إستقبال الشهر الكريم رمضان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • إستقبال الشهر الكريم رمضان

    رمضان هو شهر مبارك في الإسلام، يتميز بالعديد من الفضائل والمزايا التي يتحلى بها المسلمون خلال هذا الوقت الكريم. من بين أبرز فضائله الصيام، الذي يُعتبر من أعظم العبادات في الإسلام، ويُحظى بمكانة خاصة عند الله. كما يشجع شهر رمضان على قيام الليل وأداء صلاة التراويح، ويزيد التركيز على قراءة القرآن الكريم وتلاوته. تتزايد الأعمال الخيرية والصدقات في هذا الشهر، وتُحث النفوس على الإحسان والتسامح. وتُعتبر ليلة القدر في رمضان أعظم من ألف شهر، ومن أبرز الليالي في الإسلام، حيث يبحث المسلمون عن الأجر والمغفرة في هذه الليلة العظيمة.
    إستقبال الشهر الكريم رمضان



    الدرس الأول
    في إستقبال الشهر الكريم
    الحمد لله وحده، حمداً كثيراً على نعمهِ التي لآآآآ تعد و لآآآآ تُحصى والصّلاة والسّلام على مُرشد البشرية للفوز العظيم، نبيِّنا محمدٍ صلواتُ ربي و سلامهُ عليهِ، وبعد:
    لقد هلَّ علينا بفضل الله شهر رمضان شهرالخيرات و تضاعف الحسنات وهو كما نعلم شهر مبارك من الله عزَّ و جلَّ، فعلى المسلم أن يستغلّه في كلِ ما يقرِّبه إلى ربهِ من أعمال الخير، وأن يمتنع العبد عن كل الشرور والآثام.

    فيا أخي المسلم:
    ١ ) أقبل على كل خير في هذا الشهر الفضيل (رمضان) ، واجتهد، وسابق، وسارع إلى فعل الحسنات طالباً ما عند الله من الثواب العظيم، وليكن ذلك من أول ليلةٍ من رمضان، وقد قال ـــ صلَّ الله عليه وسلم ــ : (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ ... الحديث) رواه الترمذي وابن ماجه (صحيح) . وفي روايةٍ: (وَيُنَادِي مُنَادٍ كُلَّ لَيْلَةٍ يَا طَالِبَ الْخَيْرِ هَلُمَّ وَيَا طَالِبَ الشَّرِّ أَمْسِكْ) رواه النسائي وغيره.
    ٢ ) ويا أخي في الله: استجب لهذا المنادي كلّ ليلة، واجتهد في أن تقدم لآخرتك أعمالاً صالحةً، فإنّ العمر قليل، والرحيل من الدنيا قريب، والله اعلم هل تعيش إلى رمضان المقبل أم لا، فشمِّر عن ساعد الجد في التقرب إلى الله ء عز وجل ء بقراءة القرآن الكريم، والتسبيح، والتهليل، والتكبير، والدعاء والصدقات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الناس الخير، وإصلاح القلب واللسان والجوارح، والانخراط في طلب العلم، والدعوة إلى الله عز وجل ، والسعي في نشر سنة النبي ـــ صلَّ الله عليه وسلم ــ ، وفي تعليم القران الكريم وتعلُّمه، وفي ما ينفع الناس، وقد قال ـــ صلَّ الله عليه وسلم (وخَيرُ النَّاسِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ) رواه الطبراني في الأوسط (صحيح) .

    ٣) ويا أخي في الله: وأنت في هذا الشهر الكريم (رمضان) عُدْ إلى نفسك فحاسبها قبل أن تموت، وتزيَّن للعرض الأكبر، وقد قال عمر رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل إن توزنوا فانه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم وتزينوا للعرض الأكبر "يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية" ) ذكره الترمذي.

    ٤ ) ويا أخي في الله وأنت في هذا الشهر الكريم (رمضان) ، وهو شهر المسارعة إلى الخيرات، فتُب إلى الله ــ عزَّ و جلَّ
    ــ توبة صادقة، وقد قال الله عزَّ و جلَّ
    : {يا أيها الذين آمَنُواْ توبوا إِلَى الله تَوْبَةً نَّصُوحاً عسى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار ... الآية} [التحريم: ٨] . ولتكن توبتك خالصةً لوجه الله تعالى، ومن جميع الذنوب، وأقبل على الله خائفاً منه، راجياً له، محباً له، عاملاً بأمره، منتهياً عن نهيه، وقد قال ـــ صلَّ الله عليه وسلم ــ (التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ) رواه ابن ماجه (حسن) . بل إن الله جلّ وعلا يُبدِّل سيئات التائب حسنات، كما قال عزَّ و جلَّ
    {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: ٧٠] .

    ٥ ) ويا أخي في الله: ليكن دخول شهر رمضان عليك بأن تقوم في هذا الشهر قومةً نشيطةً، وعزمةً كبيرةً على التوجه إلى ربك، والإنابة إليه، وتغيير حالك من الغفلة والإعراض إلى الإقبال والمنافسة في كل خير، وطلب النجاة من عذاب الله، وبذل الأسباب التي يدخل بها العبد الجنة، وتُرفع بها درجته عند الله، وينجو بها من النار، ولتكن ممن أفاق من رقدته، فسعى في حياة قلبه بذكر الله، وشكره، والتقرب إليه، وطلب ما عنده من الأجر العظيم، والنظر إلى الدنيا أنها ذاهبةٌ مُضمحلة، {وَمَا الحياة الدنيآ إِلاَّ مَتَاعُ الغرور} [الحديد: ٢٠] . ولتكن ممن يتقي الدنيا وغرورها، ويطلب الآخرة، وهي خيرٌ وأبقى، وقد قالـــ صلَّ الله عليه وسلم ــ : (إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ) رواه مسلم.

    ٦ ) ويا أخي في الله: ابتعد عن الشر! وامسك عنه، واحذر منه! بل إنّك ابتعد عن الأماكن والمجالس التي فيها الشرور والذنوب، وقد قال ـــ صلَّ الله عليه وسلم ــ: (وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ) رواه الترمذي وغيره (صحيح) .
    وكذلك إذا ذهبت إلى السوق في رمضان أو غيره، فخذ حاجتك ثم اخرج، ولا تكن من أهل الصَّخَب في الأسواق؛ لأنها شر البقاع، وقد قال ـــ صلَّ الله عليه وسلم ــ: (خَير البِّقاعِ المسَاجِد وشرُّ البقَاعِ الأسْوَاق) رواه الحاكم (حسن) . وقال ـــ صلَّ الله عليه وسلم ــ : (وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ) رواه مسلم. وقد قالت أم المؤمنين عائشة ( رضي الله عنها ) عن النبيّ صلَّ الله عليه وسلم ــ: (لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا صَخَّابًا فِي الْأَسْوَاقِ) رواه الترمذي. واجتنب مجالس القال، والمحرمات، والغيبة، وكل سوء. والله الموفق.


    الدرس الثاني:(( رمضان فرصة للاستثمار ))
    لقد هلًّ علينا بالأمس شهر رمضان المبارك ! واستقبل المسلمون شهراً جديداً في حياتهم ، وتاريخاً مضيئاً في سماء أرواحهم ، فهاهي المساجد تزدحم بالمصلين ، وهاهو القرآن كتاب الله تعالى بين أيديهم يتلونه آناء الليل وأطراف النهار . وصدق إبن رجب رحمه الله تعالى حين قال :( السعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات ، وتقرّب بها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات ، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات ، فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات ). ومن تأمّل النصوص الواردة في فضل هذا الشهر أدرك الغنائم التي بشّر بها رسول الله .( صلَّ الله عليهِ وسلَّم ) في قوله :
    [ قد جاءكم شهر رمضان ، شهر مبارك ، افترض الله عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب الجنة ، وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتُغل فيه الشياطين ، فيه ليلة من حرم خيرها فقد حُرم] . فتأمّل هذه البشارة من رسولك ( صلَّ الله عليهِ وسلَّم )! كيف بشّر به محتفلاً بلقائهِ ، ومن تأمّل هذه البشائر أدرك بعض أسرارها . ولعلي هنا في هذا المقام أن أذكّر ببعض فرص الاستثمار التي تلوح للعباد في هذا الشهر العظيم :

    من الفرص : تحقيق التقوى التي أشار الله تعالى إليها في قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) وأهل العلم رحمهم الله قالوا أن التقوى : هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله تعالى وقاية بفعل ما أمر ، وإجتناب ما نهى . هذان هما قطبان رحى التقوى التي أشار القرآن إلى تحقيقها في الصيام ، فتأمّل نفسك أيها الصائم الحبيب ، واكتب عقداً مع الله تعالى في تحقيق هذه التقوى ، وجرّب في هذا الشهر بعض طموحاتك الكبيرة في تحقيق مثل هذه المقاصد العظيمة ، إن الحرص على حضور صلاة الجماعة مع الإمام ، وصلاة النوافل المقيّدة ، والمطلقة ، واستغلال هذا الشهر في ذكر الله تعالى بعض معاني التقوى المشار إليها في القرآن الكريم . ويمكن من خلال عزيمتك أن تكتب في نهاية شهرك بعضاً مما قاله السلف رحمهم الله تعالى في تحقيق مراد الله تعالى من خلقه .
    لقد قال ابن المسيّب وهو يلفظ أنفاس الموت ما أذّن المؤذّن من سبعين سنة إلا وأنا في مسجد رسول الله ( صلَّ الله عليهِ وسلَّم ) ، وقال الآخر : ما فاتتني تكبيرة الإحرام من أربعين سنة إلا مرة واحدة انشغلت بدفن أمي ماتت ففاتتني تكبيرة الإحرام ، وقال الثالث : ما رأيت قفا مأموم من أربعين عاماً ، أي لم يصل في الصف الثاني طيلة هذا الزمن كله . ألا ترى أن الفرصة مواتية لخوض غمار هذه التجربة في هذا الشهر الكريم على الأقل ؟ أحسب أن ذلك مواتياً جداً .
    أما القطب الآخر وهو ترك ما حرّم الله تعالى عليك فأنت أكبر من أن تقع في شراكه ، فكن حريصاً على رعاية جوارحك من الخوض في ما حرم الله تعالى ، واعلم أن هذه الجوارح لو انفكت عن مراقبتك فيمكن أن تسلبك بعض هذه الأفراح ! ورب كلمة خرجت من فمك أو نظرة تجاوزت حدود الله تعالى كتبت عليك شقاء الدارين . ومثلك يعلم أن المعصية سبب لشتات الحال ، وموجبة من موجبات خذلان الله تعالى للعبد في نفسه وأسرته وحاله ومآله .

    ومن فرص الاستثمار في رمضان : العناية بالقرآن الكريم حفظاً وتلاوة وتفسيراً ، لقد نزل هذا القرآن في شهر رمضان ، وكان جبريل يدارس به نبينا ( صلَّ الله عليهِ وسلَّم ) في عام مرة ، ودارسه في العام الذي توفي فيه مرتان ، قال تعالى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيها القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ) ويمكن لك أخي الصائم أن تكتب لنفسك تاريخاً مع هذا القرآن العظيم خلال هذا الشهر الكريم .
    إن ختم القرآن مرة واحدة هو تحدٍ تخوض غماره ، وهو انتصار لك حقيقة خاصة إذا كانت هذه أول تجربة لك ، فكيف إذا تحقق لك ختمتان أو ثلاث أو أكثر من ذلك وحين يكون ذلك يصدق عليك أنك أحد المستثمرين في مثل هذا الشهر بصدق. وغداً بإذن الله تعالى حين تقف بين يدي الله تعالى يحاج القرآن عنك ، ويوصلك إلى أعالي الجنان .

    ومن فرص الاستثمار في رمضان : بذل المعروف ، ومد يد العون للمحتاجين ، ورعاية الضعفاء والمعوزين ، لقد كان نبيك ( صلَّ الله عليهِ وسلَّم ) أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقى جبريل فيدارسه القرآن ، فالرسول الله ( صلَّ الله عليهِ وسلَّم ) أجود بالخير من الريح المرسلة كما يقول ابن عباس رضي الله عنهما . والمستثمرون يلتقطون مثل هذا الفرص ، ويرقبون قدوم مثل هذه الفضائل ليعمرونها بالبذل والسخاء ، إنك تتعرّض بهذا الإنفاق لدعوة الملَك : اللهم أعط ِمنفقاً خلفاً ، وتتعرّض كذلك لإستجابة أمر الله تعالى : يابن آدم( أنفق أُنفق عليك ). وتهيئ نفسك لولوج بوابة أحب الأعمال إلى الله تعالى كما قال النبي( صلَّ الله عليهِ وسلَّم ) : أحب ألأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مؤمن ، تكشف عنه كربة ، أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً . فتعرّض لنفحات الله تعالى في هذا الشهر فرب شيء يسير بطيب نفس ولج بك إلى عالم الجنان . يمكن لك من خلال هذا الباب : أن تفطّر صائماً ، أو تهدي إلى قريب ، أو تعين جاراً ، أو تطعم مسكين ، كل ذلك من الفرص التي ينبغي ألا تفوت أمثالك من الحريصين .

    ومن فرص الاستثمار في رمضان : قيام رمضان ، وقد قال ( صلَّ الله عليهِ وسلَّم ) : [من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه ]، وهذه الفرصة في متناول كل حريص ، فمن حرص على صلاة التراويح مع الإمام كتب الله تعالى له هذا الفضل ، قال ( صلَّ الله عليهِ وسلَّم ): من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة . ومجموع هذه الليالي هو تحقيق للفضل الذي أشار إليه النبي( صلَّ الله عليهِ وسلَّم ) في هذا الحديث .

    ومن فرص الاستثمار في رمضان : صلة الأرحام ، قال ( صلَّ الله عليهِ وسلَّم ): من سرهُ أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه . إن رمضان فرصة حقيقة لتحقيق معالم التواصل المفقود في حياة الواحد منا . ألا ترى أخي الصائم أننا في أمس الحاجة إلى التعرّض لنفحات الله تعالى في هذا الشهر الكريم في مثل قوله قول النبي( صلَّ الله عليهِ وسلَّم ) : من وصل رحمه وصله الله .
    إن الخطوات التي تخطوها إلى أهلك وأرحامك وأصدقائك في هذا الشهر هي خطوات حقيق أن يُحتفى بها لأنها تؤدي رسالة ، وتعمّق معاني الرحمة ، وتكتب حياة الفرح والرشاد في حياة أصحابها فلا حرمك الله تعالى التوفيق .

    ومن فرص الاستثمار في رمضان : توسيع دائرة الأخلاق في التعامل مع الآخرين خلال هذا الشهر الكريم ، فإن دائرة الأخلاق من أوسع الدوائر التي يلج منها الصائم إلى رضوان الله تعالى ، كما قال النبي ( صلَّ الله عليهِ وسلَّم ) ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق . إن صاحب الأخلاق الفاضلة يزيده رمضان عطفاً على الآخرين ، واحتراماً لهم ، وتقديراً لظروفهم ، بل تجعله يهتبل الفرص لإسعاد الآخرين لا كما يفعله العامة من الناس حين تضيق أخلاقهم من آثار الصوم . إن مشاريع الأخلاق التي يمكن أن تدر على الإنسان في رمضان أكثر من أن تحصر ، فالكلمة الجميلة ، والابتسامة الصادقة ، ومساعدة الآخرين في تحقيق معاني حياتهم الكريمة أوجه من أوجه توسيع رقعة الأخلاق في الأزمنة الفاضلة .

    ومن فرص الاستثمار في رمضان : العمرة في رمضان ، وقد قال النبي ( صلَّ الله عليهِ وسلَّم ): العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما . وقال ( صلَّ الله عليهِ وسلَّم ): عمرة في رمضان تقضي حجة أو حجة معي . ويمكن أن نوسّع دائرة هذا الفضل بالمساهمة في معونة بعض من يحتاج العمرة .

    ومن فرص الاستثمار في رمضان : تبنّي بعض الأعمال الدعوية والاجتماعية في القرى والأحياء ، كتعليم كتاب الله تعالى للصغار أو للكبار أو للجاليات ، وإعداد مسابقات تربوية واجتماعية للأسر أو للشباب ، وكإقامة رحلات العمرة ، ونحو ذلك من الأعمال الدعوية والاجتماعية ، فإن هذا من النفع المتعدي ، وأهل العلم رحمهم الله تعالى قاطبة على أن نفع العمل المتعدي أولى وأفضل من نفع العمل القاصر .

    ومن فرص الاستثمار في رمضان : إحياء شعيرة الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان ، فإنها من آثار سنن نبي الهدى ( صلَّ الله عليهِ وسلَّم )، فقد كان ( صلَّ الله عليهِ وسلَّم ) يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى . وفيه من الاشتغال بالنفس ، ولم شعثها ، وجمع فرقتها ، والإقبال بها على الله تعالى مالا يخطر على بال .

    من فرص الاستثمار كذلك : العناية بالأسرة تعليماً وتربية من خلال أيام هذا الشهر الكريم ، فإنها فرصة لكثير من المهتمين لرعاية أسرهم ، والعناية بشؤونهم ، وطريق لإرساء علاقة تربوية بمثل هذه اللقاأت تستمر على مدار الأعوام .

    وأخيراً : رمضان فرصة حقيقية للاستثمار ، واللبيب يدرك بصدق أن الفرص تمضي ، وقد لا تعود ، وكم من متمنٍ فاته بالأماني حظه من الغنائم ما فات ، وليت شعري من يدرك أن رمضان فرصة أشد من يتمنى لقاءه مطروح على سرير المرض ، أو مسافر في أرض الغربة ، أو مكبّل بقيد السجون !! والله المسؤول أن يعينني وإياكم على استثماره الاستثمار الأمثل إنه ولي ذلك والقادر عليه .



    (٣) الموعظة الثالثة :(( رمضان شهر الاستقامة )):

    أخي في الله إعلم أن شهر رمضان فيه أربع نِقاط ارْتِكاز، رمضان شَهر الاسْتِقامة، وإيَّاك أن تظنّ أنّ الاستِقامة فقط في رمضان لِتَعود بعده إلى العِصْيان، هذا كالذي نقضَت غزْلها من بعد قوَّة أنكاثاً، وكالناقة التي عقلها أهلها فلا تدري لا و لِم عُقِلَت ولِمَ أُطْلقَت؟ أما إذا اسْتَقَمْتَ على أمر الله في رمضان فلِكَي تنْسَحِب هذه الاسْتِقامة على كلّ شُهور العام و على مدى عمرك حتى يأتيك اليقين.

    التَّفاصيل ؛ غضُّ البصَر، ومَن مَلأ عيْنَيه مِن الحرام ملأهما الله مِن جَمْر جهنَّم، ومن غضَّ بصرهُ عن محارِم الله أوْرثهُ الله حلاوةً في قلبِهِ إلى يوم يلقاه، والنَّظْرة سَهم مَسْموم مِن سِهام إبليس، ولو أنَّ النبي (صلَّ الله عليهِ و سلَّم) قال: سَهمٌ واحدٌ فقط ولم يقُل مسموم لاخْتَلَفَ المعنى، فالسَّهم قد يُصيبُ مكانًا في الجسَد، أما إذا كان مَسْمومًا فقد يُسَمِّمُ الجِسْم كُلَّه، فالذي يُطْلقُ بصرَهُ ويتساهَلَ في غضِّ البصَر يَجِدُ أنّ هناك حِجابًا بينه وبين الله ولو قامَ لِيُصَلِّي يجِدُ أنَّ الصلاة شَكْلِيَّة.
    وكذلك ضَبْطُ الأُذُن، قال تعالى:
    " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ
    [سورة لقمان: ٦].
    فإنَّ لهوُ الحديث قال عنه: الغِناء، وكلّ أنواع المُلْهِيات في رمضان؛ إن أرَدْتَ أن تُتَابِعَ ما في هذا الجِهاز الصَّغير لن تسْتطيعَ أن تُحَقِّق الهَدَف مِن هذا الشَّهر العظيم، فهذا الشَّهر يحتاج إلى ضَبط الأُذُن واللِّسان، فالغيبة والنَّميمة والكذب وقول الزُّور والمُحاكاة والاسْتِهزاء هذا كلُّه يحتاج إلى ضَبط، وكذا ضَبْطُ اليَدِ، فلا تأكل إلا الحلال، ولا تُنفِقَ إلا الحلال، قال الحبيب المصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم): (( الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا ثُمَّ تَمَنَّى عَلَى اللَّهِ )). رواهُ [ إبن ماجه عن أبي يعلى شداد بن أوسٍ].

    فلا معنى ولا فائدة بأن تَدَع كأس الماء والطَّعام إن كان بالإمكان أن تقْتَرِفَ المعاصي والآثام، تشْعُر بِشيء مضْحك، وتناقض غير مُحْتمل؛ تتْرُك الطَّعام والشَّراب اللَّذان أباحهما الله لك في غير شَهر رمضان وتفعل ما حرَّم الله عليك،و لهذا السبب أراد الله أن يجْعل مِن ترْك المُباحات طريقًا سهلاً لِتَرْك المَنْهِيَّات و المحرّمات، فرمضان يعني الاستقامة، ولا يقبل حلاًّ آخر.

    ومن الإستقامة أيضاً محاسبة النفس :-
    فمحاسبة النفس أمر ضروري يعود بالنفع على صاحبه في الدنيا والآخرة، وهكذا كان هدي السلف الأبرار، والسابقين الأخيار، فهذا الحسن البصري يقول : "إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همته".

    وقال ميمون بن مهران : "لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه"، ولهذا قيل : النفس كالشريك الخوان، إن لم تحاسبه ذهب بمالك .
    وقال ميمون أيضا : "إن التقي أشد محاسبة لنفسه من سلطان عاص، ومن شريك شحيح" .

    وذكر الإمام أحمد عن وهب قال : مكتوب في حكمة آل داود : "حق على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل، فإن في هذه الساعة عونا على تلك الساعات، وإجماما للقلوب".

    وقال الحسن : المؤمن قوام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة. إن المؤمن يفاجئه الشيء ويعجبه، فيقول : والله إني لأشتهيك، وإنك لمن حاجتي، ولكن والله ما من صلة إليك، هيهات هيهات، حيل بيني وبينك. ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه، فيقول : ما أردت إلى هذا ؟ ما لي ولهذا ؟ والله لا أعود إلى هذا أبدا، إن المؤمنين قوم أوقفهم القرآن وحال بينهم وبين هلكتهم، إن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته، لا يأمن شيئا حتى يلقى الله، يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه وفي بصره، وفي لسانه، وفي جوارحه، مأخوذ عليه في ذلك كله .

    وقال مالك بن دينار : رحم الله عبدا قال لنفسه: ألست صاحبة كذا ؟ ألست صاحبة كذا ؟ ثم ذمها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله عز وجل، فكان لها قائدا.
    وهكذا يجب علينا أن نتعلم محاسبة النقس ونتربى على ذلك ، وإذا كنا لا نتعلم ذلك في رمضان فمتى نعلم ؟ .

المواضيع ذات الصلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
أنشئ بواسطة HaMooooDi, 03-18-2024, 06:50 PM
ردود 0
28 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة HaMooooDi
بواسطة HaMooooDi
 
أنشئ بواسطة HaMooooDi, 03-13-2024, 11:08 AM
ردود 0
7 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة HaMooooDi
بواسطة HaMooooDi
 
أنشئ بواسطة HaMooooDi, 03-09-2024, 03:36 PM
ردود 0
23 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة HaMooooDi
بواسطة HaMooooDi
 
يعمل...
X