الإنتاج ذو القطعة الواحدة هو أحد سمات نظام تويوتا الإنتاجي وهو أمر له مميزاتٌ عديدة ربما يغفل عنها كثيرٌ من المتخصصين. الإنتاج ذو القطعة الواحدة هو بديل للإنتاج على دفعات ففي أسلوب التصنيع التقليدي نُنتِج مائة جزء في مرحلة التصنيع الأولى، ثم يتم نقل هذه المائة للمرحلة التالية، ثم يتم تشغيل هذه المائة في المرحلة الثانية، ثم يتم نقل المائة جزء للمرحلة الثالثة وهكذا، أما في نظام الإنتاج ذي القطعة الواحدة فإنه يتم تصنيع قطعة واحدة في المرحلة الأولى ثم يتم نقلها للثانية وبعد تشغيلها في المرحلة الثانية يتم نقلها للمرحلة الثالثة وهكذا.
ويمكن توضيح ذلك بأمثلة بسيطة مثل تحضير عدد من ساندوتشات الفول فإن الإنتاج بالدفعة يعني وضع عشرة أرغفة أمامك ثم ملء كل واحد منها بالفول ثم ملء كل واحد منها بالخيار والطماطم ثم ملء كل واحد منها بالطحينة ثم تغليف كل واحد منها، أما في الإنتاج بالقطعة الواحدة فإنك ستأخذ رغيفا ثم تملؤه بالفول ثم تضيف إليه الخيار والطماطم ثم تضيف إليه الطحينة ثم تُغلفه وبهذا تكون قد انتهيت من أول ساندوتش ثم تكرر ذلك تسع مرات حتى تنتهي من الساندوتشات العشرة.
الإنتاج بالدفعة أو الإنتاج الكمي هو أمر شائع جدا نظرا للاعتقاد بأنه عظيم الفائدة وأن الإنتاج ذا القطعة الواحدة يتطلب جهدا ووقتا أطول. الحقيقة أن هذا هو مجرد وَهْم وأن الحقيقة هي خلاف ذلك في كثير من عمليات التصنيع وتقديم الخدمة. وأبسط أمر تلاحظه في تحضير ساندوتشات الفول عشرة عشرة أنك تضطر أن تنتظر حتى يتم تحضير عشر ساندوتشات حتى تأخذ ساندوتشا واحدا. أما في حالة إعداد ساندوتشا واحدا ثم الذي يليه فإنك تأخذ أول ساندوتش بعد إعداده مباشرة ولا تنتظر باقي الساندوتشات العشرة، أضف إلى ذلك بساطة أن يقف الشخص وأمامه رغيف واحد فقط، وانظر إلى العامل النفسي حيث يشعر مُعد الطعام بالتقدم الذي يحرزه بسرعة، وانظر إلى قدرة مُعد الطعام على إعداد ساندوتش فول ثم بطاطس ثم باذنجان بعكس الإنتاج الكمي والذي يستلزم إعداد عشرة ساندوتشات متشابهة تماما. هذا مجرد توضيح للفكرة ولكن الأمر يستخدم في خدمات متنوعة وفي صناعات ثقيلة مثل صناعة السيارات وهذا ليس غريبا فهذا الأسلوب هو جزء أصيل من نظام تويوتا الإنتاجي.
الخدمات بالقطعة الواحدة:
ربما كان فهم مميزات هذا النظام في الخدمات أيسر من فهم مميزاته في التصنيع، لذلك دعنا نستعرض مثالا بسيطا لعملية الحصول على خدمة مثل استخراج مستند أو اعتماد وثيقة أو ما شابه. افترض أن مراحل الخدمة هي: استلام الطلب من العميل، دراسة الطلب، تسليم المستند للعميل. هناك طريقتان للقيام بهذا العمل: الطريقة الأولى هي أن يتم تجميع عدد كبير من الطلبات ثم يتم نقلهم مرة واحدة لمرحلة دراسة الطلب ثم يتم دراستهم وبعد الانتهاء منهم جميعا يتم نقلهم مرة واحدة إلى مرحلة تسليم المستند للعميل. الطريقة الثانية هي أن يتم نقل كل طلب من مرحلة لأخرى منفردا.
افترض أن كل مرحلة تستغرق دقيقة واحدة أي أن كل مرحلة من مراحل الخدمة تستغرق دقيقة واحدة بخلاف وقت الانتظار، وكل عملية نقل تستغرق دقيقة واحدة بخلاف وقت الانتظار.
افترض أننا نقوم بتجميع عشر طلبات كمجموعة يتم نقلها مرة واحدة، وافترض أنك وصلت مبكرا فكنت أول عميل على شباك استلام الطلبات. كم من الوقت سيستغرق حصولك على الطلب:
تسليم الطلب: دقيقة واحدة لتسليم طلبك ثم تسع دقائق حتى يتم استلام عشر طلبات
نقل الطلبات: دقيقة واحدة لنقل الطلبات العشر مرة واحدة
دراسة الطلبات: دقيقة واحدة لدراسة طلبك ثم تسع دقائق لدراسة لباقي الطلبات العشر
نقل الطلبات: دقيقة واحدة لنقل الطلبات العشر مرة واحدة
تسليم المستند للعميل: دقيقة واحدة
الوقت الكلي= 23 دقيقة
الشكل أعلاه يوضح الصورة المتوقعة لمثل هذه الخدمة. هناك كم كبير من الأوراق حول كل موظف نظرا لاستخدام أسلوب النقل بالدفعة، وهناك شخص يقوم بنقل الأوراق من مكتب لآخر نظرا لعظم الكم وبعد المسافة، وهناك طوابير طويلة.
ماذا لو عملنا بالطريقة الأخرى أي الخدمة ذات العميل الواحد؟ إن الوقت الكلي في هذه الحالة يساوي:
تسليم الطلب: دقيقة واحدة لتسليم طلبك
نقل الطلبات: دقيقة واحدة لنقل طلبك
دراسة الطلبات: دقيقة واحدة لدراسة طلبك
نقل الطلبات: دقيقة واحدة لنقل طلبك
تسليم المستند للعميل: دقيقة واحدة
الوقت الكلي= 5 دقائق
الشكل أعلاه يبين الصورة المتوقعة لهذه الخدمة. لاحظ أننا نحتاج ما يقارب ثلث المساحة بلا زحام ولا اختناقات وبدون الحاجة لشخص يقوم بنقل الأوراق من موظف لآخر وفي جو عمل صحي حيث لا يرى الموظف حوله أكوام من الأوراق. لاحظ أن هذا المنظر يُذكرك بخلايا الخدمة، وهذا صحيح فإن الخدمة ذات العميل الواحد مرتبطة بخلايا الخدمة.
إن الوقت الكلي في الحالة الثانية هو أقل من ربع نظيره في الحالة الأولى أي أنك ستحتاج 23 دقيقة في الحالة الأولى بينما تحتاج 5 دقائق في الحالة الثانية. ولو قررنا أن نعمل على دفعات من عشرين قطعة فإن الزمن الكلي سيصل إلى 43 دقيقة.
ماذا لو كانت المرحلة الثانية تستغرق 3 دقائق، إن الوقت الكلي سيساوي:
دفعة من عشرين طلب: 83 دقيقة (ساعة وثلث وثلاث دقائق)
دفعة من عشر طلبات: 43 دقيقة (حوالي ساعة إلا ربع)
الخدمة ذات العميل الواحد: 7 دقائق
ما هذا؟ إن الخدمة ذات العميل الواحد تستغرق وقتا يصل لأقل من عشر نظيره في حالة الخدمة على دفعات مكونة من 20 طلب، ويصل لأقل من سدس نظيره عند الخدمة بدفعات مكونة من عشر طلبات.
إن النتيجة مثيرة فالخدمة التي تستغرق 7 دقائق قد تستغرق ساعة وثلث على الرغم من أن الموظفين في كل الأحوال يعملون بنفس الجد والاجتهاد. من أين أتى هذا الفارق الكبير؟ إن الإنتاج على دفعات يعني أن كل عميل سيضطر للانتظار لكي يتم التعامل مع عدد كبير من الطلبات حتى يتم نقل طلبه للمرحلة التالية وهكذا، فالعميل يقدم الطلب ولكن طلبه لن يتم نقله للمرحلة التالية حتى يتم استلام تسعة طلبات أخرى حتى تتم دفعة من عشر طلبات وهكذا في كل مرحلة.
يُظهر لنا من هذا المثال جليا أن الخدمة ذات العميل الواحد هي أفضل كثيرا لراحة العميل، ومع ذلك تجد من يستخدم الخدمة ذات الدفعات توهما منه أنها أفضل للعميل.
هذه فائدة ظاهرة وهناك فوائد خفية منها:
الإصلاح الفوري للأخطاء: افترض أن الموظف الذي يستلم الطلبات أخطأ في استلام الطلب الأول فاستلمه ناقصا بعض المعلومات، ماذا سيحدث في كل حالة؟ في حالة الخدمة ذات الدفعة المكونة من عشر طلبات ستظل الطلبات عند الموظف الأول حتى يتم استكمال الطلبات العشر فيتم نقلها للمرحلة التالية، وعند دراسة أول طلب يتم اكتشاف الخطأ وحينئذ يتم إعادة الطلبات العشر للموظف الأول الذي يقوم بتصليح الخطأ الذي تكرر في عشر طلبات. في حالة الخدمة ذات العميل الواحد فإن الطلب الأول سيُنقل فورا للمرحلة التالية وعندئذ سيتم اكتشاف الخطأ وبالتالي يتم إعادته للموظف الأول والذي سيتدارك الخطأ في الطلبات التالية. أي أن اكتشاف الأخطاء في الحالة الثانية لا يسمح بتكرار الخطأ مرات كثيرة كما في الحالة الأولى.
لا للزحام: في حالة الخدمة بدفعات مكونة من عشرة فإننا في أي وقت سنجد عشرة عملاء على الأقل ينتظرون تسليم طلباتهم، وعشرة على الأقل ينتظرون دراسة طلباتهم، وعشرة ينتظرون استلام طلباتهم، أي أنه سيكون لدينا 30 عميلا على الأقل. أما في حالة الإنتاج ذي العميل الواحد فإن الأمر سيكون أشبه بسريان الماء في الأنابيب فالعميل يدخل ثم يخرج دون أن ينتظر استلام عشرة طلبات ثم دراستهم ثم تسليمهم ، وبالتالي فقد يكون لدينا عميل يقوم بتسليم طلبه وآخر ينتظر دراسة طلبه وآخر يستلم طلبه، أي أن المجموع هو 3 عملاء فقط. وهذا واضح من الزمن الكلي للخدمة فعندما يكون الزمن الكلي للخدمة هو 5 دقائق فإن هذا يعني ازدحاما أقل في مقر الخدمة بينما عندما يكون الزمن الكلي 23 دقيقة أو أكثر فإنه من الطبيعي أن يزدحم المكان خاصة وأننا نقدم الخدمة على دفعات من عشرة عملاء. وقلة الازدحام تعني أنه يمكننا تقديم الخدمة في مساحة أصغر وهو ما يعني وفرا عظيما في تكلفة إنشاء مقر الخدمة أو تأجيره.
تحسين بيئة الخدمة: مع قلة الزحام وعدم الحاجة للانتظار لفترات طويلة فإننا نتلافى مشاكل عديدة مثل تداخل الطوابير وتوتر العملاء والموظفين والحاجة لدورات مياه عديدة والحاجة لتوفير مشروبات أو مأكولات وخلافه. كل هذا يعني تحسين بيئة الخدمة بل وتبسيطها.
المرونة في تقديم الخدمة: افترض أننا نقدم ثلاثة أنواع من الخدمات فكيف سنقدم الخدمة في حالة الإنتاج بالدفعة وفي حالة الإنتاج ذي العميل الواحد؟ في حالة الإنتاج بالدفعة فإن أمامنا حل من اثنين: الأول أن يكون لدينا ثلاثة أقسام يقدم كل منهم خدمة منفصلة، والثاني أن يكون علينا تكوين دفعات من عشرة عملاء من نفس نوع الطلب وبالتالي فإن على طالبي الخدمتين الأخريين أن ينتظروا. أما في حالة الإنتاج ذي العميل الواحد فلا يوجد مشكلة في أن نتلقى طلبات مختلفة لأننا لسنا بحاجة لتكوين دفعات.
جودة الخدمة: في حالة الإنتاج بالدفعة فإن الموظف الذي يعمل في المرحلة الثانية لو صادف خطأ في طلب فسيهمله ويأخذ الذي يليه لأن لديه عشر طلبات، وأما في حالة الخدمة ذات الدفعة الواحدة فإن الخطأ سيعني توقف الموظف عن العمل لأنه لا يوجد مخزون من الطلبات. لذلك فإن الإنتاج ذا الدفعة الواحدة يدفع الموظفين إلى المحافظة بشدة على جودة عملهم. وهذا هو أحد أهداف نظام تويوتا الإنتاجي أي تقليل المخزون الوسيط لإظهار المشاكل والتحفيز لحلها جذريا.
تبسيط العمل: في حالة الإنتاج ذي العميل الواحد لن يجد الموظف عشر طلبات أمامه وهذه الطلبات قد يكون مرفقا بها أوراق عديدة، بل سيجد أمامه طلب واحد فقط. هذا يعني تبسيط عمله وتجنب مشاكل تداخل الأوراق، كما وأن هذا الأسلوب يجعل الموظف لا يشعر بالضغط النفسي نتيجة لتراكم كم كبير من الطلبات أمامه باستمرار. تبسيط العمل يجعل جدولة العمل أبسط ويجعل اكتشاف المشاكل أيسر.
رفع معنويات الموظفين: نتيجة لسرعة تقديم الخدمة وقلة الزحام والعمل كفريق واحد ومحاولة اكتشاف حلول للمشاكل فإن هذا الأسلوب يساهم في تحسين معنويات العاملين.
سهولة التتبع: هذا أمر قد لا ينتبه إليه البعض وهو أننا في حالة الخدمة بالدفعة فإننا قد نجد صعوبة في النهاية في تسليم الطلبات بنفس الترتيب فالموظف أثناء دراسته للطلبات قد يغير الترتيب عن خطأ أو عمد وهو ما يسبب مشكلة عند تسليم المستند للعميل. وكذلك عند وجود مشكلة في طلب ما أثناء دراسته سيحتاج الأمر بعض المجهود لكي نصل للعميل صاحب الطلب.
أمثلة: على الرغم من أن المرء قد يتصور أن الخدمة ذات العميل الواحد هي عملية بديهية فإن الخدمة بالدفعة تقابلك من آن لآخر. يحضرني مثالين مررت بهما:
المثال الأول: ذهبت لمؤسسة لاستخراج مستند ما وكان على الموظف استلام أوراقي ثم إحضار بعض الأوراق التي تخصني من سجلات المؤسسة ثم كتابة المستند وتسليمي إياه. الخطوات بسيطة ولكن التنفيذ يتسِم بالصعوبة، لماذا؟ لأن المؤسسة تتصور أن الخدمة بالدفعة تجعل الأمر سهلا ولذلك فإن الموظف يستلم أوراق مجموعة كبيرة من العملاء، ثم يقوم بنفسه ليحضر ملفاتهم، ثم يعود ويبدأ في دراسة كل طلب ، ثم يقوم بتسليم المستندات للعملاء. ما هي النتيجة؟ لو أنك كنت العميل رقم واحد فإن عليك أن تنتظر حتى يستلم الموظف أوراق كمَ كبير من العملاء وعليك أن تنتظر أن يُحضِر الموظف ملفات كل هؤلاء العملاء. المشكلة الأخرى أنه عند تسليم المستندات فإنك قد تجد أن الترتيب اختلف وتجد أن آخرين يستلمون مستنداتهم قبلك. ترتَب على ذلك زحام شديد أمام الشباك فهناك كم كبير من الذين ينتظرون مستنداتهم وهناك كم آخر تراكم أثناء توقف الموظف عن الاستلام للقيام بالخطوات الأخرى، وترتب على ذلك فوضى كبيرة عند تسلم المستندات فلم يعد الترتيب كما كان عند تسليم الأوراق. هل سَعِد العملاء بهذه الخدمة؟ لا. هل يسعد الموظف بعمله؟ لا. هل أخطأ العميل؟ لا. هل أخطأ الموظف؟ لا. إنها عيوب الخدمة بالدفعة وليست بسبب تقصير هذا أو تعنُّت ذاك.
الأمر ليس عسيرا فالمطلوب هو الخدمة ذات العميل الواحد وهذا يتم بأن يكون هناك موظف لاستلام الأوراق وآخر لجلب ملفات العملاء وثالث لتسليم الطلبات. بداية ستقول لي أننا سنزيد عدد الموظفين. دعني أخبرك أنه في ذلك المثال كان هناك موظفتين يقومان بنفس العمل فلسنا بحاجة إلا لموظف بسيط (ساعِ) يقوم بجلب الملفات. في هذه الحالة سأقوم بتسليم أوراقي لموظف فيقوم بتسليمها للساعي والذي يقوم بإحضار ملفي بينما أنتقل أنا للموظف الآخر وأقف أمامه دقيقة واحدة بينما يجهز لي المستند المطلوب فأستلمه وأنصرف سعيدا وهكذا يسير الطابور من ورائي. الأمر ليس سحرا وإنما هو تطبيق للخدمة ذات العميل الواحد.
قد تسأل ولماذا فكرت تلك المؤسسة في هذا الأسلوب؟ والإجابة أنه وّهْم توفير الوقت والجهد بالخدمة (الإنتاج) الكمي. وسيقول لك ذلك الموظف أنه من غير المنطقي أن يترك العملاء ويذهب كل دقيقة لإحضار ملف واحد. وهذا كلام يبدو منطقيا ولكن في الواقع فإنك لو أردت أن تطبق الخدمة ذات العميل الواحد فعليك التفكير في كيفية إزالة العقبات لنجاح هذا الأسلوب. فعلى سبيل المثال فإنك: ستخصص موظفا آخر بسيطا لجلب الملفات، ستجعل الملفات في مكان قريب، ستُرَتِب الملفات بطريقة سهلة وواضحة جدا، ستجعل الوصول للملفات أمرا سهلا، ستستخدم وسيلة إلكترونية لإظهار رقم الملف المطلوب على شاشة في غرفة الملفات، ثم قد تبدأ في التفكير في استخدام الحاسوب لحفظ الملفات والاستغناء عن هذه الخطوة بكاملها.
المثال الثاني: كنت مسافرا في العمرة وعند وزن الحقائب في المطار وقفت مع أسرتي في الطابور، ثم فوجئت ببعض الأفراد الذين أتوا معنا على نفس الرحلة يطلبون من الانضمام للوزن الجماعي للرحلة لكي يستفيد الجميع من فروق الأوزان فهذا يحمل وزنا زائدا وهذا يحمل وزنا أقل من المسموح به. لم أكن بحاجة لذلك ولكنني وافقت وانضممت إليهم. وبدأ شخص ما من أفراد الرحلة يقوم بتجميع جوازات السفر ثم بدأنا نتجه بحقائبنا للميزان، ولك أن تتخيل عشرات الأفراد يحاولون أن يزنون حقائبهم في نفس الوقت بصورة جماعية، ثم بعد ذلك بدأت رحلة إعادة الجوازات لنا والتي كانت عملية مرهقة لمن ينادي على أفراد البعثة وعلينا نحن لأننا وقفنا مدة طويلة حتى استلمنا جوازات سفرنا. لم يتوقف الأمر على هذا الحد بل كانت هناك مشكلة أكبر وهي أن الوزن يصاحبه تخصيص مقاعد الطائرة ونظرا لأنه كان من الصعب المحافظة على ترتيب الجوازات ومعرفة من يجب أن يجلس بجوار من فإن الأمر أصبح فوضى عند الصعود للطائرة فالزوجة تجلس بعيدة عن زوجها ولك أن تتخيل صعوبة إصلاح هذا الأمر في الطائرة.
هذا مثال آخر يبين عيوب الخدمة بالدفعة. الأمر الطبيعي في المطار أن هذه الخدمة تتم لكل عميل على حدة أو لكل عائلة على حدة ولا يحدث اختلاط المقاعد ولا الانتظار لفترة طويلة للقيام بوزن حقائب عشرات الأفراد.
المثال الثالث: عندما تذهب لمطعم لتناول وجبة غذائية فإنك تنتظر بعض الوقت حتى تبدأ فعلا في تناول الطعام، لماذا؟ لان إعداد الطعام يستغرق وقتا، لا. إن وقت الانتظار يزيد عن وقت إعداد الطعام، لماذا؟ لان الشخص الذي يأتيك ويسألك عن ما تريد لا يقوم بنقل المعلومة على الفور للشخص الذي يعد الطلبات، لماذا؟ لأنه يقوم بتجميع الطلبات من عدة زوار ثم يعود للمطبخ فيُسلمِّ تلك الأوراق ومن ثمَ َّيبدأ العاملون في المطبخ في التعامل معها. وعند إحضار الطعام كذلك فإن هذا الشخص لن يأتيك بفنجان القهوة وحده بل يقوم بتجميع طلبات كثيرة ثم يقوم بتوزيعها. أي أن وقت الانتظار يزيد كثيرا عن وقت إعداد الطعام.
الخدمة ذات العميل الواحد لا تجعلني أنتظر سوى وقت إعداد الطعام. كيف يتم ذلك؟ على سبيل المثال فإن الشخص الذي يسجل الطلبات قد يقوم بنقلها على الفور للمطبخ دون أن يبرح مكانه من خلال ميكروفون صغير ينقل به الطلبات للمطبخ وهو واقف أمامك، الحل الأكثر تطورا أن يحمل هذا الشخص جهاز حاسوب صغير متصل لاسلكيا بحاسوب آخر في المطبخ بحيث عندما يسجل طلبك على هذا الحاسوب تنتقل تلك المعلومة للجهاز الآخر في المطبخ، الحل الآخر أن يكون هذا الموظف في مكان ثابت بجوار المطبخ وتذهب أنت لتخبره بطلبك. أما تسليم الطلبات فأحد حلوله أن تقوم باستلام طلبك بنفسك أو أن يكون هناك وسيلة نقل سهلة مثل عربة متحركة يدويا بحيث يكون من السهل على الشخص الذي يحضر الطعام أن يذهب ويجيء عدة مرات، والأمر المهم أن يكون المطبخ في مكان متوسط بحيث لا تكون هناك مناطق بعيدة جدا عن المطبخ بحيث يستغرق الذهاب والعودة منها وقتا طويلا. وأقرب مثال للخدمة ذات العميل والحد عملية شراء الطعام من خلال ما يسمى بـ Drive Through حيث تدخل بالسيارة أمام المطعم فتطلب ما تريد ثم تمر لشباك آخر لتدفع ثم تمر لشباك آخر لتستلم الطعام ثم تنصرف.