الصيانة الذاتية Autonomous Maintenance- وهي أحد عناصر الصيانة الإنتاجية الشاملة – تعني قيام المشغلين ببعض أعمال الصيانة البسيطة للمعدات. فكرة الصيانة الذاتية تحاكي ما يقوم به الإنسان عادة من اعتناءٍ بنفسه وبالأجهزةِ التي يستخدمها ثم الاستعانة بالمتخصصين عند الحاجة. فالإنسان لا يطلب من الطبيب أن يأتي لفحصه كل أسبوع وإنما هو يلاحظ جسمه وأي تغير غير طبيعي مثل شعوره بالإجهاد أو ارتفاع درجة حرارته، وإن حدث شيء غير طبيعي فإنه يحاول معالجته طالما كان بسيطا مثل أن يشعر بصداع نتيجة لقلة النوم، ثم يلجأ إلى الطبيب إن احتاج الأمر. كذلك فإن أي شخص يعتني ببيته وإن وجد مسمارا في المنضدة أو الكرسي يحتاج إعادة ربط فإنه يربطه بنفسه حتى تظل المنضدة أو الكرسي بحالة جيدة، وإن وجد مصباح في المطبخ يحتاج تغيير فإنه يغيره بنفسه. لماذا لا يستدعي النجار أو الكهربائي للقيام بذلك؟ لأن ذلك مضيعة للوقت فالأمر يسير. وما ذا لو استدعيته؟ قد يأتيك بعد يوم أو بضعة أيام. ما الذي يحدث إن لم تقم بإعادة تثبيت المسمار فورا؟ سوف تجد أن الكرسي أو المنضدة بدءا يفقدان التماسك وقد يبدأ حدوث كسر في أرجل المنضدة أو الكرسي وينتهي الأمر بأن تحتاج تغيير المنضدة أو الكرسي. هذا ما لا نريد حدوثه في الصيانة الإنتاجية الشاملة.
فوائد الصيانة الذاتية
الصيانة الذاتية تحقق فوائد عديدة منها:
أ- يتولد لدى المشغل إحساس بالمسئولية تجاه الحفاظ على المعدة في حالة جيدة وهذا يختلف عن الأنظمة التقليدية التي تجعل القائمين بالصيانة هم وحدهم المسئولين عن توقف المعدة أو عن حدوث أي خلل.
ب- سرعة التدخل عن طريق المشغلين لحل المشاكل البسيطة قبل تفاقمها. كم من مشاكل كبيرة تحدث نتيجة لأن مسمار أو صامولة كان بحاجة لإعادة ربط أو أنه كانت هناك حاجة لإضافة زيت أو شحم؟ في الأنظمة التقليدية يكتفي المشغل بإبلاغ الصيانة التي قد لا تتمكن من الحضور على الفور وبالتالي تتسبب هذه المشكلة البسيطة في مشاكل أكبر.ت- سرعة تدخل الصيانة لحل المشاكل. نتيجة لقيام المشغل ببعض أعمال الصيانة البسيطة فإنه يكتشف العديد من العيوب وبالتالي يقوم بإبلاغ الصيانة التي تتدخل لحلها.ث- توفير وقت القائمين بالصيانة للأعمال التي تحتاج مهارات خاصة. كم من وقت يضيع لمجرد انتقال فني الصيانة إلى موقع ماكينة ليقوم بربط مسمار. ما الفائدة التي تعود على العمل من ذلك؟ لا شيء. هل ربط المسمار هو خبرة خاصة تحتاج لشخص متخصص؟ج- إلمام المشغل ببعض مبادئ الصيانة تساعده على اكتشاف الأعطال مبكرا والقدرة على حل بعضها والمشاركة في حل البعض الآخر. علاوة على ذلك فإن المشغل يكون على دراية بتأثير أسلوب التشغيل على المعدة وكيفية المحافظة عليها. فأحيانا قد يجد المشغل خللا في ماكينة ما ويستمر في تشغيلها ريثما يصل مسئول الصيانة وقد يكون هذا الخلل بحيث يتم تدمير أجزاء من المعدة نتيجة الاستمرار في تشغليها. أما إذا كان المشغل على إلمام بمكونات الماكينة وكيفية عملها فسيكون لدية القدرة على اتخاذ القرار السليم بإيقافها أو تشغيلها.د- ارتفاع الحالة المعنوية للعاملين نتيجة لتحسين بيئة العمل ونتيجة لمشاركتهم بفكرهم ومقترحاتهم في حل مشاكل العمل وتطويره.
تطبيق الصيانة الذاتية
الصيانة الذاتية يتم تطبيقها كجزء من برنامج الصيانة الإنتاجية الشاملة TPM والتي يفضل عدم تطبيقها على كل المعدات والمواقع مرة واحدة وإنما يتم اختيار موقع أو معدة لتكون نموذج لتطبيق الصيانة الإنتاجية الشاملة. هذا الأسلوب يجعل العاملين يرون فوائد تطبيق الصيانة الذاتية على هذا الموقع وبالتالي يكونون أكثر اقتناعا بها. كذلك يسبق تطبيق الصيانة الذاتية تدريب المشغلين على مهارات الصيانة الأساسية من تزييت وتشحيم وربط وإعادة ربط وفحص. ويتزامن هذا أيضا مع تدريب كل العاملين على مبادئ الصيانة الإنتاجية الشاملة وتشجيع التعاون بين الأقسام والإدارات المختلفة خاصة التشغيل والصيانة. وسوف أفرد موضوعا خاصا إن شاء الله لخطوات تطبيق الصيانة الإنتاجية الشاملة.
ما هي الأعمال التي يقوم بها المشغل؟
أ- نظافة المعدات Cleaning: المقصود بنظافة المعدة في الصيانة الإنتاجية الشاملة أن يقوم المشغل بنفسه بهذه النظافة يوميا. هذه النظافة تؤدي إلى بقاء المعدة نظيفة مما يساعد على اكتشاف العيوب مثل وجود تسريب أو شرخ أو خلافه. تصور أنك مسئول عن معدتين متماثلتين إحداهما نظيفة جدا والأخرى مغطاة بالأتربة وبآثار الشحم وآثار تسريب الزيت. افترض أنه حدث شرخ متماثل في المعدتين في آن واحد. هل ستكتشف المشكلة في المعدتين في نفس الوقت. بالطبع لا، فإنه يمكنك ملاحظة الشرخ في المعدة النظيفة بمجرد النظر، أما المعدة الأخرى فربما اكتشفت هذا الشرخ فيها بعد أن يؤدي إلى ظواهر أخرى مثل زيادة الاهتزاز أو كسر في جزء آخر أو زيادة الشرخ.هذه النظافة اليومية تساعد المشغل على اكتشاف العيوب أثناء التنظيف لأن المشغل سيقوم بلمس أجزاء المعدة ويكون قريبا منها جدا بشكل يمكنه من اكتشاف الكثير من الأشياء التي لا يكتشفها عند المرور بجوار المعدة وبالتالي فإن هذه النظافة هي عبارة عن فحص يومي للمعدة.
ب- الربط (إعادة الربط) Bolting: الربط الجيد لوسائل التثبيت من مسامير وصواميل هي أحد الأشياء التي تقلل كثيرا من أعطال المعدات، فوجود مسمار غير مربوط بشكل جيد يؤدي إلى حدوث مشاكل أخرى. فمثلا قد يؤدي وجود مسمار يحتاج إعادة ربط إلى تسريب زيت أو شحم والذي سيؤدي في النهاية إلى انهيار كراسي المحامل وبالتالي يحدث عطل كبير من حيث زمن وتكلفة الإصلاح. كذلك قد يؤدي وجود صامولة غير مربوطة جيدا إلى حدوث عدم استقامة بين الآلة والمحرك الكهربائي مما يؤدي إلى زيادة الاهتزازات وتآكل القارنة التي تنقل حركة المحرك إلى الآلة. لذلك فإن إعادة ربط أي شيء يحتاج إلى إعادة ربط يجب أن يتم بسرعة حتى نتلافى مشاكل أكبر. الصيانة الإنتاجية الشاملة تلقي بهذه المسئولية على المشغل لأنه يستطيع أن يقوم بهذا العمل بسرعة بدلا من إضاعة الوقت في الاتصال بقسم الصيانة وانتظار حضور أحد فنيي الصيانة وما إلى ذلك.
ت- التزييت والتشحيم Lubrication : لا يخفى على القارئ مدى أهمية وجود زيت أو شحم بالكمية والنوعية والجودة المناسبة للمعدة فانخفاض مستوى الزيت يؤدي بشكل مباشر إلى انهيار في كراسي المحامل وربما الأجزاء الدوارة. كما هي الحال في عمليات إعادة الربط فإن تدخل المشغل السريع لزيادة الزيت أو الشحم يحمي المعدات من مشاكل عديدة وعظيمة. في الأنظمة التقليدية يكتفي المشغل بإبلاغ قسم الصيانة بالحاجة لتزويد الزيت وتنتهي مسئوليته عند هذا الحد. أما في الصيانة الإنتاجية الشاملة فالمشغل يقوم بتزويد الزيت ومتابعة المعدة وتحليل سبب تناقص مستوى الزيت.
ث- الفحص الذاتي للمعدات: عادة ما يقوم المشغل بتشغيل المعدات ومتابعة قراءات بعض الأجهزة مثل أجهزة قياس شدة التيار وأجهزة قياس الضغط، ولكن الصيانة الإنتاجية الشاملة تطلب من المشغل القيام بفحص يومي على المعدة والتأكد من سلامة الأجزاء وعدم وجود أي تسريب أو أي شيئ يحتاج إعادة ربط وعدم وجود ارتفاع في درجات الحرارة وعدم وجود انسداد في مواسير الصرف (إن وجدت). هذا الفحص يجب ألا يكون مجرد عملية نظرية لا تؤخذ بجدية وكذلك الحال في جميع أنشطة الصيانة الإنتاجية الشاملة.بالإضافة للفحص اليومي فإن المشغل قد يقوم ببعض عمليات الفحص الدورية كل شهر أو شهرين أو اكثر للتأكد من عمل الصمامات بكفاءة وبعض أجهزة التحكم. لا حظ أن المشغل لا يقوم بعمليات الفحص التي تحتاج لفك المعدة إلى أجزاء وإنما يقوم بعمليات فحص خارجي.
ج- ترتيب ونظافة موقع العمل HouseKeeping: علاوة على نظافة المعدات فإن الصيانة الإنتاجية الشاملة تعنى بنظافة وترتيب موقع العمل بحيث يكون آمنا ونظيف. لذلك فإن المشغلين يقع عليهم عبء المحافظة على المواقع التي يعملون بها مرتبة ونظيفة وآمنة. لذلك فينبغي ألا توجد أشياء لا فائدة من وجودها أو وجود أشياء موضوعة في أماكن عشوائية أو في غير مكانها وهكذا. كثيرا ما توجد قطع غيار جديدة ومستعملة أو منتجات نصف مصنعة أو أدوات أو ملفات ملقاة بشكل غير مرتب في موقع العمل مما ينتج عنه صعوبة الحركة وقد يتسبب ذلك في حوادث، واستهلاك وقت في البحث عن قطع الغيار أو أدوات الصيانة المناسبة، واستهلاك جزء من مساحة الموقع لتخزين أشياء بالية لا فائدة منها. وقد نجد متعلقات شخصية أو بقايا مواسير أو أسلاك كهربية في منطقة المعدات. كذلك تعتني الصيانة الإنتاجية الشاملة بالمحافظة على جميع الأجهزة واللوحات والأدوات المساعدة بحالة جيدة مثل السلالم الموجودة في الموقع والإضاءة واللوحات الإرشادية والتحذيرية. قد يحتاج المشغل أن يطلب من غيره إصلاح هذه الأشياء أو إضافتها ولكنه هو المسئول على الحفاظ على الموقع آمن ومرتب. يمكننا القول أن الصيانة الإنتاجية الشاملة تحرص على بقاء الموقع في حالته المثلى عند إنشائه كما تهتم بالمحافظة على المعدة في حالتها المثلى عند تشغيلها.
ح- التحسين والتطوير المستمر: كجزء من أنشطة الصيانة الذاتية، يقوم المشغلون باستمرار بتحسين أداء المعدة وتقليل الوقت اللازم لعمليات التنظيف ومنع مصادر التلوث. فمثلا يقوم المشغلون بتحليل أسباب تراكم الأتربة والزيوت و أي مواد أخرى على المعدات وحوله وعلى أرضية الموقع، ثم يقومون بإزالة هذه الأسباب. فمثلا قد نجد ان الزيت يتراكم على المعدة نتيجة وجود تسريب، فنقوم بعلاج التسريب. قد نجد أن بعض المحابس يتساقط منها كميات بسيطة من سائل ما فنقوم بإصلاح هذه المحابس. قد نحتاج لتنظيف المجاري التي يتساقط فيها سوائل التبريد اللازمة لعمل معدة ما مثل الطلمبات (المضخات) أو أجهزة التكييف، وأحيانا لا يكون هناك مجاري أو مواسير لصرف هذا السائل فنقوم بتركيب مواسير أو عمل مجاري. قد نجد أن أبواب غرفة المعدات لا يتم غلقها أو يصعب غلقها أو لا يمكن غلقها فنقوم بغلقها أو تيسير عملية الغلق وبذلك نمنع دخول الأتربة لغرفة المعدات. بعض المعدات تكون عملية تنظيفها عسيرة حيث يصعب الوصول لبعض أجزائها. في هذه الحالة يقوم المشغلون بدراسة سبل تيسير الوصول إلى هذه الأجزاء عن طريق عمل سلم مثلا أو ممشى معدني. كذلك يقوم المشغلون بتحليل المشكلات التي يكتشفونها في المعدة واقتراح طرق حل هذه المشكلات والتي قد تشمل تطوير بعض أجزاء المعدة.جدير بالذكر أن المشغلين قد يستعينون بأقسام الصيانة أو الشئون الهندسية أو المشتريات لمساعدتهم في دراسة بعض هذه المشاكل وتنفيذ الحلول. عمليات التطوير هذه تحتاج وجود جو عمل يسوده التعاون وكذلك توفر أدوات تساعد على المناقشة والدراسة مثل وجود سبورة في موقع العمل ومكان للاجتماعات وأدوات كتابة وتصوير.
خ- إعداد طرق التنظيف والتزييت والفحص القياسية: لضمان قيام جميع المشغلين بعمليات النظافة والفحص بنفس الأسلوب فإنه يتم وضع خطوات قياسية لكل من هذه العمليات. هذه الخطوات القياسية يضعها المشغلون بأنفسهم حتى تكون ملائمة لطبيعة العمل وحتى يكونون مقتنعين بأهمية اتباعها.
تفاعل الصيانة الإنتاجية مع باقي ركائز الصيانة الإنتاجية الشاملة
الصيانة الذاتية هي جزء من منظومة الصيانة الإنتاجية الشاملة ولذلك فهي تتفاعل مع باقي الأجزاء. فالصيانة الذاتية تكتشف مشاكل في المعدات يتم حلها عن طريق أنشطة المجموعات الصغيرة. وقد يتم تغيير خطط الصيانة بناء على توصيات المشغلين طبقا لما يلاحظونه عند القيام بالصيانة الذاتية. أضف إلى ذلك أن الصيانة الذاتية تساهم في تقليل فواقد تشغيل المعدة.
عوائق تطبيق الصيانة الذاتية
الصيانة الذاتية أثبتت نجاحاً كبيراً في شركاتٍ عديدة ولكن تطبيقها قد يواجه بعوائق كبيرة. هذه العوائق لا تشمل عدم القدرة على تدريب المشغلين أو عدم قدرتهم على القيام بالصيانة الذاتية وإنما يكون العائق الأكبر هو الاعتياد على الفصل التام بين التشغيل والصيانة وبالتالي يعتبر قسم التشغيل أن هذا عبء جديد يضاف عليه ويعتبر قسم الصيانة أن المشغلين سيتدخلون في عمله ويكون لديهم القدرة على اكتشاف أخطائه. هذه العوائق يجب التغلب عليها حتى نتمكن من تطبيق الصيانة الذاتية بشكل حقيقي ومثمر. ينبغي توضيح فائدة الصيانة الذاتية وتأثيرها على نجاح المؤسسة، وينبغي تشجيع ثقافة العمل الجماعي وبناء الثقة بين الأقسام المختلفة.الصيانة الإنتاجية الشاملة تهدف إلى جعل المشغل فخورا ببقاء معدته في الخدمة والحفاظ عليها نظيفة والحفاظ على موقع العمل نظيف وآمن ومرتب. هذا الشعور وهذه الروح لا يمكن أن تنجح إن لم يكن هناك احترام للعاملين وثقة متبادلة بينهم وبين إدارة المؤسسة وإحساس بالاستقرار الوظيفي.