أصبح استخدام واتساب أحد مسببات الضيق لدي. ففي كل مرة أستخدمه أتذكر أن تواصلنا أصبح بيد شركة تستطيع أن تفعل ببياناتنا ما يحلو لها من تدقيق وتمحيص، ليساعدها على فهمنا بشكل أكبر، لتبيع لنا الإعلانات أو التنبؤ بالأمور التي تهمنا لأغراض عديدة.
ظهر واتساب مع الهواتف الذكية، ورغم أن شعبيته لم تكن فورية، إلا أن الناس بدأت تثق بالتطبيق مع مرور الوقت، فقد قدم لهم بديلًا أرخص من الرسائل القصيرة، ومع النزول العام لأسعار باقات الإنترنت أصبح من الممكن أن تستخدم واتساب بشكل يومي، دون أن تؤثر على فاتورة هاتفك. ولاحقًا حصلنا على باقات واتساب اللامحدودة، وأصبح بإمكانك استخدامه طوال الوقت دون أي قلق.
لا زلت أذكر أول مرة استخدمت فيها هاتفًا نقالًا (وليس ذكيًا) وأذكر أول نقال اشتريته وهو نوكيا 5210 الذي كان يقال أنه مضاد للماء، لكنني لم أجروء على تجربة هذا الشيء بنفسي.
اتسمت فترة النقال باستخدام الرسائل القصيرة بكثرة، فالكل كان يرسل النكات، والبعض كان يرسل التهنئات في كل مناسبة، وآخرون يرسلون مقالب بسيطة مثل تلك التي تطلب منك الاستمرار في قراءة الرسالة، لتكتشف في النهاية أنها نكتة سامجة، وهي عادة مستمرة حتى اليوم والحمدلله.
في تلك الأيام لم نكن نغرق في التنبيهات بتلك الكثيرة، فالرسائل كانت محسوبة لأنها ليست مجانية، لذلك تجدنا نقفز في كل مرة تصلنا رسالة قصيرة، فمن هذا الذي سيدفع من جيبه ليراسلك، نعم أنت…لا بد أنه شيء مهم؟! للأسف جاء واتساب وأصدقاءه وقضوا على ذلك الإحساس، وأصبحنا نحس بالهم في كل مرة تصلنا فيها رسالة، لأننا ندرك أن كثيرًا منها لا قيمة له.
كي لا أغرقكم في الماضي كثيرًا دعوني أركز حديثي عن خدمة الرسائل القصيرة.
تعتبر الرسائل القصيرة (SMS) جزءًا من بروتوكول الاتصال بين الهواتف وشبكات النقال، وهي تسمح لك بنقل الرسائل بين الشبكات المختلقة عن طريق شركات الاتصالات، والتي يكون لديها مزود الخدمة الذي يعمل على استقبال وبث هذه الرسائل.
كون الرسائل القصيرة جزء من معيار التواصل فذلك يجعلها أقرب للبريد الإلكتروني، بمعنى أنها لا تخضع لشركة ولا توجد نقطة تحكم مركزية، وتستطيع أي شركة اتصالات تشغيل هذه الخدمة وربطها مع بقية الشركات حول العالم.
يعيب النسخة القديمة من الرسائل القصيرة نقصها للكثير من المميزات التي نحتاجها هذه الأيام، من تبادل للوسائط المتعددة والسرعة في التسليم ودعم المحادثات الصوتية، وقد أدركت هيئة المعايير هذه العيوب، وعملت على تحديث مواصفات الرسائل القصيرة.
أطلقت في 2008 نسخة جديدة من الرسائل القصيرة والتي سميت RCS وهو برتوكول رسائل قصيرة مُحدَث يحتوي على مميزات توجد ببرامج المحادثة، ولأنه معيار قياسي فإن تطبيقه سيكون سهلًا على شركات الاتصالات، وهو يقلل من قدرة شركة واحدة على إدارة كل شيء، كما هو الحال في واتساب.
قد تفاجئ أن RCS متوفر في بعض البلدان منذ 2012، كما أن جوجل قامت بدعم البروتوكول ضمن النسخ الجديدة من أندرويد، وتعمل على توفير مزوداتها الخاصة في كل من المملكة المتحدة وفرنسا لدعمه مع خطط للتوسع لبقية دول العالم لاحقاً.
لكن المؤسف هو دعم شركات الاتصالات حول العالم. فهو يسير ببطئ شديد، وقد يكون للتحديثات المستمرة والنسخ المختلفة من هذا البروتوكول في بداية تطويره يد في ذلك، لكن يبدو أن أحدث نسخة من RCS والتي تحمل اسم Universal Profile وصلت إلى النضج الكافي لجعل تطبيقه أسهل على جميع.
يعيب المهتمون بالخصوصية أن RCS لا يدعم التشفير من البداية إلى النهاية (end-to-end) ، ويبرر مطورو البروتوكول أن خدمة RCS جزء من شبكات الهاتف النقال التي تعمل داخل الحدود الجغرافية للدُول، ولذلك يجب أن تخضع لقوانينها، وذلك يعني فك تشفير الرسائل من قبل شركات الاتصالات في حالة تم طلب ذلك بشكل رسمي.
تستفيد تطبيقات التراسل الفوري من نقطة التشفير كثيراً وسوف تراها تستخدم بكثرة للترويج لقوة تطبيقاتها التي “تحمي خصوصيتك” مقابل شركات الاتصالات التي ستتنصت عليك.
هذه حجة قابلة للنقاش، فالكثير من هذه الشركات تعمل بنظام الصندوق الأسود، وذلك يعني أننا لا نعرف فعلًا مالذي يدور داخل شبكتها وكيف يتم نقل بياناتنا بشكل مشفر، وكيف يتم حفظها فهذه الشركات لا تسمح لك بالإطلاع على الشفرة ولا تسمح لأحد بمراجعته، ولعل تطبيق Signal هو التطبيق الوحيد الذي تم مراجعة شفرته من قبل جهات خارجية للتأكد من أمانه.
تركت شركات الاتصالات عالم التراسل يخرج من يدها إلى يد شركات التقنية، وأصبح تواصلنا يمر من خلال شركات تعتبر البيانات مصدر دخلها الأهم، وهو ما يتعارض مع فكرة التشفير وأنهم لا يطلعون على بياناتك.
تستطيع شركات الاتصالات أن تضيف بنود إضافية في سياسة الخصوصية، بحيث تؤكد أنها لا تطلع على بيانات المستخدمين، على غرار بقية الشركات الأخرى، وذلك لطمأنة المستخدمين.
من الأفضل على شركات الاتصالات البدء في دعم بروتوكولات الرسائل والاتصال الجديدة وإلا ستصبح حُزم الإنترنت هي المنتج الوحيد الذي يبيعونه خلال بضع سنوات.