هناك الكثير الذي يمكنك كمدير أن تفعله لكي تنظم العمل وتقلل من الفوضى ومن طول الانتظار واستياء العملاء. مهما كانت الأمور متغيرة فإنه يمكنك أن تتعامل معها بأدوات بسيطة جدا. وربما تكون المشكلة الكبرى هي في تقبل مثل هذه المشاكل كما لو كانت جزءا أصيلا من الحياة وطبيعة لا مفر منها، ولكن الواقع يُثبت عكس ذلك فهناك خدمات كثيرة في بلادنا لا يحدث فيها ذلك نتيجة لان هناك شخص أو أشخاص بذلوا بعض الجهد لجعل الأمر منظما. فكِّر في وسائل لتحسين الخدمة لكي تجذب العملاء وتزيد من أرباحك والأهم من ذلك لكي تيسِر على الناس.
– هل هذه عيادة دكتور فلان؟
– نعم
– هل يمكن أن أحجز موعدا اليوم الساعة الثامنة؟
– يمكنك أن تأتي اليوم ولكن لا يوجد مواعيد، عليك أن تحضر الساعة الخامسة وتنتظر
– ما هي مدة الانتظار؟
– لا أدري ربما ساعتان أو ثلاثة أو أكثر
هذه هي إحدى الأمثلة للفشل الإداري، إن معظم الأطباء لا يحددون موعدا لحضور المرضى بدعوى أنها هذا غير ممك
حضرتُ بطولة للتنس للأطفال في أحد النوادي الاجتماعية الكبرى والتي بها عدد لا بأس به من ملاعب التنس. لاحظت في البداية وجود مكان مظلل لجلوس المتفرجين، ووجدت أن اللاعبين مقسَّمين إلى مجموعات بحيث يلعب كل لاعب مع باقي اللاعبين في مجموعته ثم تكون التصفيات بين الأول والثاني من كل مجموعة. مع بداية المباريات اكتشفت قلة عدد الكراسي بحيث أنك لو تركت كرسيك فربما لن تجد غيره، واتضح أن اللاعب الواحد قد يلعب مباراة في ملعب ثم يلعب المباراة التالية في ملعب بعيد عنه ثم يلعب المباراة التي تليها في ملعب آخر. لم يكن هناك جدولا محددا لمواعيد المباريات ولا أماكنها، وكان على اللاعبين وذويهم الانتباه للتعليمات التي تصدر بين الحين والحين عبر مكبر الصوت والتي تنادي على اللاعبين للتوجه لملعب ما للعب المباراة التالية، والعجيب أن صوت المكبر لا يمكن سماعه سوى من بعض الملاعب فقط.
مع بداية المباريات بدأ المتفرجون – والذين هم أهالي اللاعبين- في التنقل بكراسيهم من ملعب لملعب، وبدأت فترات الانتظار بين المباريات تطول. وبدا الأمر غير منظم حتى أن إحدى المباريات أقيمت بين لاعبين من مجموعتين مختلفتين ولم يتم الانتباه إلى هذا الخطأ إلا بعد انقضاء أكثر من نصف المباراة ثم تم إلغاؤها لأنها لا أساس لها أصلا.
هل كان يمكن أن تكون بطولة التنس أكثر تنظيما، أم أن اختلاف طول المباريات وتداخل الجداول والضغط على الملاعب يمنع من ذلك؟
مع اقتراب شهر رمضان تبدأ الأسواق التجارية في عرض بعض المأكولات التي اعتاد الناس أن يأكلوها في هذا الشهر، ومع بداية الشهر أو قبله بيوم أو يومين تجد الأسواق التجارية تكتظ بالمشترين وتصل الطوابير لأطوال هائلة، ولو ناقشت مدير السوق التجاري لقال لك: كل عام وأنتم بخير…رمضان كريم…ماذا نفعل؟ الناس يأتون وقتما يشاؤون وليس لنا سلطان عليهم. وتتكرر نفس المشكلة مع شراء ملابس العيد ومع مستلزمات المدارس وغيرها.
هل لا يمكن عمل شيء فعلا؟
ما هي مشكلة تحديد مواعيد زيارة الطبيب؟ سيقولون لك: إن وقت الكشف يختلف كثيرا من مريض لمريض فهذا يستغرق خمس دقائق وهذا عشرين دقيقة، فلا يمكن تحديد مواعيد. نعم إن الوقت يختلف من مريض لآخر وكذلك معظم الأمور في هذه الحياة تأخذ أوقاتا مختلفة ولكن هذا لا يمنع من تحديد مواعيد.
الحل يبدأ بتسجيل الفترة الزمنية التي يستغرقها الكشف على كل مريض لمدة أسبوع، ثم يتم قياس المتوسط الحسابي لزمن الكشف وذلك بجمع أزمنة الكشف كلها والقسمة على عدد المرضى. نفترض أن المتوسط الحسابي لزمن الكشف هو 12 دقيقة فهذا يعني أن الطبيب يستطيع مقابلة 5 مرضى في الساعة الواحدة. من غير المألوف أن تقول للمريض إن موعدك الساعة العاشرة واثنتا عشرة دقيقة أو العاشرة وست وثلاثون دقيقة، لذلك فيمكنك أن تحدد مواعيد كل عشر دقائق أو كل خمس عشرة دقيقة، ففي الحالة الأولى سيكون هناك بعض الانتظار، وفي الحالة الثانية ستكون هناك أحيانا بضع دقائق يلتقط الطبيب فيها أنفاسه. ويمكن أن نحجز خمسة مواعيد متفرقة خلال الساعة مثل العاشرة والعاشرة وعشر دقائق والعاشرة والثلث والعاشرة والنصف والعاشرة وخمس وأربعون دقيقة، بهذه الطريقة نكون قد حجزنا لخمسة مرضى في الساعة في مواعيد مقبولة.
هل سيدخل المريض فعلا في موعده؟ ربما لن يحدث ذلك أو لنقل لن يحدث كثيرا، ولكن كم سيطول الانتظار؟ هل سينتظر المريض ساعتين أو ثلاث ساعات؟ لا إنه قد ينتظر ربع ساعة أو نصف ساعة لأننا اعتمدنا على المتوسط الحسابي لزمن الكشف، فهناك مرضى سيحتاجون أكثر من 12 دقيقة فقد يحتاج مريض نصف ساعة كاملة وفي هذه الحالة يضطر المريض التالي أن ينتظر عشرين دقيقة. ولاحظ أن هناك مريض لن يحتاج 12 دقيقة فقد يحتاج عشر أو ثمان دقائق. وبالتالي فنظام الحجز البسيط جدا يوفر على المريض الكثير من العناء، لأن الانتظار في عيادة الطبيب بالإضافة لكونه أمرا مملا فهو عملية شاقة جدا لبعض المرضى، ومن ناحية أخرى فالطبيب الذي يعمل بهذا الأسلوب لن يحتاج مساحة كبيرة للانتظار ولن يقف مرضاه على سلم العمارة.
هناك مشكلة أخرى، قد لا يحضر بعض المرضى في الموعد. نعم ربما يحدث هذا ولكن ما هو عدد المرضى الذين سيتخلفون عن الحضور؟ إن كان قليلا جدا فلا يضر، وإن زاد قليلا ففي هذه الحالة نحجز لستة مرضى في الساعة بدلا من خمسة لتعويض الفاقد. أضف إلى ذلك أن بعض المرضى قد يحضر في أمر عاجل لا يحتمل الانتظار فيشغل الطبيب لبعض الوقت.
ولكن الطبيب قد لا يحضر أصلا في موعده. هذا لن يؤثر كثيرا إلا على المرضى الذين سيحضرون في الساعة الأولى وربما أمكننا إبلاغهم إن علمنا مسبقا بتأخر الطبيب. أما من سيأتون في الساعات التالية فيمكننا إعادة جدولة مواعيدهم وإخبارهم بها أو ربما يتصلون هم للتأكد من أن الموعد لم يتغير فنخبرهم بالموعد الجديد الذين قد يكون مجرد ترحيل الموعد لمدة ساعة أو نصف ساعة.
وعندما نبدأ في وضع نظام للحجز نكتشف تحسينات يمكن إدخالها مثل أن نحدد الزمن الذي يستغرقه الكشف على 50% من المرضى فمثلا قد يكون الكشف على 50% من المرضى يستغرق 9 دقائق أو أقل وبالتالي فلا توجد مشكلة في أن نحدد موعدا كل عشر دقائق. وقد نجد أن المرضى ينقسمون لعدة أنواع فهناك من يأتي للاستشارة فيحتاج وقتا قليلا وهناك من يأتي لأول زيارة فيحتاج وقتا أطول. فعلينا أن نبحث وقت الكشف على كل مجموعة ونحسب المتوسط الحسابي والوسيط ثم نسأل المريض عند الحجز لكي نحجز له فترة زمنية مناسبة. وقد نجد أن هناك نوعية من المرضى تحتاج وقتا طويلا جدا فنضعها في آخر الجدول أو في أيام محددة. وقد نجد أن هناك حالات تحتاج وقتا متغيرا جدا أي أنه قد يكون طويلا جدا أو قصيرا جدا حسب الظروف، فعلينا أن نجدول هذه الحالات في وقت متأخر من الجدول لكي لا تربك لنا الجدول كله لو وضعناها في الساعة الأولى مثلا.
وقد يتطور بنا الأمر فنفكر في كيفية تعظيم الاستفادة من وقت الطبيب فنبدأ بدراسة الأعمال التي يقوم بها الطبيب ونُحيل بعضها للمُمَرِّض أو المُمَرِّضة إذا كان -أو كانت- تستطيع القيام بذلك. بهذا نكون قد وفرنا بعضا من وقت الطبيب للكشف على مرضى آخرين. وقد نبدأ في التفكير في أسباب تغير وقت الكشف على المريض فنحاول تقليلها مثل أن نضع لافتة تبين أن زمن الكشف لا يزيد عن 15 دقيقة فهذا يجعل المريض يحاول أن يتجنب المواضيع التي لا علاقة لها بمرضه، وكذلك يمكن للطبيب الحد من المكالمات التليفونية غير العاجلة ويمكن أن نحدد في الجدول أوقاتا لراحة الطبيب أو لأداء الصلاة.
كما ترى فنحن لم نتحدث عن علوم رياضية أو فيزيائية معقدة وإنما هي عملية بسيطة تؤدي إلى تحسن الخدمة بصورة كبيرة وكلما فكرنا فيها وجدنا فرصا أخرى للتحسين.
نعود لبطولة التنس، هل يمكن تنظيم الأمر بأسلوب أكثر راحة. نعم، مهما تكن الضغوط فهناك فرصة للتحسين. أبسط طرق التحسين هو ان يتم تخصيص عدد محدد من الملاعب لهذه البطولة بدلا من أن تشترك البطولة مع غيرها في ملاعب كثيرة، دعنا نخصص ستة أو أربعة ملاعب فقط لهذه البطولة. بعد ذلك يمكننا أن نضع جدولا مسبقا لمواعيد وأماكن المباريات بنفس الفكر المتبع مع نظام حجز الطبيب فنخصص لكل مباراة وقتا يكافئ المتوسط المعتاد للمباريات ثم قد يحدث بعض الانتظار أحيانا. وإن كانت الملاعب متقاربة فلن تكون هناك أي مشكلة فاللاعبون كلهم وذووهم مجتمعون في مكان صغير فيمكننا أن نطلب من أي لاعب أن يلعب في أي ملعب في أي وقت.
ويمكن أن نطور الأمر فنخصص ملعبا لكل مجموعة أو لكل مجموعتين، بهذا لن يحتاج الأهل للتحرك بالكراسي من ملعب لآخر ولن نحتاج مكبر الصوت وسنتمكن من تنظيم المباريات من داخل الملعب نفسه. هذا أمر شبيه بنظام خلايا الخدمة فكل ملعب هنا هو خلية منفصلة وأما في حالة تنقل اللاعبين وذويهم بين كل الملاعب فهو نظام شبيه بمخطط الورشة بعيوبه والتي تظهر في صعوبة التخطيط وكثرة الانتقالات وعدم وضوح الرؤية للجميع.
أما مشكلة النقص في الكراسي فهي مشكلة بسيطة يمكن التخطيط لها من خلال توقع عدد الحاضرين، فمثلا لو كان لدينا خمسون لاعبا فيمكننا أن نتوقع أن يحضر مع كل لاعب ثلاثة أفراد أي أن عدد الجماهير بالإضافة إلى اللاعبين هو 4 * 50 =200 وبالتالي فنحن نحتاج لـ 200 كرسيا على الأقل، فعلينا أن نوفر ما يزيد على هذا العدد بـ 20% على سبيل المثال.
هذا الحل لا يحتاج أي أنظمة ولا حسابات معقدة بل هو سهل وقابل للتنفيذ.
نأتي لمشكلة الطوابير الطويلة في المواسم المختلفة. هذه المشكلة تبدو خارج نطاق التحكم ولكننا في الحقيقة نستطيع أن نفعل شيئا. أول شيء نفعله هو أن نُشجع العملاء على الحضور لشراء مستلزماتهم قبل الموسم لتفادي الازدحام فهذا يريحهم ويريحنا. قد ننبههم لتوفر المستلزمات ولمشكلة الزحام وقد نعطي بعض المميزات لمن يشتري هذه المستلزمات مبكرا مثل تخفيض محدود أو جوائز عينية.
بهذا نكون قد قللنا من حجم المشكلة ولكننا لم نقض عليها تماما. يمكننا كذلك أن نوفر فرصة توصيل المنتجات للمنزل فهذا يقلل من عدد الزائرين للسوق التجاري، ويمكننا أن نوفر فرصة الطلب عبر الإنترنت أو على الأقل العرض عبر الإنترنت ففي هذه الحالة سيأتي العميل وهو يعرف ما يريد وبالتالي لن يضيع وقت الباعة في السؤال عن الأنواع والأسعار. ويمكننا أن نوزع مطبوعات تبين الأنواع والأسعار. ويمكننا توفير بعض العبوات الجاهزة التي تناسب احتياجات العملاء عادة فمثلا قد نضع كيلو جراما من كذا مع كيلو جرام من كذا مع ربع كيلو جرام من كذا، وينبع ذلك من متابعتنا لمعدلات شراء العملاء من كل نوع، وقد يقودنا ذلك لوضع عبوتين بحجمين مختلفين بحيث يناسب الأسَر الكبيرة والصغيرة. ويمكننا أن نشجع الشراء من العبوات الجاهزة بتخفيض محدود في السعر أو بتخصيص طوابير منفصلة لعملية دفع الحساب للعبوات الجاهزة.
ويمكننا أن نقوم بعملية فصل للطوابير بحيث تكون هناك طوابير خاصة بمن يشتري مستلزمات الموسم، وقد تتم عملية دفع الحساب في نفس مكان بيع المستلزمات الموسمية وهذا شبيه بخلايا الخدمة. والأهم من ذلك أن ندرس طريقة التعامل مع هؤلاء العملاء بان نوفر عددا إضافيا من منافذ الدفع وأن نوفر مكانا إضافيا لوقوف الطوابير. وقد نوفر وقتا إضافيا للبيع ونشجع العملاء على الحضور في أوقات قلة الزحام أثناء اليوم، فعلى سبيل المثال قد نبدأ العمل في رمضان من السابعة صباحا في الأيام الأولى من الشهر لكي نتيح الفرصة لبعض العملاء أن يأتوا في هذا الوقت وقد يكون هناك عدد ممن لا يطيقون الوقوف في الطوابير وممن لديهم فرصة الحضور في ذلك الوقت المبكر. وقد نستأجر مكانا إضافيا لكي نبيع فيه هذه المستلزمات الموسمية فهذا يجعل العمل يستمر كما هو في المقر الأصلي ويوفر مكانا للعرض ولوقوف العملاء.
وكما نحتاج قياس زمن زيارة الطبيب فإننا نحتاج أن نقيس زمن التعامل مع العميل وعدد العملاء في كل يوم من هذه المواسم فهذا يمكننا أن نتوقع عدد العملاء ونحسب احتياجاتنا من العمالة لكي نتجنب تكدس العملاء. فلو اكتشفنا أننا بحاجة لزيادة ثلاثة أو أربعة موظفين فإنه يمكننا أن نوظف ثلاثة أو أربعة موظفين في فترة ذلك الموسم أو أن ننظم ساعات العمل بحيث يعمل بعض الموظفين ساعات إضافية. وتوقعنا لعدد العملاء وزمن الخدمة يمكننا من توقع طول الطابور وبالتالي نعرف إن كان عدد الموظفين والمكان مناسبين أم لا.
كل هذه الأمور تجعلنا نقلل من عملية الانتظار ونقلل من تبرم العملاء من الزحام وهذا كله يساعدنا على جذب العملاء وعلى تقديم خدمة متميزة.
تحميل كتاب Service Management الذي تم اخذ الموضوع منه
اضغط على الرابط في الاسفل
https://www.ienajah.com/up/do.php?id=1850
=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-