الخدمات تشكل جزء كبيرا من الأعمال فهناك الكثير من الأنشطة الخدمية مثل الفنادق وتجار التجزئة والمطاعم والمستشفيات والمراكز الرياضية والاستشارات وغيرها. والخدمات تشكل جزءا من المؤسسات التصنيعية -أي التي تنتج منتجات- ففي أي مؤسسة يكون هناك إدارات خدمية. فلا تخلو مؤسسة من إدارات تقدم خدمة للعاملين أو لإدارات أخرى. فالخدمات إما أن تكون هي النشاط الأساسي أو أن تكون نشاطا داخليا لمؤسسة غير خدمية. ومع ذلك فالخدمات تعاني من قصور كبير في كثير من مؤسساتنا
.صعوبة قياس جودة الخدمة:
عندما تبيع منتجا ثم تجد منتجا آخر أعلى منه جودة فربما كان من السهل أن تدرك ذلك ومن ثَمّ تبدأ في تحسين منتجك. فالأمر هنا هو أمر محسوس وملموس. أما في الخدمات فإنك كمقدم لخدمة قد لا تستطيع الوصول بسهولة لمميزات شركة أخرى تقدم نفس الخدمة. فالأمر هنا يدخل فيه جوانب نفسية وأمور قد تبدو لك غير مهمة. لذلك فإن تحديد العوامل التي ترضي العملاء تكون أصعب من تحديدها في حالة شركات التصنيع.هناك مشاكل كثيرة تعاني منها إدارة الخدمات. فمثلا هناك تصور لدى بعض المديرين أنه يعرف تماما ما يريده العميل. وهذه مشكلة كبيرة فهو لا يعرف ولا يدري أنه لا يعرف. وينتج عن ذلك بذل مجهود واستثمارات في أمور قد لا تكون موافقة لما يتمناه العميل. فمثلا قد يتصور مقدم الخدمة أن العميل يفضل وجود تنوع في السلع المعروضة في السوق التجاري وربما كانت مشكلة العميل هي طول الطابور أو سوء المعاملة.
وفي مؤسساتنا تلاحظ أحيانا أن الموظف مقدم الخدمة يهتم جدا بأن يوصل إليك رسالة مُفادها “أنا لست أقل منك” وهذا أمر عجيب. وأحيانا تجد أن مقدم الخدمة يتعالى على العملاء وكأن الواجب عليهم هم أن يرضوا هذا الموظف لكي ينجحوا في اختبارات قياس رضا الموظف عن العميل. فالعملية هنا مقلوبة ومشوشة.من الأمور التي تدهشك في البلاد المتقدمة أن الموظف الذي يقدم لك الخدمة قد يكون شكله غير مقبول وقد تكون تصرفاته في حياته الخاصة غير مقبولة ولكنه في العمل يقدم لك الخدمة بنفس المستوى الذي تجده من موظف آخر. السبب في ذلك هو أن هناك قياس لمستوى الخدمة وأن الموظف الذي لا يؤدي الخدمة بالأسلوب الذي يرضي العملاء فإنه قد يعاني من العقاب وربما الفصل من العمل.والأمر نفسه ينطبق على الخدمات الداخلية بل وأحيانا يكون الأمر أكثر مرارة. فتجد الموظف الذي يقدم خدمة لزملائه يتعامل معهم بتعال وكبرياء. وتجد الخدمة لا زمن لها أي أنها قد تتم في دقائق -إن كنت صديقا لمقدم الخدمة- وقد تتم في عدة أسابيع. وتجد أمرا يتم بتوقيع واحد مرة ويحتاج خمس توقيعات في مرة أخرى. ولا تجد أحدا يفكر في قياس سرعة الخدمة ولا جودة الخدمة.
الإهمال في قياس جودة الخدمات:
ومع كثرة وسائل الإعلانات التي يلجأ إليها مقدمي الخدمات فإنه من النادر أن يصلك استبيان يسألك عن رأيك في الخدمة وأقل ندرة من ذلك أن يستوقفك أحد لكي يجري معك مقابلة يستفهم بها عن رأيك في الخدمة. ولا أتصور أن يدعوني أحد لكي أبدي رأيي في خدمته التي يفكر في تقديمها في المستقبل. هل كل هذه المؤسسات تعلم الغيب؟ أليست متطلبات العميل غيبا بالنسبة لها؟ بل إنه في بعض الأحيان يكون العميل نفسه غير قادر على وصف ما يعجبه في هذا وما لا يعجبه في ذاك، فكيف يعلم ذلك مقدم الخدمة؟وعلاوة على ذلك فإن عملية قياس أي مؤشرات لجودة الخدمة هي عملية غير مهمة في نظر كثير من تلك المؤسسات. هل تتصور أن الطبيب الذي تجلس في عيادته ثلاث ساعات لتنتظر دورك -هل تتصور- أنه يقيس زمن الانتظار؟ هل رأيت أحدا يتابع طول الطابور في السوق التجاري أو البنك أو مكتب البريد؟ كم من الشركات تُقيِّم حسن معاملة الموظف للعميل؟ كم من الشركات تقيس جودة رد الموظف بالتليفون أو البريد الإلكتروني على العملاء؟إن عدم قياس جودة الخدمة وعدم معرفة متطلبات العملاء يؤدي إلى مشاكل عديدة. أولا: إن ذلك يجعل كل موظف يتصرف حسب طبيعته. فتجد الموظف المحترم يتعامل باحترام والموظف غير المحترم يتعامل بأسلوب غير لائق. ثانيا: لا يتم تحسين الخدمة لأننا لم نعرف بوجود المشاكل أصلا. ثالثا: يؤدي عدم تحسن الخدمة إلى ذهاب العملاء لمنافس آخر. والمشكلة هنا أن البعض يتصور أن الحال سيظل كما هو ولن يظهر أي منافس أفضل وهذا شبه محال. فمن طبيعة الحياة أن يتطور المنافسون وأن يظهر منافسون جدد. ولذلك فما لم نطور أنفسنا فسينتهي بنا الحال خارج المنافسة.قد تتصور أن حجم المبيعات أو الإيرادات هي مقياس جودة الخدمة وهذا غير صحيح. فقد تقل الإيرادات لظروف خارجية مثل الأزمات المالية التي تؤثر على دخل الأفراد. وقد تزيد الإيرادات نتيجة وجود ارتفاع في الأسعار. وقد تظل الإيرادات عالية لسنين مع سوء الخدمة نتيجة عدم ظهور منافس أفضل. ولكن قياس جودة الخدمة تعني قياس وقت الخدمة، قياس عدد الشكاوى، قياس طول الطوابير، قياس التفاوت في سرعة الخدمة، قياس التغير في مستوى المواد المقدمة (طعام، منتجات، أدوية، ..)، قياس رضا العملاء بصفة عامة وبالتحديد عن المعاملة، عن سرعة الاستجابة، عن الراحة في مكان الانتظار وعن الخدمات والراحة في مكان تقديم الخدمة.
استخدام الاستبيانات لاستطلاع آراء العملاء:
بعض المديرين لا يتقبل فكرة الاستبيانات ويقول لك: وما يدريك أن العملاء سيجيبون وما يدريك أنهم سيجيبون بجدية وما يدريك أنهم يقولون الحقيقة، إنهم سيذكرون أمورا تافهة. كل هذا كلام لا وزن له. فمن الطبيعي أن بعضا منهم سيجيب وبعضا منهم لن يجيب وعلينا أن نتمكن من الحصول على نسبة المشاركة التي نريدها. ومع الأسف فإن بعض المديرين لا يتفهم فكرة العينات وأنها يمكن ان تعبر عن كل العملاء. أما الجدية في الإجابة فإنه من السهل التعرف عليها بوضع سؤال أو اثنين مكررين في نفس الاستبيان ولكن بأسلوب مختلف فلو أجاب العميل عن أحدهما بإجابة وأجاب عن السؤال الآخر بإجابة عكسية فإن إجابات هذا العميل يتم استبعادها بالكامل. ومن الطبيعي أن العملاء سيخبرون بالحقيقة فإنه ليس هناك ما يدعوهم للكذب. وإن ذكر العميل أمرا يبدو تافها فقد يساعدنا هذا على تطوير أنفسنا وفي النهاية فإنه من الممكن أن نهمل أي كلام لا وزن له.منذ فترة قريب قمت بإعداد استبيان لقياس أداء إدارة خدمية من منظور عملائها (إدارة أخرى داخل نفس المؤسسة). وقبل البدء في توزيع الاستبيان أظهر مدير الإدارة الخدمية تخوفه من أن العملاء (موظفو الإدارة الأخرى) سوف يتحاملون عليهم وقد يكتبون ما يخجل منه وما يضعه في حرج. وبالتالي لم يتم توزيع الاستبيان. هذه التخوفات لا سبب لها فلو فرض وكتب أحد الموظفين هجوما شخصيا أو غير لائق فإن إجابته ستهمل. كما وأن الشعور بأن الناس مهملين وأن الناس خائنين وأن الناس عدوانيين هي أفكار بالية لا تُمَكن مجتمعا من التقدم.
آراء العملاء هي ثروة ثمينة:
وإنني أتعجب حين أتطوع لإبداء رأيي في الخدمة فأجد مقدم الخدمة يُقنعني بأن وجهة نظري خاطئة أو أنني لا أفهم الموضوع. الطبيعي هو أن نلح على العملاء ونشجعهم ونسألهم بمنتهى اللطف لكي يعطونا آراءهم فآراؤهم ثروة. نعم ثروة ثمينة. هل جربت أن تشتري هدية لابنك أو لزوجتك ثم لا تعجبهم. ألم تكن معرفتك بما يفضلونه هو أمر له قيمة؟ ثم دعني أسألك كيف حدث هذا وأنت رب الأسرة وتعرف كل شيء عنهم؟ إنك مع كل ذلك لم تعرف الهدية التي يتمنونها الآن. كذلك العملاء. أنت تريد أن تبهرهم بخدمات يحتاجونها ويسعدون بها وأنت لا تعرف ماذا يريدون الآن. ولماذا نقول “الآن”؟ لأن اللعبة التي يحبها ابنك اليوم هي ليست اللعبة التي تستهويه بعد ستة أشهر. والعملاء كذلك قد يستهويهم أسلوب ما للخدمة اليوم ثم يسأمونه بعد عام.
فالشركات الناجحة تسعى وراء آراء العملاء ويهتمون جدا بالشكاوى لأنها تنقل بعض مشاكل العملاء. وهناك إحصائية تقول إن 4% فقط من العملاء غير الراضين عن الخدمة ينقلون ضيقهم هذا للمؤسسة مقدمة الخدمة. معنى ذلك أن 96% من العملاء غير الراضين لن يخبروك بذلك وستكون لديهم مشاكل قد تجعلهم لا يأتون إليك مرة أخرى. والإحصائية تقول كذلك أن كل عميل غير راض سوف يخبر من 10 إلى 20 شخصا. هل تتخيل حجم الضرر؟
كيف ستعرف ما يضايق 96% من العملاء غير الراضين عن الخدمة؟ كيف تجعلهم يأتون إليك مرة أخرى؟ كيف تجعلهم لا ينقلون صورة سيئة عن مؤسستك؟ إنك ما لم تسع سعيا حثيثا لتجعل العميل غير الراضي عن الخدمة يخبرك بمشكلته فإن العميل سيتركك ويسيء لسمعة مؤسستك. بل وإن المشكلة ستستمر وستضايق عملاء آخرين ثم يتركونك. كل هذا وأنت لا تشك في أنك تعرف ما يريده العملاء.
ولذلك فأنا لا أرى الاكتفاء بترك صندوق للشكاوى أو ترك استبيان قصير في مكان الخدمة. ولكنني أرى السعي الحثيث وراء العميل لكي يعطينا رأيه. فمثلا يمكنك أن تكلمه وجها لوجه بعد انتهاء الخدمة وتسأل عن أي أمور لم تعجبه. يمكنك أن تتصل بالعميل تليفونيا لكي تسأله عن مستوى الخدمة، يمكنك أن تفتح له قنوات للشكوى أفضل من صندوق الاقتراحات فهناك بريد إلكتروني وهناك تليفونات وهناك خدمة عملاء وهكذا. أظهر للعميل أنك تريده أن يشتكي إن لم يعجبه أي شيء. أظهر له أنك جاد جدا وحريص جدا على أن تحصل على رأيه في الخدمة. لا تجلس في مكتبك وتقول أن العملاء لم يظهروا تذمرهم من الخدمة البائسة التي تقدمها ولكن تواجد في مكان تقديم الخدمة لتسمع تعليقاتهم ولكي تطلب منهم رأيهم. إن مسئولية الحصول على آراء العملاء هي مسئوليتك وليست مسئولية العميل.
قياس جودة الخدمات الداخلية:
وإن كنت مديرا لمؤسسة تصنيعية (إنتاجية) فكيف ستعرف أن القسم الخدمي مثل أنظمة المعلومات أو التوظيف أو شئون الموظفين يؤدي الخدمة للموظفين الآخرين بشكل يرضيك. إن أحد الموظفين سيأتيك ليشكو فيرد عليه مدير ذلك القسم الخدمي ولا تستطيع أنت أن تعرف الحقيقة. وفي أحسن تقدير سيقول لك ذلك المدير أنه سيحل مشكلة ذلك الموظف. ولكن المشكلة قد تكون أكبر من ذلك فقد تكون الخدمة سيئة فعلا. وإن كانت تلك الإحصائية تقول إن 4% من العملاء غير الراضين عن الخدمة يشتكون فإن الأمر في حالة العملاء الداخليين قد يكون أقل لأن الشكوى هنا ستكون لمديرهم الكبير ولذلك تجد قلة من الموظفين تصل شكواهم لذلك المدير. فقياس جودة الخدمة الداخلية هو أمر مهم.إنك لو قمت باستطلاع رأي الموظفين في الخدمات التي تقدمها الإدارات المختلفة فستكتشف نقاط الضعف وتستطيع بعد ذلك تحسينها. ولو قمت بقياس جودة الخدمة ببعض المقاييس الكمية مثل زمن الخدمة ودقتها وعدد الأخطاء فستعرف الإدارات التي تؤدي خدمة جيدة. وهل قياس أداء الخدمات الداخلية أمر له تأثير على المؤسسة الإنتاجية؟ قد تتصور أن هذه الخدمات ليست جوهر عملنا وعلينا أن نركز على عملية التصنيع ولكن هل هذه الخدمات مؤثرة في عملية التصنيع أم لا؟ هل لو كانت عملية صرف المواد وقطع الغيار من مخزن المؤسسة بطيئا جدا، ألا يؤثر ذلك على عملية التصنيع؟ هل لو كانت خدمة نظم المعلومات جيدة وسريعة، ألا يساعد ذلك على استخدام نظم المعلومات والحواسيب وبالتالي يساعد على سير العمل ونقل المعلومات؟ هل لو كان الموظف الذي يؤدي خدمات إدارية للعاملين يعاملهم بازدراء، ألا يؤثر ذلك على تحفيز العاملين وبالتالي يؤدي لمشاكل في العمل؟ إنها منظومة متكاملة وكل جزء يؤثر في الأجزاء الأخرى.إن قياس جودة الخامات هو ليس عملية حسابية وليس اختبار عملي ولكنه أمر أكثر صعوبة. ولكنها عملية مهمة جدا وممكنة وهي السبيل لتحسين الخدمات التي هي إما نشاط المؤسسة الأساسي أو نشاطها الداخلي.