عملية تخطيط مكان العمل لا تتوقف عند الاختيار بين مخطط المنتج ومخطط الخلايا ومخطط الورشة والمكان الثابت بل تتعداها لاعتبارات في كل نوع من هذه الأنواع، فكما اتضح لنا فهناك أمور لابد أن نأخذها في الاعتبار عند تكوين الخلايا، وكذلك هناك أمور لابد أن نراعيها عند استخدام مخطط الورشة لكي نقلل من عيوب هذا المخطط مثل بُعد المسافات وكثرة نقل المواد أو انتقال العملاء من قسم لآخر ومن مبنى لآخر. ألقي الضوء في هذه المقالة على أهم الأهداف التي نحاول تحقيقها عند تصميم مخطط الورشة خاصة وأي مخطط آخر عامة.
وكتذكِرة بما ورد في مقالات سابقة فإن مخطط الورشة يعني أن يتم وضع الآلات المتشابهة في الوظيفة في مكان واحد فآلات التقطيع في قسم وآلات التشكيل في قسم وآلات اللحام في قسم وآلات المعالجة الكيميائية في قسم وآلات التغليف في قسم وهكذا. هذا المخطط له مميزاته وعيوبه فأما مميزاته فهو أنه يسمح لنا بأن ننتج أي منتج يطلبه العميل، وأما عيوبه فهو كثرة نقل المواد وطول الطوابير وصعوبة التخطيط وعدم إحساس كل عامل بمسئوليته عن منتج ما.
وتخطيط مكان العمل قد يعني التخطيط الرئيسي للمصانع أو الأقسام، وقد يكون التخطيط الداخلي لمصنع واحد أو قسم واحد، وقد يكون تخطيط لأماكن الآلات أو تخطيط لأماكن المكاتب أو أماكن الخدمة، فتخطيط أمكان العمل هو أمر عام يستخدم لتخطيط منشآت كاملة او لجزء من منشأة ويستخدم لتخطيط مؤسسة صغيرة أو كبيرة.
ما هي الأهداف التي نحاول تحقيقها؟
كما علمتَ فإن أحد عيوب مخطط الورشة هو عظم تكلفة نقل المواد من قسم لآخر أو انتقال العميل من إدارة لأخرى، ولذلك فإن هذا الأمر لاقى اهتماما حتى أن هناك طرق تحليلية لتقليل هذه المشكلة.
والفكرة الأساسية لتقليل تكلفة نقل المواد هي أن نضع الأقسام التي لها علاقة قوية ببعضها أقرب لبعضها من الأقسام التي علاقتها بها أضعف، أي أن نضع الأقسام التي يتم نقل المواد بينها كثيرا قريبة من بعضها بينما الأقسام التي لا يتم نقل المواد منها إلى تلك الأقسام أو إليها من تلك الأقسام كثيرا في مكان أبعد. فالشكل أعلاه يبين تخطيطا سيئا لموقع عمل، لماذا؟ لأن القسمين 1 و3 بينهما حجم تعامل ضخم جدا -كما يتضح من عدد العملاء الذين ينتقلون من 1 إلى 3 – مقارنة بين حجم التعامل بين القسمين 1،4 أو 1و2 وبالتالي فإن التخطيط الصحيح يستوجب تقريب القسمين 1، 3 فلو وضعنا القسم 3 مكان القسم 4 لخفضنا تكلفة (أو جهد) الانتقالات كثيرا.
ولكن لا يعتمد تخطيط مخطط الورشة على تخفيض تكلفة نقل المواد فحسب بل هناك أمور أخرى منها:
– راحة العميل في حالة الخدمات فإن راحة العميل قد تجعلنا نضطر لزيادة نقل المواد أحيانا، وراحة العميل تشمل عدم وجود اختناقات ومسارات غير واضحة، فالعميل لا يريد أن يتوه في مؤسستك، ولا يريد أن يقف في طابور لا يستطيع أن يتنفس فيه ولا أن يحرك ذراعه، وراحة العميل تشمل عدم شم روائح كريهة أو التعرض لحرارة عالية أو لضوضاء صاخبة ولذلك فلابد من ألا يكون المطبخ بجوار غرف النوم في الفندق وألا تكون هناك غرف مواجهة لمكتب مدير الفندق أو الاستقبال.
الشكل أعلاه يبين مثالا للتخطيط السيئ حيث خدمة العملاء تقع بجوار قسم تقطيع المعدن الذي يُصدر ضوضاء مزعجة.
أما الشكل أعلاه فيبين مثالا آخر للتخطيط السيئ الذي لم يراعِ مكان وقوف الطوابير بشكل مريح ولائق فصارت الطوابير كالثعابين وصار هناك تزاحم وعدم ارتياح.
– راحة الموظفين من حيث وجود مسارات متسعة ووجود مكان عمل صحي وسهولة فهم المخطط، فالموظف يحتاج لبيئة عمل مقبولة، فمن غير المقبول أن تكون دورات مياه الموظفين بعيدة عن مكان عملهم، أو أن تكون مكاتبهم في بيئة ملوثة، أو أن تكون الممرات بين المكاتب ضيقة جدا، أو أن تكون أماكن العمل غير مرتبة، أو أن تكون الطرق بين المصانع غير آمنة.
الشكل أعلاه يبين مثالا سيئا للتخطيط فالمستطيلات ترمز للأقسام أو المصانع أو المباني أو المكاتب وأما الخطوط البرتقالية فتبين الممرات. لاحظ كيف أن الممرات متشعبة بشكل معقد مما لا يساعد على تفادي الحوادث أو على سهولة الحركة.
– إمكانية أداء الأعمال بسهولة ويشمل ذلك إمكانية أداء العمل الأساسي من تقديم خدمة أو تشغيل آلة وكذلك من حيث سهولة القيام بأعمال التنظيف والصيانة وأعمال التحميل والتفريغ، فالمخطط لابد أن يراعي كل ذلك فبعض الأعمال تستدعي وجود مساحات لاستخدام بعض المعدات مثل الروافع المتحركة أو الثابتة، وبعض أعمال الصيانة تحتاج وجود فراغ فوق الآلة أو بجوارها. كل هذا يجعل عملية التخطيط عملية معقدة.
– مراعاة حالة العملاء فقد نضطر لوضع قسم ما يرتاده كبار السن في مكان ما يسهل عليهم الوصول إليه مع أن هذا قد لا يكون هو الحل الأمثل لعمليات نقل المواد
الشكل أعلاه يبين مثالا لتخطيط سيئ حيث وضع قسم خدمة كبار السن وكذلك قسم خدمة المعاقين في آخر المبنى مما يعني أن على كبير السن والمعاق أن يسير مسافة طويلة، والأولى أن توضع هذه الأقسام في أقرب مكان لدخول العملاء تيسيرا على كبار السن والمعاقين.
– طبيعة الصناعة فقد يكون هناك قسمان يجب أن يكونا متقاربين لأسباب أخرى غير تقليل نقل المواد مثل أن يكون بينهما صلة قوية بحيث يعمل فيهما نفس العمالة أو يستخدمان نفس الموارد أو أن المنتج نصف المصنع يخرج من هذا القسم ليدخل في ذلك القسم الآخر مباشرة قبل أن يبرد أو يجف، وبعض العمليات يجب أن يتم إبعادها عن بعضها مثل عمليتين إحداهما ملوثة للبيئة والأخرى تحتاج بيئة نظيفة جدا
– السلامة المهنية فانت لا تضع جهازا يصدر ضوضاء عالية بجوار ماكينة أخرى يعمل عليها عاملا طوال الوقت لأن هذه الضوضاء ستضر أذن العامل، وبعض العمليات التي تحتوي على بعض المخاطر لا يمكن أن تكون في مكان يمر فيه العملاء وهكذا.
– المرونة على المدى البعيد مثل مرونة زيادة آلة أو قسم آخر أو نقل قسم من مكان لآخر ولذلك فإنه يتم ترك مساحات خالية عند إنشاء الشركات الصناعية -وبعض الشركات الخدمية- لاحتمالات التوسعات المستقبلية.
الشكل أعلاه يبين مثالا لتخطيط جيد وآخر سيئ، فالشكل على اليسار قد استغل الأرض كلها بيما الشكل على اليمين قد أنشأ نفس المنشآت ولكن على مساحة أصغر من الأرض وترك مساحة خالية قد تستخدم في أي توسعات مستقبلية.
– تيسير الاتصالات والإشراف فمثلا عندما يتم وضع مكتب المشرف بعيدا عن العمل الذي يشرف عليه فإن هذا لا يساعد على الإشراف المباشر والاتصال وجها لوجه مع المرؤوسين في أي وقت، وكذلك عندما يتم إبعاد الأقسام التي تحتاج أن تتحاور وتتعاون في أمور كثيرة فإن هذا لا يساعد على الاتصال. وهذا الأمر يحتاج نظرة دقيقة لأن القسم الواحد يحتاج أن يتصل بأكثر من جهة في نفس الوقت.
– قلة التكلفة فقد نصمم مخططا رائعا ولكنه يحتاج أضعاف المساحة التي يحتاجها مخطط آخر لا يقل عنه كثيرا، ونظرا لأن تكلفة الأرض تمثل حزءا لا يستهان به من التكلفة الاستثمارية فإنه ينبغي مراعاة الاستفادة الجيدة من الأرض المتاحة. وقلةا لتكلفة تشمل توفير بناء أدوار لا داعي لها أو استخدام وسائل نقل مكلفة يمكن الاستغناء عنها.
– اتجاه الريح لأن هبوب الريح في اتجاه معين قد يُحتم علينا وضع قسم ما بحيث لا تأتيه الريح من قسم آخر لكي لا تنقل له الغبار أو الغازات أو الرائحة.
لاحظ التخطيط السييء في الشكل أعلاه حيث تم وضع مطعم الشركة بحيث تساعد الريح على مرور الغازات المتصاعدة من المصنع على المطعم مما يؤدي إلى تلوث الطعام ويجعل نظافة المطعم عملية شديدة الصعوبة.
– القوانين فد يمنعك القانون من إنشاء منشأ ما في مكان ما، وقد يفرض عليك وجود آلات معينة في مكان محدد، وقد يمنعك من استخدام بعض وسائل النقل في بعض الطرق، فتخطيط مواقع العمل لابد أن يراعي ذلك.
– الأمن فلا شك أنك لن تضع خزينة المصنع بجوار سور المؤسسة، ولن تضع الحاسوب الرئيسي للشركة (الخادم أو الـ Server) بحيث يسهل لأي أحد أن يفسده أو يوقفه وهكذا
– تيسير عمليات الدخول والخروج ويشمل ذلك المخارج الآمنة لحالات الحريق، وإمكانية دخول سيارة إسعاف أو مطافئ
– تشجيع بيع بعض السلع أو الترويج لبعض الخدمات فقد تجعل القسم الذي يؤدي الخدمة الأكثر شيوعا في آخر المؤسسة لكي يمر العميل على باقي الأقسام فيتعرف على الخدمات الأخرى، ولهذا تطبيق في البيع في الولايات المتحدة حيث تضع الأسواق التجارية بعض البنود ذات الاستهلاك العالي في آخر المحل مثل اللبن لكي تضطر أن تمر على منتجات كثيرة في طريقك لشراء لتر من اللبن وبالطبع ستفكر في شراء هذا وذاك. وبالطبع لابد ألا يصل الأمر إلى مرحلة أن يشعر العميل بالمشقة. وقد نضع الخدمة الأقل طلبا بجوار الخدمة الأكثر طلبا لترويج الخدمة الأقل طلبا.
– عوامل صحية فلن نضع عيادة الشركة بجوار مكان تجميع مخلفات الشركة، ولن نضع مطعم المؤسسة بجوار مخرج الغازات الخارجة من المصنع، ولن نضع قسما يستقبل عددا كبيرا من العملاء في مكان ضيق لا يسمح بتهوية جيدة
– عوامل دينية فلن نضع مصلى الموظفين في مكان متسخ، ولن نترك الموظفين بغير مكان للوضوء، ولن نضع محراب المسجد في خلفية المسجد أو عكس اتجاه القبلة
– أماكن وسائل تداول المواد من سيور أو سيارات أو روافع أو قطارات فهذه الأدوات تحتاج مساحات بين الأقسام المختلفة، ومراعاة ذلك هو من الأمور الأساسية
– عدم الإيذاء فالمخطط الناجح لابد ألا يؤذي أحدا من موظفين أو عملاء أو أناس محيطين بالمؤسسة فلا ضرر ولا ضرار، وبالتالي فلو كانت المنشأة منشأة صغيرة تعمل من خلال مكتب في عمارة سكنية فلن تخطَطَ المنشأة بحيث يجلس موظف الاستقبال عند باب الشقة ويقف العملاء في ممر الشقق فيتأذى الجيران، وإذا كنت منشأة كبيرة فلن تصمم بوابة المنشأة بحيث تعرقل المرور أو تتسبب في حوادث، وإذا كنت مصنعا صغيرا فلن تلقي أي سوائل في الطريق فينزلق منها أي مارٍ بالطريق وهكذا.
وأحيانا يكون هناك تعارض في المصالح أي أن هناك سبب لوضع عمليتين أو قسمين بجوار بعضهما البعض وهناك ضرر كذلك، فعلى سبيل المثال فإن وضع دورة المياه داخل المسجد ييسر على من يريد الوضوء ولكنه قد يتسبب في اتساخ المسجد، ووضع المطعم بجوار الماكينات يقلل من عملية انتقال الأفراد من موقع العمل إلى المطعم ولكنه يجعل المطعم مكانا غير مريح حيث الضوضاء والتلوث، ووضع محطة معالجة المياه بجوار المصانع مباشرة يقلل من تكلفة نقل المياه عبر المواسير ولكن إن كانت هذه المصانع ينبعث منها بعض الأتربة فإن المياه في محطة المياه ستتعرض لهذا التلوث، ووضع مكاتب مهندسي المصنع بجوار المصنع ييسر عليهم التواجد فترات طويلة في المصنع ولكنه يجعل الاتصال المباشر بينهم وبين مهندسي المصنع الآخر في نفس الشركة أكثر صعوبة. هذا التعارض يتم علاجه عن طريق تحديد الأولويات وهذه عملية قد تكون واضحة أحيانا ودقيقة في أحيان أخرى.
وهذه الاعتبارات لها أهمية كبيرة في مخطط الورشة ولها بعض التطبيقات في مخطط المنتج أو مخطط الخلايا أو مخطط المكان الثابت، ففي مخطط المنتج يكون التخطيط واضحا فيما يخص العملية الأساسية ولكن بعض العمليات المساعدة تحتمل أن توضع في أي مكان مثل محطة المياه ومحطة الكهرباء ومحطة الهواء وغيرها، وفي مخطط المكان الثابت فإننا نراعي تنظيم الأماكن بما يخدم نواحي السلامة فلا نضع مكان تخزين مواد قابلة للاشتعال بجوار عمليات القطع بالأكسجين، وفي مخطط الخلايا قد نضطر لإبعاد ماكينتين عن بعضهما بسبب اهتزاز إحداهما أو التلوث أو غير ذلك وإن ظل كلاهما في نفس الخلية، وأحيانا قد يضطرنا ذلك لفصل آلة ما عن الخلية. فهذه الاعتبارات هي اعتبارات عامة وإن كان تطبيقها في مخطط الورشة أكثر وضوحا.
وكلما كان تغيير المخطط أمرا صعبا كلما كان قرار اختيار المخطط قرارا غاية في الأهمية، ففي الصناعات الثقيلة على سبيل المثال يصعب تغيير تخطيط المصنع بعد إنشائه وقد تكتشف بعد فترة أن نفس المصنع كان يمكن أن يخطط بشكل مختلف يوفي الكثير من المال والجهد والآلات. وكما ترى فالخيارات كثيرة وأسباب التفضيل كثيرة فهي تشمل تكلفة الأرض وتكلفة النقل وراحة العملاء وراحة العاملين والضوضاء والتلوث والروائح والرياح وغيرها.
وليس بالضرورة أن تجد كل هذه الاعتبارات عند تخطيط أي منشأة فالمنشآت التي هي عبارة عن مجموعة المكاتب لن تهتم باتجاه الريح ولن تتأثر بأمور البيئة، وبعض المنشآت قيد يكون فيها بعض العوامل أهم من الأخرى فالمؤسسات الخدمية تهتم براحة العميل أكثر من اهتمامها بكفاءة العملية بينما المؤسسات الصناعية التي لا تتعامل مع العميل داخل المنشأة لن تنظر إلى هذا الاعتبار أصلا.
وكتذكِرة بما ورد في مقالات سابقة فإن مخطط الورشة يعني أن يتم وضع الآلات المتشابهة في الوظيفة في مكان واحد فآلات التقطيع في قسم وآلات التشكيل في قسم وآلات اللحام في قسم وآلات المعالجة الكيميائية في قسم وآلات التغليف في قسم وهكذا. هذا المخطط له مميزاته وعيوبه فأما مميزاته فهو أنه يسمح لنا بأن ننتج أي منتج يطلبه العميل، وأما عيوبه فهو كثرة نقل المواد وطول الطوابير وصعوبة التخطيط وعدم إحساس كل عامل بمسئوليته عن منتج ما.
وتخطيط مكان العمل قد يعني التخطيط الرئيسي للمصانع أو الأقسام، وقد يكون التخطيط الداخلي لمصنع واحد أو قسم واحد، وقد يكون تخطيط لأماكن الآلات أو تخطيط لأماكن المكاتب أو أماكن الخدمة، فتخطيط أمكان العمل هو أمر عام يستخدم لتخطيط منشآت كاملة او لجزء من منشأة ويستخدم لتخطيط مؤسسة صغيرة أو كبيرة.
ما هي الأهداف التي نحاول تحقيقها؟
كما علمتَ فإن أحد عيوب مخطط الورشة هو عظم تكلفة نقل المواد من قسم لآخر أو انتقال العميل من إدارة لأخرى، ولذلك فإن هذا الأمر لاقى اهتماما حتى أن هناك طرق تحليلية لتقليل هذه المشكلة.
والفكرة الأساسية لتقليل تكلفة نقل المواد هي أن نضع الأقسام التي لها علاقة قوية ببعضها أقرب لبعضها من الأقسام التي علاقتها بها أضعف، أي أن نضع الأقسام التي يتم نقل المواد بينها كثيرا قريبة من بعضها بينما الأقسام التي لا يتم نقل المواد منها إلى تلك الأقسام أو إليها من تلك الأقسام كثيرا في مكان أبعد. فالشكل أعلاه يبين تخطيطا سيئا لموقع عمل، لماذا؟ لأن القسمين 1 و3 بينهما حجم تعامل ضخم جدا -كما يتضح من عدد العملاء الذين ينتقلون من 1 إلى 3 – مقارنة بين حجم التعامل بين القسمين 1،4 أو 1و2 وبالتالي فإن التخطيط الصحيح يستوجب تقريب القسمين 1، 3 فلو وضعنا القسم 3 مكان القسم 4 لخفضنا تكلفة (أو جهد) الانتقالات كثيرا.
ولكن لا يعتمد تخطيط مخطط الورشة على تخفيض تكلفة نقل المواد فحسب بل هناك أمور أخرى منها:
– راحة العميل في حالة الخدمات فإن راحة العميل قد تجعلنا نضطر لزيادة نقل المواد أحيانا، وراحة العميل تشمل عدم وجود اختناقات ومسارات غير واضحة، فالعميل لا يريد أن يتوه في مؤسستك، ولا يريد أن يقف في طابور لا يستطيع أن يتنفس فيه ولا أن يحرك ذراعه، وراحة العميل تشمل عدم شم روائح كريهة أو التعرض لحرارة عالية أو لضوضاء صاخبة ولذلك فلابد من ألا يكون المطبخ بجوار غرف النوم في الفندق وألا تكون هناك غرف مواجهة لمكتب مدير الفندق أو الاستقبال.
الشكل أعلاه يبين مثالا للتخطيط السيئ حيث خدمة العملاء تقع بجوار قسم تقطيع المعدن الذي يُصدر ضوضاء مزعجة.
أما الشكل أعلاه فيبين مثالا آخر للتخطيط السيئ الذي لم يراعِ مكان وقوف الطوابير بشكل مريح ولائق فصارت الطوابير كالثعابين وصار هناك تزاحم وعدم ارتياح.
– راحة الموظفين من حيث وجود مسارات متسعة ووجود مكان عمل صحي وسهولة فهم المخطط، فالموظف يحتاج لبيئة عمل مقبولة، فمن غير المقبول أن تكون دورات مياه الموظفين بعيدة عن مكان عملهم، أو أن تكون مكاتبهم في بيئة ملوثة، أو أن تكون الممرات بين المكاتب ضيقة جدا، أو أن تكون أماكن العمل غير مرتبة، أو أن تكون الطرق بين المصانع غير آمنة.
الشكل أعلاه يبين مثالا سيئا للتخطيط فالمستطيلات ترمز للأقسام أو المصانع أو المباني أو المكاتب وأما الخطوط البرتقالية فتبين الممرات. لاحظ كيف أن الممرات متشعبة بشكل معقد مما لا يساعد على تفادي الحوادث أو على سهولة الحركة.
– إمكانية أداء الأعمال بسهولة ويشمل ذلك إمكانية أداء العمل الأساسي من تقديم خدمة أو تشغيل آلة وكذلك من حيث سهولة القيام بأعمال التنظيف والصيانة وأعمال التحميل والتفريغ، فالمخطط لابد أن يراعي كل ذلك فبعض الأعمال تستدعي وجود مساحات لاستخدام بعض المعدات مثل الروافع المتحركة أو الثابتة، وبعض أعمال الصيانة تحتاج وجود فراغ فوق الآلة أو بجوارها. كل هذا يجعل عملية التخطيط عملية معقدة.
– مراعاة حالة العملاء فقد نضطر لوضع قسم ما يرتاده كبار السن في مكان ما يسهل عليهم الوصول إليه مع أن هذا قد لا يكون هو الحل الأمثل لعمليات نقل المواد
الشكل أعلاه يبين مثالا لتخطيط سيئ حيث وضع قسم خدمة كبار السن وكذلك قسم خدمة المعاقين في آخر المبنى مما يعني أن على كبير السن والمعاق أن يسير مسافة طويلة، والأولى أن توضع هذه الأقسام في أقرب مكان لدخول العملاء تيسيرا على كبار السن والمعاقين.
– طبيعة الصناعة فقد يكون هناك قسمان يجب أن يكونا متقاربين لأسباب أخرى غير تقليل نقل المواد مثل أن يكون بينهما صلة قوية بحيث يعمل فيهما نفس العمالة أو يستخدمان نفس الموارد أو أن المنتج نصف المصنع يخرج من هذا القسم ليدخل في ذلك القسم الآخر مباشرة قبل أن يبرد أو يجف، وبعض العمليات يجب أن يتم إبعادها عن بعضها مثل عمليتين إحداهما ملوثة للبيئة والأخرى تحتاج بيئة نظيفة جدا
– السلامة المهنية فانت لا تضع جهازا يصدر ضوضاء عالية بجوار ماكينة أخرى يعمل عليها عاملا طوال الوقت لأن هذه الضوضاء ستضر أذن العامل، وبعض العمليات التي تحتوي على بعض المخاطر لا يمكن أن تكون في مكان يمر فيه العملاء وهكذا.
– المرونة على المدى البعيد مثل مرونة زيادة آلة أو قسم آخر أو نقل قسم من مكان لآخر ولذلك فإنه يتم ترك مساحات خالية عند إنشاء الشركات الصناعية -وبعض الشركات الخدمية- لاحتمالات التوسعات المستقبلية.
الشكل أعلاه يبين مثالا لتخطيط جيد وآخر سيئ، فالشكل على اليسار قد استغل الأرض كلها بيما الشكل على اليمين قد أنشأ نفس المنشآت ولكن على مساحة أصغر من الأرض وترك مساحة خالية قد تستخدم في أي توسعات مستقبلية.
– تيسير الاتصالات والإشراف فمثلا عندما يتم وضع مكتب المشرف بعيدا عن العمل الذي يشرف عليه فإن هذا لا يساعد على الإشراف المباشر والاتصال وجها لوجه مع المرؤوسين في أي وقت، وكذلك عندما يتم إبعاد الأقسام التي تحتاج أن تتحاور وتتعاون في أمور كثيرة فإن هذا لا يساعد على الاتصال. وهذا الأمر يحتاج نظرة دقيقة لأن القسم الواحد يحتاج أن يتصل بأكثر من جهة في نفس الوقت.
– قلة التكلفة فقد نصمم مخططا رائعا ولكنه يحتاج أضعاف المساحة التي يحتاجها مخطط آخر لا يقل عنه كثيرا، ونظرا لأن تكلفة الأرض تمثل حزءا لا يستهان به من التكلفة الاستثمارية فإنه ينبغي مراعاة الاستفادة الجيدة من الأرض المتاحة. وقلةا لتكلفة تشمل توفير بناء أدوار لا داعي لها أو استخدام وسائل نقل مكلفة يمكن الاستغناء عنها.
– اتجاه الريح لأن هبوب الريح في اتجاه معين قد يُحتم علينا وضع قسم ما بحيث لا تأتيه الريح من قسم آخر لكي لا تنقل له الغبار أو الغازات أو الرائحة.
لاحظ التخطيط السييء في الشكل أعلاه حيث تم وضع مطعم الشركة بحيث تساعد الريح على مرور الغازات المتصاعدة من المصنع على المطعم مما يؤدي إلى تلوث الطعام ويجعل نظافة المطعم عملية شديدة الصعوبة.
– القوانين فد يمنعك القانون من إنشاء منشأ ما في مكان ما، وقد يفرض عليك وجود آلات معينة في مكان محدد، وقد يمنعك من استخدام بعض وسائل النقل في بعض الطرق، فتخطيط مواقع العمل لابد أن يراعي ذلك.
– الأمن فلا شك أنك لن تضع خزينة المصنع بجوار سور المؤسسة، ولن تضع الحاسوب الرئيسي للشركة (الخادم أو الـ Server) بحيث يسهل لأي أحد أن يفسده أو يوقفه وهكذا
– تيسير عمليات الدخول والخروج ويشمل ذلك المخارج الآمنة لحالات الحريق، وإمكانية دخول سيارة إسعاف أو مطافئ
– تشجيع بيع بعض السلع أو الترويج لبعض الخدمات فقد تجعل القسم الذي يؤدي الخدمة الأكثر شيوعا في آخر المؤسسة لكي يمر العميل على باقي الأقسام فيتعرف على الخدمات الأخرى، ولهذا تطبيق في البيع في الولايات المتحدة حيث تضع الأسواق التجارية بعض البنود ذات الاستهلاك العالي في آخر المحل مثل اللبن لكي تضطر أن تمر على منتجات كثيرة في طريقك لشراء لتر من اللبن وبالطبع ستفكر في شراء هذا وذاك. وبالطبع لابد ألا يصل الأمر إلى مرحلة أن يشعر العميل بالمشقة. وقد نضع الخدمة الأقل طلبا بجوار الخدمة الأكثر طلبا لترويج الخدمة الأقل طلبا.
– عوامل صحية فلن نضع عيادة الشركة بجوار مكان تجميع مخلفات الشركة، ولن نضع مطعم المؤسسة بجوار مخرج الغازات الخارجة من المصنع، ولن نضع قسما يستقبل عددا كبيرا من العملاء في مكان ضيق لا يسمح بتهوية جيدة
– عوامل دينية فلن نضع مصلى الموظفين في مكان متسخ، ولن نترك الموظفين بغير مكان للوضوء، ولن نضع محراب المسجد في خلفية المسجد أو عكس اتجاه القبلة
– أماكن وسائل تداول المواد من سيور أو سيارات أو روافع أو قطارات فهذه الأدوات تحتاج مساحات بين الأقسام المختلفة، ومراعاة ذلك هو من الأمور الأساسية
– عدم الإيذاء فالمخطط الناجح لابد ألا يؤذي أحدا من موظفين أو عملاء أو أناس محيطين بالمؤسسة فلا ضرر ولا ضرار، وبالتالي فلو كانت المنشأة منشأة صغيرة تعمل من خلال مكتب في عمارة سكنية فلن تخطَطَ المنشأة بحيث يجلس موظف الاستقبال عند باب الشقة ويقف العملاء في ممر الشقق فيتأذى الجيران، وإذا كنت منشأة كبيرة فلن تصمم بوابة المنشأة بحيث تعرقل المرور أو تتسبب في حوادث، وإذا كنت مصنعا صغيرا فلن تلقي أي سوائل في الطريق فينزلق منها أي مارٍ بالطريق وهكذا.
وأحيانا يكون هناك تعارض في المصالح أي أن هناك سبب لوضع عمليتين أو قسمين بجوار بعضهما البعض وهناك ضرر كذلك، فعلى سبيل المثال فإن وضع دورة المياه داخل المسجد ييسر على من يريد الوضوء ولكنه قد يتسبب في اتساخ المسجد، ووضع المطعم بجوار الماكينات يقلل من عملية انتقال الأفراد من موقع العمل إلى المطعم ولكنه يجعل المطعم مكانا غير مريح حيث الضوضاء والتلوث، ووضع محطة معالجة المياه بجوار المصانع مباشرة يقلل من تكلفة نقل المياه عبر المواسير ولكن إن كانت هذه المصانع ينبعث منها بعض الأتربة فإن المياه في محطة المياه ستتعرض لهذا التلوث، ووضع مكاتب مهندسي المصنع بجوار المصنع ييسر عليهم التواجد فترات طويلة في المصنع ولكنه يجعل الاتصال المباشر بينهم وبين مهندسي المصنع الآخر في نفس الشركة أكثر صعوبة. هذا التعارض يتم علاجه عن طريق تحديد الأولويات وهذه عملية قد تكون واضحة أحيانا ودقيقة في أحيان أخرى.
وهذه الاعتبارات لها أهمية كبيرة في مخطط الورشة ولها بعض التطبيقات في مخطط المنتج أو مخطط الخلايا أو مخطط المكان الثابت، ففي مخطط المنتج يكون التخطيط واضحا فيما يخص العملية الأساسية ولكن بعض العمليات المساعدة تحتمل أن توضع في أي مكان مثل محطة المياه ومحطة الكهرباء ومحطة الهواء وغيرها، وفي مخطط المكان الثابت فإننا نراعي تنظيم الأماكن بما يخدم نواحي السلامة فلا نضع مكان تخزين مواد قابلة للاشتعال بجوار عمليات القطع بالأكسجين، وفي مخطط الخلايا قد نضطر لإبعاد ماكينتين عن بعضهما بسبب اهتزاز إحداهما أو التلوث أو غير ذلك وإن ظل كلاهما في نفس الخلية، وأحيانا قد يضطرنا ذلك لفصل آلة ما عن الخلية. فهذه الاعتبارات هي اعتبارات عامة وإن كان تطبيقها في مخطط الورشة أكثر وضوحا.
وكلما كان تغيير المخطط أمرا صعبا كلما كان قرار اختيار المخطط قرارا غاية في الأهمية، ففي الصناعات الثقيلة على سبيل المثال يصعب تغيير تخطيط المصنع بعد إنشائه وقد تكتشف بعد فترة أن نفس المصنع كان يمكن أن يخطط بشكل مختلف يوفي الكثير من المال والجهد والآلات. وكما ترى فالخيارات كثيرة وأسباب التفضيل كثيرة فهي تشمل تكلفة الأرض وتكلفة النقل وراحة العملاء وراحة العاملين والضوضاء والتلوث والروائح والرياح وغيرها.
وليس بالضرورة أن تجد كل هذه الاعتبارات عند تخطيط أي منشأة فالمنشآت التي هي عبارة عن مجموعة المكاتب لن تهتم باتجاه الريح ولن تتأثر بأمور البيئة، وبعض المنشآت قيد يكون فيها بعض العوامل أهم من الأخرى فالمؤسسات الخدمية تهتم براحة العميل أكثر من اهتمامها بكفاءة العملية بينما المؤسسات الصناعية التي لا تتعامل مع العميل داخل المنشأة لن تنظر إلى هذا الاعتبار أصلا.