كتبتُ من قبل عن الدراسة بالخارج وأحب في هذه المقالة أن أعرض نموذجا شبه فريد في التعليم. هذا النموذج مررتُ به أثناء دراستي لإدارة الأعمال في الولايات المتحدة.
التصميم…التصنيع…التسويق Design …Manufacturing…& Marketing
هذا هو اسم المادة العملية التي كان على طلبة ماجستير إدارة الأعمال دراستها كإحدى المواد الإلزامية. كما تلاحظ فالاسم ليس تقليديا ويجمع بين عدة أمور مختلفة. من الطبيعي أن تدرس مادة في التسويق ومن الطبيعي أن تدرس مادة في إدارة العمليات أو التصنيع ومن الطبيعي أن تدرس مادة في تطوير المنتجات الجديدة. ولكن أن تدرس مادة مركبة من عدة مواد فهذا أمرٌ غير مألوف.
هذه المادة تدرس على امتداد العام الدراسي أي النصف الاول والثاني من العام بعكس معظم المواد التي تدرس في فصل دراسي واحد semester. السبب في ذلك أن محتوى المادة يغطي عدة علوم وهي: التسويق، إدارة العمليات، التصميم الصناعي، المحاسبة، تطوير منتجات جديدة. كيف يتم هذا وما الفائدة من ذلك ومن هو الذي يُدَرس مثل هذه المادة؟
التدريس: خصصت الجامعة خمسة أساتذة لتدريس هذه المادة سويا. كل أستاذ من هؤلاء الخمسة متخصص في إحدى الأفرع المذكورة عاليه: التسويق، المحاسبة، إدارة العمليات، التصميم الصناعي، تطوير المنتجات الجديدة. يقوم كل أستاذ بتدريس مجموعة من المحاضرات بشكل منفرد بحيث يغطي الجزء النظري الخاص به.
التدريس يعتمد على الكثير من دراسة الحالات Case Studies في أفرع المادة المختلفة. وبالتالي فهناك كم كبير من القراءة والتحليل والمناقشة التي يقوم بها الطالب. المحاضرات تستمر خلال الفصل الدراسي الأول (نصف العام الأول) وجزء يسير من الفصل الدراسي الثاني. ثم بعد ذلك تصبح المحاضرات مخصصة لمناقشة الأساتذة الخمسة في مشاكل مشروع المادة.
المشروع: يعتمد تدريس هذه المادة بشكل كبير على مشروع يقوم به الطلبة على مدار العام كله. هذا المشروع هو مشروع ضخم يحتاج الكثير من العمل ولذلك فإن كل فريق عمل يتكون من ستة من طلبة المادة. كل فريق يعمل على تطوير وتصميم وإنتاج منتج جديد وتصميم المنشأة التي ستقوم بإنتاجه وإعداد القوائم المالية المتوقعة خلال العام الأول. يشترط أن يكون المنتج جديدا وغير متاح في الأسواق. هذا لا يعني اختراع تكنولوجيا جديدة ولكن الإتيان بفكرة منتج جديد يستخدم تكنولوجيات متاحة بالفعل.
يتم التمهيد للمشروع ببعض المحاضرات عن طبيعة العمل في فريق والمشاكل المعتادة بين أفراد الفريق. كما وأنه يطلب من أعضاء كل فريق تخصيص أول اجتماع للتعرف على بعضهم البعض. وهذا لا يمنع من حدوث بعض المشاكل أثناء العام الدراسي. من الأشياء التنظيمية الجيدة أنه يُطلب من كل فريق اختيار قائد للفريق خلال كل فصل دراسي لكي يقود عمل الفريق فيدعو للاجتماعات ويتابع تنفيذ الأعمال ويتدخل لاتخاذ القرارات. كان الأسلوب المعتمد لاتخاذ القرارات هو التصويت بعد مناقشة الآراء. كما وأنه يتعين تسجيل محضر للاجتماعات التي تعقد.
التقييم: تقييم المادة يعتمد على تقييم المشروع بنسبة تتجاوز 60% بينما باقي التقييم يكون على بعض التقارير وكذلك الاختبارات.
مراحل المشروع: يتم تقسيم المشروع إلى ثلاث مراحل رئيسية وتنتهي كل مرحلة بعرض تقيديمي يحضره كل الطلبة والأساتذة. في المرحلة الأولى يكون كل فريق قد حدد الفكرة وأعد تصميما مبدئيا للمنتج. في المرحلة الثانية يكون الفريق قد درس المنتج جيدا وطوره بعد دراسة رأي العملاء المحتملين للمنتج. هذه المرحلة تشمل أيضا اختيار موقع المشروع وتصميم الوحدات الإنتاجية. في المرحلة الثالثة يقدم الفريق تصورا نهائيا يشمل قنوات التوزيع وأسلوب ترويج المنتج وجدول تنفيذ المشروع وأساليب اختبار السوق وسعر المنتج وحجم المبيعات المتوقع وقائمة صافي الدخل المتوقعة بعد العام الأول.
الفائدة: يبدو هذا الأسلوب غريبا بعض الشيء ولكنه مفيد وممتع. المشروع الذي يقوم به الطلبة هو مشروع متميز لأنه يشمل تطوير منتج جديد لم يسبق أن أنتجه أحد من قبل، ولأنه ليس محدودا أي أن فريق العمل يشعر كما لو كان ينشيء منشأة جديدة ويدرس المنتج ويطوره ويدرس النواحي المالية. هذا يجعل المشروع تجربة ممتعة ويجعل فيه الكثير من فرص التعلم.
أما الفائدة التي تتحقق بهذا الأسلوب ولا تتحقق بالأسلوب التقليدي فهو تداخل التخصصات وتشابه المشروع مع الواقع. قد تدرس إدارة التصنيع كمادة منفصلة وتدرس التسويق كمادة منفصلة وتدرس تطوير المنتجات كمادة منفصلة وتدرس المحاسبة كمادة منفصلة ولكنك لن تشعر بتأثير كل منهم على الآخر. أما هذا النموذج التعليمي الفريد فهو يتيح لك أن تشعر بتأثير ما تنفقه على التسويق على قائمة الدخل وتشعر بتأثير التصميم على تكلفة التصنيع وهكذا. هذا يجعل المشروع مشابها للواقع فأنت لا يمكنك ان تنفق على التسويق بغير حساب ولا يمكنك تصميم منتج يستحيل تصنيعه ولا يمكنك تصنيع منتج لا يناسب العملاء.
ينتج عن هذا فائدة أخرى مهمة وهي أن يُقدر الطلبة أهمية التعاون والتداخل بين التخصصات والإدارات المختلفة. فلا التسويق يستطيع أن يعمل وحده ولا التصنيع يستطيع أن ينجح وحده. بل لابد من التعاون إلى درجة أن تعمل كل التخصصات سويا منذ بداية تطوير المنتج فلا يقوم التسويق بتطوير المنتج وتصميمه ثم يطلب من التصنيع إنتاج هذا المنتج بل إن كل الأطراف تكون مشتركة طوال رحلة تطوير وتصنيع وتسويق المنتج. هذا التكامل هو أحد التحديات التي يواجهها المدير في الواقع.
من أسباب النجاح: توفير خمسة أساتذة من خمسة تخصصات هو أحد أسباب نجاح هذه المادة. فلو كان أستاذ واحد فقط يقوم بالتدريس فإنه بلا شك لم يكن ليغطي كل هذه النواحي كما ينبغي. أما توفير خمسة أساتذة لمادة واحدة فهو فعلا أمر متميز ويجعل التجربة ثرية. كذلك فإن دراسة كم كبير من المواضيع النظرية المرتبطة بهذا المشروع يجعل الطلبة على دراية بما يقومون به ويكون المشروع تطبيقا لما درسوه. هذا بالإضافة إلى الخطوات المحددة والواضحة للمشروع والتي يوفرها الأساتذة قبل بداية المشروع. هذا البرنامج يجعل الطلبة يقومون بكل ما يمكن أن يتم في العمل في أي مؤسسة تحاول تطوير منتج جديد ولكن بشكل مبسط. فالمشروع مثلا يشمل اختبار الأفكار عن طريق سؤال العملاء المحتملين واختبار التصميم ودراسة قنوات التوزيع ولكن بدلا من أن يتم سؤال مائة عميل أو مئات العملاء فإنه يتم سؤال خمسة او عشرة عملاء فقط.
من أسباب نجاح هذا المشروع استخدام نظام تقييم الأقران Peer Evaluation وهو يعني أن كل فرد في الفريق يقوم بتقييم كل زملائه في نفس الفريق. في حالة انخفاض تقييم أحد أعضاء الفريق عن متوسط باقي الأعضاء فإ ن تقييمه العام يكون أقل من تقييم المشروع نفسه. هذا الأسلوب مناسب جدا للمشاريع التي تتم عن طريق فريق فهو يمنع من وجود شخص متكاسل وسط الفريق. وفي حالة عدم التزام أحد الأعضاء فإنه يتعرض لانخفاض تقييمه عن الآخرين. هذا يؤدي إلى بعض الالتزام بين الطلبة والاحترام المتبادل لأن كلا منهم سيُقيم الآخر.
تجربتي الشخصية: ربما يكون لدى القارئ بعض الفضول لمعرفة ما قمتُ به في ذلك المشروع. من المفارقات أنه عند اختيار الصناعة التي سنحاول أن نبتكر فيها وقع اختيار باقي أعضاء الفريق على ألعاب المكتب وهي الألعاب الصغيرة التي قد تضعها على مكتبك لتتسلى بها في أوقات الراحة. حاولت جاهدا أن أثنيهم عن ذلك ولكنني فشلت. وضعنا عدة مقترحات وانتهينا إلى جهاز بسيط به شاشة رقمية يعطيك جملة واحدة في لغة أجنبية تختارها كل يوم. فعندما تكِلُ من العمل تضغط على الزر فيعطيك جملة جديدة وبالتالي تكون تسلية وفي نفس الوقت تعلم للغة جديدة.
وقرب نهاية الفصل الدراسي شعرنا بأن الفكرة ليست متميزة ولكننا أنهينا الفصل الدراسي بنفس المنتج. في بداية الفصل الدراسي الثاني قررنا تغيير الفكرة وهو ما كان يستلزم إعادة القيام ببعض الأعمال مرة أخرى. ولكننا اخترنا فكرة جميلة وهو جهاز خاص بالاجتماعات. هذا الجهاز هو عبارة عن شاشة تكون أمام كل مشارك في الاجتماع وهذه الشاشة تتصل بالحاسوب لا سلكيا. هذا الجهاز يُمَكِن أي مشارك من رؤية ما يعرضه منظم الاجتماع من شرائح أو رسومات. ويُمَكِنُه كذلك من الكتابة أو التعديل على الشاشة نفسها ويمكن لمنظم الاجتماع أن يعرض مقترح أيا من المشاركين على الشاشة الرئيسية. هذا يفيد كثيرا عند مناقشة مقترحات على شكل رسومات مثل رسومات المباني أو المكاتب أو الهيكل التنظيمي أو رسومات المعدات أو خطوط الأنابيب أو الرسومات الكهربية.
كانت عملية تطوير المنتج ممتعة واستفدنا من هذا المشروع كثيرا. وليس أدل على قيمة هذا المشروع ومشابهته للحياة العملية من أن أحد فرق العمل أنشأت شركة بعد انتهاء المشروع لإنتاج وبيع المنتج الذي ابتكروه.
مما لاحظته بصفة عامة في الدراسة في الولايات المتحدة أن الاهتمام يكون كبيرا بتطبيق الطلبة لما يتعلمونه. لذلك ففي الأغلب يكون لكل مادة مشروعا خاصا بها ويكون تقييمه من 40 إلى 70% من تقييم المادة. وهذا أسلوب عظيم الفائدة فالشيء الذي تقوم به تظل تذكره بعد عدة سنوات بينما الشيء الذي تدرسه ولا تطبقه فإنك قد تنساه بعد عدة شهور.م
وكأنها مادة تدرس دورة حياة أي منتج .. وأي سلسلة من العمليات تمر بها.. وإدخال هذه المنهجية من أهم الدراسات التي تفيد أي منتج والتأكيد على ما بعد التصنيع ..
.
.
المادة ممتعة وأحد أهم الأساليب في اكتساب المهارة هي بتطبيقها.. وقد استمتعت بقراءتها .. سأكون هنا مراراً بإذن الله فـ دراستي تعتمد على تطبيق منهجية جديدة في التخصص التعليمي
بالرغم من أننا نقيم 70% على العملي في المادة إلا أني أطمح للمزيد من المنهجيات التي تفيد ليس مادة واحدة فقط بل المنهج الكامل للسنة الدراسية .. وتطبيقة آلية جديدة في التدريس ليراعي الدورة الخاصة بالمشروع النهائي
قد تكون هذه مادة جديدة ولم يتم تدريسها بتلك العلاقة الثلاثية ولكننا فقط نتطرق لها نظرياً تحت مظلة دورة حياة المنتج ..
أي فلسفة الدائرة المغلقة في التصنيع والإنتاج والإدارة والتي تدور فيها المواد المصنعة في دوائر مغلقة من إعادة التصنيع والصيانة والرفع من القيمة الاقتصادية والجودة بدون الإضرار بـ”البيئة”، لتعود مرة أخرى لنقطة البداية.. وقد يطلق عليه مصطلح cradle to cradle design
إن كان هذا المصطلح متداول بشكل فعلي
وربما تكون الصورة التالية تؤدي للفهم الفكرة ..واعتذر لردائتها لأنني اقتبستها من بحثي بصورة سريعةمما لاحظته بصفة عامة في الدراسة في الولايات المتحدة أن الاهتمام يكون كبيرا بتطبيق الطلبة لما يتعلمونه. لذلك ففي الأغلب يكون لكل مادة مشروعا خاصا بها ويكون تقييمه من 40 إلى 70% من تقييم المادة. وهذا أسلوب عظيم الفائدة فالشيء الذي تقوم به تظل تذكره بعد عدة سنوات بينما الشيء الذي تدرسه ولا تطبقه فإنك قد تنساه بعد عدة شهور.م
وكأنها مادة تدرس دورة حياة أي منتج .. وأي سلسلة من العمليات تمر بها.. وإدخال هذه المنهجية من أهم الدراسات التي تفيد أي منتج والتأكيد على ما بعد التصنيع ..
.
.
المادة ممتعة وأحد أهم الأساليب في اكتساب المهارة هي بتطبيقها.. وقد استمتعت بقراءتها .. سأكون هنا مراراً بإذن الله فـ دراستي تعتمد على تطبيق منهجية جديدة في التخصص التعليمي
بالرغم من أننا نقيم 70% على العملي في المادة إلا أني أطمح للمزيد من المنهجيات التي تفيد ليس مادة واحدة فقط بل المنهج الكامل للسنة الدراسية .. وتطبيقة آلية جديدة في التدريس ليراعي الدورة الخاصة بالمشروع النهائي
قد تكون هذه مادة جديدة ولم يتم تدريسها بتلك العلاقة الثلاثية ولكننا فقط نتطرق لها نظرياً تحت مظلة دورة حياة المنتج ..
أي فلسفة الدائرة المغلقة في التصنيع والإنتاج والإدارة والتي تدور فيها المواد المصنعة في دوائر مغلقة من إعادة التصنيع والصيانة والرفع من القيمة الاقتصادية والجودة بدون الإضرار بـ”البيئة”، لتعود مرة أخرى لنقطة البداية.. وقد يطلق عليه مصطلح cradle to cradle design
إن كان هذا المصطلح متداول بشكل فعلي
تعليق