشرة اسمها «نداء الحياة»، تابع خليل الوزير مهمة الاتصال معه .. وتم إقناعه باستثمار هذه النشرة لتكوين نشرة شهرية تصدرها «حركة فتح» وتم إضافة كلمة «فلسطيننا» بخط صغير إلى جانب اسم النشرة، وصدر العدد الأول 10/10/1959، وتم نشر آراء حركة فتح السياسية / علناً / بتوقيع «فتح»، وتم إرسالها عبر صناديق البريد إلى الجهات المعنية إعلامياً وحزبياً وسياسياً في أقطار الوطن العربي وغيرها من الأقطار، مما تهتم القيادة بضرورة وصولها إليهم، وعرف دور عادل عبد الكريم في الكتابة في هذه المجلة وهو أكثر عضو لجنة مركزية كتب مقال «رأينا» الناطق بلسان «حركة فتح»، لما عرف عنه من سعة إطلاع وقدرة فائقة على الربط ما بين التعبير اللغوي والفكرة المراد طرحها ..،.
    هيكل البناء الثوري .
    وزادت الحاجة الحركية تنظيماً إلى ضرورة وجود «دستور» لأعضاء حركة فتح، يُنظم العلاقة التراتبية التنظيمية .. وبين القضايا الاجتماعية والسياسية على الساحة (الفلسطينية والقومية العربية والدولية)، ويُظهر حقيقة البعد النضالي لحركة فتح .. وشاركت القيادة في تنظيم مسودات هذا الدستور الذي أطلق عليه عند صدوره «هيكل البناء الثوري» .. وكان لعادل عبد الكريم ياسين دوراً مهماً ومركزياً في إخراج هذا الدستور إلى حيز الوجود. لقد كان ذو عقل غارق في علوم الرياضيات والطبيعيات وبالتالي فإن همه الأول هو تنظيم الحالة التنظيمية، وأن تكون هناك تربية تأخذ بأسس التنظيم الناجح ..، وكان خليل الوزير يدعمه ويسنده في طروحاته ..، إلى أن افترقا أصدقاء بعد قضية يوسف عرابي صيف 1965.
    الاستقرار الحزبي الموهوم .

    وخاضت حركة فتح معارك سياسية في غاية القسوة .. أمام مرحلة ما بعد النكبة (1948) وما ساد من تفكير سياسي حزبي، أودى بالشباب الفلسطيني الواعي والمثقف والمتعلم .. إلى سلوك طريق الاستقرار الحزبي الموهوم .. كل في حزبه الذي سيحرر فلسطين بطريقته .. وهذا الاستقرار الموهوم هو أسوأ استغلال للقضية الوطنية الفلسطينية لتخدم أهدافاً حزبية ضيقة، لقد مثلت وكالة غوث اللاجئين «الأونروا» حقنة المعدة التحذيرية، ومثَّل «الاستقرار الموهوم» حقنة العقل والعاطفة التحذيرية.
    الشقيري – مندوبنا في الجامعة . وبينما «فتح» تستعد لأخذ دورها النضالي ميدانياً .. رحل إلى بارئه رئيس حكومة فلسطين وممثل فلسطين في الجامعة العربية/ أحمد حلمي عبد الباقي باشا في صيف 1963 وشغر المقعد .. وسرعان ما أتت مصر وحلفاؤها من الدول العربية بأحمد الشقيري، المحامي والسياسي الفلسطيني المعروف، ووزير الدولة السعودي السابق في الأمم المتحدة، ليشغل الموقع الشاغر في سبتمبر 1963، وكان قد استقال من موقعه الهام «إثر خلافه مع الحكومة السعودية / بسبب صدور الإرادة الملكية بتحرير الرق في المملكة (1963)، وكان ينكر وجود الرق (أصلاً) في المملكة.


    مؤتمر القمة العربي الأول 1964 .وجاء الحدث الهام .. حيث دعى الرئيس جمال عبد الناصر في ذكرى عيد النصر 23/12/1963 إلى انعقاد مؤتمر القمة العربية الأول، لتدارس أحوال الأمة..، والتأم المؤتمر 16/1/1964، واتخذ قرارات هامة، حول إقامة القيادة العربية الموحدة، وبعث الكيان الوطني الفلسطيني، وأسند لمندوب فلسطين في جامعة الدول العربية .. أن يستمزج آراء الشعب الفلسطيني في أمكنة تواجده في كيفية بعث كيانه.
    الانطلاقة المسلحة – أولاً . هنا «لعب الفأر في عب قيادة فتح» .. فأسرعت الخطى من أجل تنفيذ الانطلاقة المسلحة ..، وكان خليل الوزير قد سخر علاقاته مع المسئولين الجزائريين من أجل الحصول على فرص عمل للخريجين الجامعيين الفلسطينيين، وهذا هو المعين الذي لا ينضب لديمومة الفعل التنظيمي والتأطير الدوري المتجدد..، وكذا كان ما هو في رأس أولويات خليل الوزير واهتماماته .. ألا وهو الوصول إلى السماح لتدريب العديد من الشباب الفلسطيني في معهد حرب العصابات الثورية في «شرشال» .. ولا يغيب عنا الضلع الثالث من مثلث نشاطاته وفعاليته .. ألا وهو الوصول إلى مكاتب وعقول حركات التحرر العالمية في مدينة الجزائر .. وهذا ما عرف بالانفتاح الثوري على حركات التحرر، والذي حد من التمدد والتوسع «الإسرائيلي» فيما بعد استقلال هذه الحركات في دولها، وبقيت صديقة للشعب الفلسطيني ونضاله العادل، ولعل من أهم نجاحاته. بهذا الصدد هو لقاءه في الجزائر مع شي جيفارا وتدارسه وإياه القضية الفلسطينية ..، وكذا إنجازه للزيارة التاريخية لوفد حركة فتح إلى كل من الصين وكوريا الشمالية وفيتنام الشمالية وما أعقبها من ثمار إيجابية في العلاقات الفلسطينية - «الصينية والفيتنامية والكورية».

    قيام المنظمة وخلافات الانطلاقة .
    تسارعت الخطى من أجل الانطلاقة المسلحة منذ أوائل عام 1964، وانعقد المجلس الوطني الأول (فندق الامبسادور) مدينة القدس في 28/5-2/6/1964، وأعلن المؤتمرون إقامة منظمة التحرير الفلسطينية وكان خليل الوزير مع قلة من إخوانه أعضاء فتح أعضاءً في المجلس الوطني الفلسطيني الأول، وبقي حتى استشهاده. وتداعت قيادة حركة فتح إلى الاجتماعات المكثفة المتعاقبة من أجل الانطلاقة وكان ذروة هذه الاجتماعات ما تم في دمشق في شهر يونيو 1964 إثر انفضاض الاجتماع الأول للمجلس الوطني الفلسطيني، وظهرت خلافات ما بين اللجنة المركزية – وانقسمت مناصفة / مع وضد، ومن عارض الانطلاقة .. وضح موقفه بضرورة تأمين 3000 مقاتل، وكم كبير من السلاح والعتاد والتذخير ومبالغ مالية مرصودة سلفاً لكيلا تتوقف الانطلاقة – وأما الجانب المؤيد فكان يرى أن الظروف الذاتية الفتحوية والموضوعية الوطنية الفلسطينية والاستعدادت القومية ما بعد مؤتمر القمة العربي الأول وضع «فتح» أمام مسئولياتها التنظيمية / أمام جماهيرها الفلسطينية وصفها العربي المساند .. للإعلان عن الانطلاقة وبدء تنفيذ عملياتها الأولى بأسرع وقت ممكن ..، وأكد هذا الجانب أن أي تأخير سيسحب البساط من تحت أقدام «حركة فتح» لصالح المشروع العربي الرسمي (فلسطينياً) المتمثل بمنظمة التحرير الفلسطينية بما كانت تمثل آنذاك، وسيُفقد قواعد الحركة المعبأة بأن الانطلاقة المسلحة قاب قوسين أو أدنى .. سيفقدها الكثير من حماسها اللازم والضروري في مثل تلك المرحلة الزمنية تاريخياً.
    وأكدت أن الإعلان عن الانطلاقة ميدانياً هو الذي سيخلق المناخ المناسب لتأمين الاحتياجات الضرورية لديمومة الكفاح المسلح حتى النصر ..، وهنا كثر الحديث حول أن التفكير الذي بدأ بخلية قد بدء يؤتي أكله .. وها هو التنظيم قد أتى من رحم تلك الخلية الثورية ..، والآن إن الانطلاقة بما توفِّر / سيتفتق عن إعلانها وديمومة فعاليتها صمود وتنامي انتشار الثورة الوطنية الفلسطينية المسلحة.
    وحسم الأمر أن تكون الانطلاقة المسلحة مصاحبة لانعقاد مؤتمر القمة العربي الثاني [نهاية أغسطس وأوائل سبتمبر 1964]، وتكون بمثابة رسالة إثبات وجود – وللتأثير على مجريات المناقشات داخل المؤتمر، ولكن الاستعدادات لم تكن على مستوى الانطلاقة.
    أمس ربما لم يكن قد حان الوقت بعد،
    وغداً يكون قد فات الأوان،
    الآن وإلا فلا
    فتم التأجيل للمرة الأخيرة على أن تكون الانطلاقة المسلحة قبل نهاية عام 1964، وألا تكون باسم «حركة فتح» بل باسم «القيادة العامة لقوات العاصفة» .. وحسم هذا الأمر في اجتماع 18/12/1964. وكان لتنظيم «فتح» في السعودية وقطر دورهما المؤثر في ذلك بتأييد خليل الوزير المباشر أكثر المقبولين مِن مَن هم مع ومن هم ضد.
    محمد يوسف النجار / أول قائد عام للعاصفة – فتح .
    واتخذ القرار القيادي بأن يتولى محمد يوسف النجار القيادة العامة لقوات العاصفة، وكان هذا أحد شروط موافقة الجانب الرافض للانطلاقة إلا بعد الاستعدادات الكبيرة لها. وتوجه خليل الوزير إلى الجزائر للتأكيد على التسليح الذي وُعِدَت به حركة فتح .. كان قد تم توسيع «هيئة أركان حرب الثورة» المنبثقة عن اللجنة المركزية، وأضيف لها من خريجي «معهد شرشال» لحرب العصابات (الجزائر) كل من أبو علي إياد وممدوح صيدم، وضم من إقليم لبنان أحمد الأطرش هذا بالإضافة لمحمد يوسف النجار (القائد العام) – وياسر عرفات – وطبعاً كان خليل الوزير عضواً مؤسساً وأساسياً في هذا العمل العسكري .. منذ بدايته .. حتى رحيله.


    البيان الأول – ومخاض وميلاد الثورة المعاصرة .
    وأعلن البيان الأول .. ووضع الحمل أثقاله، وانتهى المخاض الأليم .. وكان الميلاد العظيم .. ميلاد الثورة الفلسطينية المسلحة المعاصرة ..، وانتهى منذ تلك اللحظات تفرد المشروع الاستعماري الصهيوني بعنصر القوة والردع في الصراع الدائر على تراب فلسطين .. وجاءت الثورة الوطنية الفلسطينية بمشروعها الوطني الآتي من عمق الشرعية التاريخية القائلة والمؤكدة أن «فلسطين للفلسطينيين» وأعلنت «فتح – العاصفة» حرب الاسترداد ضد المشروع الاستعماري وكيانه السياسي.
    الوحدة الخطيرة
    إثر الانطلاقة، تمت لقاءات عدة بين شخصيات وأطر فلسطينية مع قيادة «حركة فتح» ومن جملة هؤلاء إطارين فلسطينيين .. كان لهما وجود على الساحة الفلسطينية (في سوريا)، الجبهة الثورية بقيادة محمد زهدي النشاشيبي ويوسف عرابي وكمال كعوش وفهمي هوين وجميعهم (توجه بعثي صرف)، وجبهة الحرير الفلسطينية بزعامة أحمد جبريل وعلى بشناق، كلاهما من ضباط الجيش السوري (سابقاً) وانضما عضوين في اللجنة المركزية العليا لفتح وتم الاتفاق على التوحد مع «فتح» من التنظيمين وشكل مجلس الطوارئ / من التنظيمات الثلاث / وضم لجنة عسكرية، ولجة إعلامية وأيضاً لجنة تنظيمية .. ، وأعلنت «فتح» كامل استعدادها لما يترتب من تمويل مالي.
    لعن الله – ديكتاتورية الجغرافيا .

    ولكن لم تأتي الرياح بما تشتهي السفن .. في تنظيمات الوحدة الثلاث .. ، فديكتاتورية الجغرافيا تفرض حضورها رغم أنف الجميع، والدول مهما كانت صديقة لحركة التحرر .. فإن حسابات كل منهما لا يمكن أن تكون واحدة في اللعبة السياسية .. فكيف إذا دخل العامل العسكري في عمق الفعل السياسي وكان هذا في حالة مثل حال الثورة الفلسطينية في سوريا في منتصف الستينات .. بما كانت تلكم الأيام حبلى من كل تنظيم ومن الدولة المضيفة، بأكثر من توأم كل منها يطل بعدة رؤوس(!!!).
    وانضم كل من يوسف عرابي وأحمد جبريل إلى مجلس الطوارئ – وهو القائم بعمل اللجنة المركزية العامة في سوريا .. ، في تلك الآونة – لم تكن الأمور وهي جد غضة بقادرة على هضم تفاعلات تنظيمية لم تكن أصلاً آتية من ذات المنبع الواحد.
    المشادة والقتل والسجن
    وحدث أن قامت مشادة كلامية بين النقيب يوسف عرابي والملازم أول محمد حشمت .. فأطلق كل منهما النار على الآخر .. وسقطا في ذات التو ولفظا أنفاسهما في ذات اللحظة. واعتقلت الحكومة السورية قيادة حركة فتح في سوريا / ياسر عرفات وخليل الوزير وأبو علي إياد وأبو صبري صيدم ومختار بعباع وزكريا عبد الرحيم وأبو العبد العكلوك والشاب البعثي السابق المقاتل في العاصفة عبد المجيد زغموط .. ، واعتقلوا لمدد متفاوتة ما عدا الأخير الذي مات في السجن بعد اعتقال مستمر في (سجن المزة) دام 33 سنة، حيث خرج من المعتقل إلى القبر.
    الاستقالة الكبيرة من «المركزية»
    إثر حادثة (عرابي وحشمت) والإفراج عن المعتقلين استقال من عضوية اللجنة المركزية كل من: عادل عبد الكريم ياسين، عبد الله الدنان ، منير سويد، محمود الخالدي، حسام الخطيب، أحمد جبريل، علي بشناق، مختار بعباع، وكان الثلاثة الأواخر قد انضموا لعضوية اللجنة المركزية العامة قبل أشهر قليلة، وكانت هذه الاستقالة الكبيرة العميقة المعاني والدلالات من أسوأ التبعات والتداعيات والمضاعفات المستقبلية على حركة فتح. مع العلم أنه كان قد انضم لعضوية اللجنة المركزية قبل الحادثة كل من: خالد الحسن وسليم الزعنون ومختار بعباع وأحمد جبريل وعلى بشناق، وإثر انجلاء الأجواء والإفراج عن المعتقلين ضمت اللجنة المركزية لعضويتها صلاح خلف ومحمود مسودة (أبو عبيدة).
    ذكرى الانطلاقة الأولى

    هدَّأَت قيادة «حركة فتح» من سرعة تحركها .. وما جاءت الذكرى الأولى للانطلاقة (1/1/1966) حتى كانت قد تعافت من الكثير مما انتابها وعلق بها من أدران، وشددت أيما تشديد على رفضها للازدواجية .. مهما كانت صورتها وصيغتها وأصحابها. وأحيت «حركة فتح» ذكرى الانطلاقة المسلحة .. انطلاقة الثورة الوطنية الفلسطينية المعاصرة .. ، وصاحب ذلك جيشان الأحاسيس - النابعة والمنبثقة من هذه الذكرى .. يوم الشهيد الفلسطيني الأول للثورة المعاصرة ابن «فتح – العاصفة» أحمد موسى، ويوم الأسير الفلسطيني الأول .. ابن «فتح – العاصفة» محمود بكر حجازي .. وغيرها من الذكريات.
    رفض فتح الميداني لهزيمة 1967
    وأتت حرب يونيو 1967 وهزيمتها الشنيعة والتأم المؤتمر الحركي الفتحوي الأول / في منزل خليل الوزير / بدمشق [12 و13/6/1967]، واتخذ أشد القرارات جرأة .. استمرار الكفاح المسلح ونقل المعركة إلى الداخل «داخل الأرض المحتلة» وإن حرب التحرير الشعبية هي الحل الجذري وصولاً للتحرير، والتوسع في التدريب العسكري نوعاً وكماً ومستوى، والتركيز على دور الشعب الفلسطيني وعلى الجماهير العربية ودور «حركة فتح» مع الحكومات العربية والصديقة والشعوب غير العربية، والمنظمات الفلسطينية، وكل هذا يكون على أرضية نقل المعركة إلى داخل الأرض المحتلة، وتركيز العمليات داخل خطوط الهدنة لعام 1949 «إسرائيل».
    انتقلت قيادة فتح العسكرية / إلى فلسطين

    وانتقلت القيادة الميدانية العسكرية إلى داخل الأرض المحتلة بقيادة ياسر عرقات حيث عبر نهر الأردن مساء اليوم الأخير من شهر يوليو 1967، لبناء القواعد الارتكازية المقاتلة، التي مارست دورياتها المسلحة في عمق الأرض المحتلة. وكانت معركة الكرامة في 21/3/1968 وكان المؤتمر الثاني الحركي العام قد التأم في نوفمبر 1968، وكانت أحداث أيلول الأسود / سبتمبر 1970، وأحداث أحراش جرش ودبين [يوليو 1971] والخروج من الأردن .. ، والتأم المؤتمر العام الثالث إثر أحداث جرش واستشهاد / أبو علي أياد في يوليو / 1971. ورحيل أبو صبري صيدم.
    أبو جهاد / رئيس اللجان التحضيرية للمؤتمرات العامة

    إن اللجنة المركزية العامة والمجلس الثوري لحركة فتح .. قد عهدوا دوماً للأخ أبو جهاد – خليل الوزير برئاسة اللجنة التحضيرية لجميع المؤتمرات الحركية العامة، بما فيها المؤتمر العام الحركي الخامس ولقد عاجلته المنية بالاغتيال الصهيوني في سكنه بحي «البوسعيد – تونس» فلم يحضره ولم ينجزه كما ينبغي.
    قواعد النضال الثابتة

    وهنا يتوقف المرء أمام رعايته لكل صغيرة وكبيرة .. من الشئون الحركية والفلسطينية .. ومعرفته بتفاصيل التفاصيل .. ولسان حاله دوماً يقول: إذا لم تجد الطريق، فاسلك دربك فسيكون الطريق ..، دَرَس المشروع الاستعماري الصهيوني .. ورفضه جملة وتفصيلا، ولكنه خير من درس المرحلية وهضمها .. وجعلها خادمة لإنجاز الأهداف الوطنية .. يرفض التطرف ويرفض الرعونة .. ،ويأخذ بالمرونة التكتيكية بكل أبعادها الممهدة والخادمة للصلابة الاستراتيجية.. ، النابضة والنابعة من الثوابت الوطنية وكل هذا مستقى وآتٍ مباشرة من الشرعية التاريخية الحاسمة والحازمة والمؤكدة بأن فلسطين العربية للفلسطينيين ..، وبأن الثورة على الغزاة ستدفعهم إلى الانكفاء .. هنا لابد أن يكون وجودهم مكلفاً .. لهذا عمد خليل الوزير منذ بداية شبابه إلى التوجه إلى الوسيلة المكلفة التي تفرض الانكفاء على الغزاة .. واعتبر أن دور فتح يكمن في استرجاع القانون الأولى على أرض فلسطين .. الغزاة جميعاً مروا .. ولكنهم لا ولم ولن يستقروا أبداً .. لهذا عمد إلى الكفاح المسلح، وإن بقي إنساناً في نضاله وكفاحه الوطني .. مصراً على الحديث بأعذب الكلمات والألفاظ والمعاني والضرب بأغلظ العصي واستعمال السلاح الأكثر فعالية ضد الغزاة .. خاصة لابسي الكاكي منهم .. حيث أن انهيارهم – هو الانهيار الكامل لمشروعهم الاستعماري الصهيوني.. .
    «فتح» - الثورة
    لم يرَ الثورة الفلسطينية .. أنها ثورة بندقية وفقط .. بل تعامل دوماً أنها ثورة ثقافية، اجتماعية، إنسانية، حضارية كاملة .. وأنها لا تقبل الضرب أو القسمة أو الطرح .. بل تقبل وفقط الجمع على أرضية وعلمية التفاضل والتكامل .. لقد تعامل مع العجوز التي تطرز ثوبها الفلسطيني وترسم معالم التاريخ وتجعل من تراثنا الثقافي الفولكلوري علماً ثقافياً يسير في شوارع أرضنا الوطنية ووطننا العربي والعالم بأسره .. نظر لها كما تعامل مع الممرضة الساهرة على جريح، أو العامل المتقن لعمله، أو المدرس المتفاني الذي يعلم الأبناء والأحفاد الوطنية الحقة، نظر إلى ربة البيت المخلصة لبيتها وقضيتها .. نظر لهم جميعاً حملة معالم مشروعنا الوطني الكبير المنتصر بهم جميعاً ولهم جميعاً. مجَّد العطاء واعتنى بالجرحى والمعاقين والأسرى والشهداء .. وأكد أن الأولوية للبندقية في الكفاح الوطني .. ولكنه خير من نظّر بأن البندقية الغير مسيسة .. هي قاطعة طريق، ومن حق الثورة الأول أن تقاتلها وتقتلعها من جذورها .. إنها رجس ونبات شيطاني، وأكد أن وحدة البنادق هي وحدة البذل والعطاء ووحدة المصير.
    اغتيال أبو جهاد .. المؤسسة في قائد .
    حملت سيفك وقاتلت .. وحرصت ألا تدع سيفك يسقط من يدك ... قاتلت العدو في عقر اغتصابه ولم تترجل عن فرسك .. وضربت الضربات الموجعة له وفي أعماقه، والذي لا يزال الكثير منها سراً .. رحل السر مع إخوانك ممن سبقوك وممن لحقو بك .. إلى أن كانت عملية ديمونا 7/3/1988 عملية العمق الذي قادها ابن الشبيبة الفتحوية أبو العبد زكري كلاب مع إخوانه، وقصدت علماء مفاعل ديمونا .. ونجحت الدورية بفضل تخطيط الضابط المشرف على العملية / محمد دحلان / ، وجاء إسحاق رابين بنفسه ليشرف على سير الأحداث. بعدها جاء الضوء الأخضر الأمريكي للاسرائيليين لاغتيال أبو جهاد بعد موافقة مجلس وزراء «إسرائيل» فأشرف عليها الجنرال براك وقادها الجنرال شاحك ووصلوا إلى منزله في (تونس)، واشتبك معهم بطلقة واحدة من مسدسه حيث عاجلوه عن بعد أقل من ثلاثة أمتار بوابل من الرصاص استقر في جسده، أكثر من سبعين رصاصة وقطعوا برصاصاتهم يده التي ضغطت على زناد مسدسه وأطلقت طلقة – وتركوا المسدس إلى جانبه وسرقته قطعان «حماس» يوم الهجوم على منزله 14/6/2007 .. رحل القتلة وتركوه جسداً يعبر صيته الدنيا ويعبق دمه في أرجاء الكون .. شهيداً قاتل حتى قطرة الدم الأخيرة .. وإن لم يكن حتى الطلقة الأخيرة .. ، نعم إنه حقاً الوطني المعبر عن فلسطين العربية .. إنه :

    بداية الرصاص ..،
    أول الحجارة ..،
    أصدق الكلام.
    الوداع


    لقد ودع شعبنا مهندس الانتفاضة .. ودَّعوه الوداع الذي يليق بهذا القائد الذي عرف كيف يفرق بين التواضع الثوري والضنعة الاجتماعية .. ودعه الشعب الوداع الذي يستحقه .. لقد أعطى عمره لشعبه .. فودعه شعبنا يوم 16/4/1988 .. بأن احتضن 24 شهيداً جثمان قائدهم وصعدوا يحفونه ويزفونه سفيراً، في السماء حيث لحق بأخواته وإخوانه ممن سبقوه، ومعهم دماء أكثر من 1500 جريح رووا بدمائهم الطاهرة أرض فلسطين، وروَّى أبو جهاد أرض العروبة في تونس بدمائه .. ووُرِيَ جثمانه في ثرى دمشق العرب .. حيث تعانقت يا أبا جهاد مع صلاح الدين – ونقلت له أن حطين جديدة قادمة .. آتية لا ريب فيها / فهذا المشروع الاستعماري الصهيوني قد شاخ مبكراً .. وينتظر من يطيح به.

المواضيع ذات الصلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
أنشئ بواسطة HaMooooDi, 01-11-2024, 01:45 AM
ردود 0
25 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة HaMooooDi
بواسطة HaMooooDi
 
أنشئ بواسطة HeaD Master, 12-26-2008, 08:20 PM
ردود 30
6,255 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة HeaD Master
بواسطة HeaD Master
 
أنشئ بواسطة HaMooooDi, 06-21-2008, 04:50 AM
ردود 178
14,093 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة HeaD Master
بواسطة HeaD Master
 
يعمل...
X