التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم اليوم و ما صاحبه من تطور الصناعات أفرز الكثير من الأخطار التي ينبغي على الإنسان معرفتها و أخذ الحذر و الحيطة من الوقوع في مسبباتها و ليس هناك من يتمنى أن يصاب بحادث يفقده بما من الله عليه من صحة و عافية و سلامة أعضائه فقد يصاب بسبب قلة الاهتمام أو الإهمال و لو لحظات قليلة هي كافية لجعله يتألم لفترات طويلة قد تصل على سنوات ، و السلامة مسؤولية كل فرد في موقع عمله و مرتبطة بعلاقته مع من حوله كالأشخاص و الآلات و الأدوات و المواد و طرق التشغيل و غيرها. فالسلامة مجموعة من الإجراءات التي تؤدي إلى توفير الحماية المهنية للعاملين و الحد من خطر المعدات و الآلات على العمال و المنشاة و محاولة منع وقوع الحوادث أو التقليل من حدوثها و توفير الجو المهني السليم الذي يساعد العمال على العمل. وهدفها إنتاج من دون حوادث و إصابات و قد أصبحت السلامة المهنية أنظمة و قوانين يجب على العاملين معرفتها كما يجب على الإدارة تطبيقها .
و بسبب الانتشار الواسع و المتزايد لظاهرة حوادث العمل خاصة في الوسط الصناعي و ارتفاع تكاليفه الإنسانية و المادية أصبحت هذه المشكلة محل اهتمام العديد من الباحثين بهدف فهمها و تحديد مفهومها و أسبابها الحقيقية الأصلية التي تساهم و تسبب تكرارها و ارتفاع معدلها في المؤسسة الصناعية بصفة خاصة ، و نظرا للأضرار التي تلحقها حوادث العمل بعناصر الإنتاج المادية و البشرية و تأثيراتها على الكفاية الإنتاجية ، و للحد من هذه الظاهرة تم وضع برامج للوقاية من حوادث العمل و هي نوعان مادية و إنسانية . و البرامج الإنسانية هي محل دراستنا و اهتمامنا .
و هي تهدف إلى حماية العنصر البشري من حوادث العمل و أخطاره التي يمكن أن يتعرض لها . و التساؤل المطروح هنا : فيما تتمثل البرامج الإنسانية و مدى أهميتها في مجال الوقاية من الحوادث ؟
و من خلال ما سبق نتجت لدينا تساؤلات تطرح نفسها :
- إلى ماذا يهدف نظام الوقاية ؟
- ماهي البرامج الإنسانية المتبعة في مؤسسة سونلغاز– ميلة – و ما هو دورها في الوقاية من حوادث العمل ؟
و قد تم اختيارنا لهذا الموضوع للأسباب التالية :
- دور برامج الوقاية الإنسانية في المحافظة على عناصر الإنتاج في المؤسسة .
- أهمية سلامة العنصر البشري داخل المؤسسة باعتباره الوسيلة و المصدر الأساسي لزيادة الكفاية الإنتاجية .
- يمكن حصر الأهمية النسبية لهذا البحث الذي سنركز فيه على شركة توزيع الكهرباء و الغاز للشرق حيث يعتبر موضوع برامج الوقاية الإنسانية على مستوى الشركة بشكل عام من المواضيع التي شهدت اهتماما متزايدا و ذلك لدوره في معالجة سلوكات الأفراد و تصرفاتهم الغير مأمونة التي يعمل وجودها على وقوع الحوادث و تكرارها .
- أما الهدف المرجو من هذه الدراسة هو محاولة إبراز أهمية برامج الوقاية الإنسانية في التقليل من حوادث العمل مركزين على شركة توزيع الكهرباء و الغاز للشرق كنموذج للدراسة من خلال :
· التعرف على برامج الوقاية الإنسانية المعتمدة في الشركة كما هي في الواقع العملي و ربط ذلك بالإطار النظري للبحث .
· التعرف على الوسائل المعتمدة في نشر الوعي الوقائي في الشركة .
التعرف على نوعية الخدمات الاجتماعية و العلاقات الإنسانية الموجودة في الشركة و أثرها على الوقاية من حوادث العمل .
ومن أجل بلوغ هدف موضوع البحث اعتمدنا في هذه الدراسات المنهج الوصفي التحليلي و أسلوب دراسة حالة الذي يتلاءم مع طبيعة الدراسة .
قد تم الاعتماد على رسالة تخرج و انترنت في سبيل تغطية الجوانب النظرية لموضوع البحث و اعتمدنا أسلوب المقابلة و طرح الأسئلة على المسئولين المختصين في هذا المجال على مستوى المؤسسة .
- 1- 1- مفهوم نظام الوقاية :
يعتبر نظام الوقاية من حوادث العمل احد الأنظمة الفرعية للأمن الصناعي و الذي يعرف هذا الأخير على انه » توفير الإنتاج من مختلف الأخطار(1) « و أهم الأخطار التي يعمل الأمن الصناعي على حماية المؤسسة منها هى:الحرائق،الأمراض،المهني ،حوادث العمل ، كما تعرف حوادث العمل على أنها كل حادثة غير متوقعة،تقع أثناء العمل أو بسببه أو متصلة به نتيجة عوامل مادية أو إنسانية و التي تلحق إصابة بالعامل أو ضررا بالآلات و المعدات أو تلفا للمواد والمنتجات الأمر الذي يؤثر سلبا على قدرتها و كفايتها الإنتاجية(3) و أهم التعريفات المقدمة لنظام الوقاية نجد ما يلى:
» هو حماية مقومات الإنتاج البشرية و المادية من خلال توفير الوسائل التي تكفل منع الحوادث التي تنجم عنها إصابات في القوى العاملة أو خسائر في المنشأة و الأجهزة و الآلات «
» هو توفير ما يلزم من الشروط و المواصفات الفنية والإجراءات التنظيمية في بيئة العمل لجعلها مأمونة و صحية ، حتى لا تقع فيها حوادث وإصابات مهنية وذلك بقصد حماية مقومات الإنتاج المادية و البشرية « (4)
(1) سملالي يحضية ، دراسة أثر حوادث العمل على الوقاية الانتاجية و فاعلية نظام الوقاية في المؤسسة الصناعية ، رسالة ماجيستير علوم التسيير ، معهد الاقتصاد ، جامعة الجزائر ، 1994-1995 ، ص 46
(2) نفس المرجع السابق ، ص 47
(3) نفس الرجع السابق ، ص 48
(4) نفس الرجع السابق ، ص 48
و التعريف الأشمل : ذلك النظام الذي يضم مجموعة الأسس الإنسانية و المادية و المواصفات الفنية و الإجراءات التنظيمية التي تهدف إلى وقاية عناصر الإنتاج البشرية و المادية و حمايتها من أخطار حوادث العمل وذلك بمنعها أو التقليل منها بغية تخفيض تكاليفها و الرفع من الكفاية الإنتاجية لعناصر الإنتاج
2- 1- 2- أهداف نظام الوقاية :
يعمل نظام الوقاية من حوادث العمل على تحقيق الأهداف التالية : (2)
أ- حماية العنصر الإنساني : إن نظام الوقاية يهدف بدرجة أولى توفير مجموعة الشروط و الوسائل الواجب توفيرها في الأسس الملائمة لصحته و راحته جسميا و نفسيا و اجتماعيا و هذا هو مجال الوقاية .
ب- حماية عناصر الإنتاج المادية : أي حماية و صيانة عناصر الإنتاج المادية من آلات و تجهيزات و معدات و مرافق و مباني و منتوجات من التلف و الضرر و الضياع الذي يمكن أن يخلق لها جراء حوادث العمل الأمر الذي يدعو إلى ضرورة توفيرها نظام وقائي فعال و مكافئ يضمن حمايتها و صيانتها باستمرار .
2- 1- 3- دوافع الاهتمام بنظام الوقاية :
تدعو الحاجة إلى الاهتمام بالوقاية من الحوادث نظرا للاعتبارات التالية :
أ- الاعتبار الإنساني : يعتبر العامل الإنساني أهم سبب يدعو إلى ضرورة العمل على ترقية مستوى الوقاية في المواقع الإنتاجية نظرا للإصابات* الخطيرة و المتكررة التي تلحق بالعامل و بالتالي تسببت آلاما و معاناة إنسانية و آثار بدنية و نفسية و اجتماعية .
(1) مرجع سبق ذكره ، 49
(2) مرجع سبق ذكره ، ص49
(3) مرجع سبق ذكره ، ص : 50،51
ب- الاعتبار المادي : يتمثل الهدف المادي للوقاية في تخفيض تكاليف الإنتاج بمقدار التكاليف المباشرة و غير ا لمباشرة للحوادث هذه التكاليف التي تعتبر عبئا ماليا و اهتلاكا غير عادي لأصول الإنتاج .
بالإضافة إلى :
· تخفيض معدل دوران العمل ذلك أن وجود بيئة عمل مناسبة و مأمونة يرفع من الروح المعنوية للعمال و يزيد رضاهم عن العمل و يقوي ارتباطهم بالمؤسسة .
و يزيد سعيهم لتحقيق أهدافها بكفاءة عالية .
· تخفيض معدل التغيب و الناتج عن حوادث العمل
2-1 -4- برامج الوقاية الإنسانية :
2- 1- 4- 1- مفهوم برامج الوقاية الإنسانية :
هي مجموعة الإجراءات و الأساليب المتبعة في المؤسسات و التي تعد مكافأة و معالجة للحوادث الناتجة عن العوامل الإنسانية و التي تعتبر احد الأسباب المسؤولة بنسبة كبيرة عن حوادث العمل التي تقع في الوسط الإنتاجي .
2- 1- 4- 2- أنواع برامج الوقاية الإنسانية :
· الاختبار : تعتبر عملية الاختيار الجيد للعمال الخطوة الأولى و الأساسية للوقاية من حوادث العمل و خاصة الناتجة عن عوامل إنسانية ذلك أن اختيار عامل لا تتوفر فيه المواصفات و القدرات التي تتطلبها الوظيفة يحول دون تكيفه معها و بالتالي تهدف إلى اختيار الشخص الذي يملك صفات جسدية و نفسية ضرورية لانجاز عمل معين ، بطريقة مرضية و منتجة .
أي هو البحث عن القدرات الضرورية لعمل محدد و معين ، وعملية الاختيار تتم عن طريق مراحل تتمثل في : استقبال طالبي العمل ، طلب الاستخدام ، المقابلة ، اختبارات ، الكشف الطبي و أخيرا القرار النهائي بالقبول أو الرفض(1)
· التدريب : يعد التدريب إحدى الوسائل الرئيسية لرفع الكفاية الإنتاجية و زيادة الفعالية باعتباره أداة لرفع مقدرة الأفراد على العمل و من ثم الرفع من إنتاجيتهم
· و يعرف التدريب على انه : الإجراء المنظم الذي يستطيع من خلاله الأفراد اكتساب مهارة آو معرفة جديدة تساعدهم على تحقيق أهداف محددة .(2)
· تدعو الحاجة إلى التدريب في مجال الوقاية في الحالات التالية : (3)
- حالة إدخال عمال جدد
- حالة إدخال آلات جديدة
- حالة نقص التدريب
- حالة تغير منصب العمل
- حالة تغيير طريقة الإنتاج
ــــــــــــــــــــ
(1)نفس المرجع السابق،58،59
(2) نفس المرجع السابق،ص61
(3) نفس المرجع السابق،ص64
التدريب نوعان : تدريب بغرض تنمية المهارة و هو موجه لفئتين لفئة الإداريين و لفئة العمال من اجل رفع الأداء و زيادة الإنتاجية أما الأخر فهو التدريب في مجال الوقاية من الحوادث إذ يعتبر من أهم العوامل التي تعمل على تقليل حوادث العمل و منع تكرارها و هو موجه لفئة العمال .
· الإعلام : يؤدي الإعلام دورا هاما في تنمية و نشر الوعي الوقائي لدى العاملين من خلال إيجاد بيئة صحيحة في مجال الإعلام من المخاطر و يعرف الإعلام على انه وسيلة اتصال لنقل أمر أو معلومة من طرف إلى آخر . (1)
و تتمثل الوسائل الإعلامية في : (2)
- الإعلانات و الملصقات التي تعتبر وسيلة هامة تساعد على نشر الوعي الوقائي لدى العاملين و نجد منها الإعلان الايجابي و الإعلان السلبي .
- لوحة الإعلانات التي تساعد على التوجيه و الإعلام بالوقاية .
- الأفلام ووسائل الإيضاح المرئية ، المحاضرات و الأيام الدراسية.
- الحملات الإعلانية .
- المطبوعات و المقالات .
· طب العمل : يعتبر طب العمل احد المقومات الإنسانية لنظام الوقاية في المؤسسة ذلك انه يهدف بدرجة أولى إلى وقاية العمال من حوادث العمل و الأمراض المهنية،و يعرف طب العمل على انه الطب الذي يهتم بالعامل الأجير أو الموظف في مكان عمله و يشمل الناحية الصحية،العملية،الإنتاجية، و خصوصا الوقاية منها(3) ،و من مهام طبيب العمل: (4)
- القيام بإجراء الفحوص المختلفة للعمال سواء بعد الإصابة أو قبلها و خاصة العمال الجدد
(1)تعريف اجرائى
(2)سملالى يحضية:مرجع سبق ذكره،ص ص:66-68 http://www.lebarmy.gov.lb (4)
(3) نفس المرجع السابق ،ص 69
- القيام بمراقبة ظروف العمل و السعي لمعرفة مختلف العوامل المسببة للحوادث و الأمراض المهنية
- القيام بدور المستشار الفني للإدارة لكل ما يتعلق بصحة الأجراء.
· الخدمات الاجتماعية: و هي كذلك إحدى الوسائل التي تسمح للمؤسسة بتحقيق أهدافها و خاصة المستوى المرتفع للكفاية الإنتاجية .
وتعرف الخدمة الاجتماعية بأنها المجهودات التي يؤديها الأخصائيون الاجتماعيون في المجالات العمالية بقصد زيادة تلاؤم العمال مع الأجواء والمسؤوليات لرفع كفاءة الإنتاج كما ونوعا عن طريق إشاعة العلاقات العمالية السليمة و إشباع الحاجات الإنسانية للعمال (1)
واهم الخدمات الاجتماعية التى يجب على المؤسسة الاهتمام بها: (2)
خدمة السكن : فتوفر السكن الصحي و الملائم من اهم الخدمات الاجتماعية التي تساهم في السلامة الصحية و النفسية للعامل .
خدمة التغذية : تتمثل في تقديم وجبات غذائية للعمال لما لها من اثار ايجابية على معنوياتهم و كفايتهم الانتاجية و قدرتهم على تحمل الظروف المختلفة .
خدمة النقل : تعد خدمة النقل ضرورية تعمل على علاج الكثير من الآثار السلبية المؤثرة على انتاجيتهم و التي تقلل من جهدهم ووقتهم .
العلاقات الانسانية : تعد العلاقات الانسانية الجيدة احدى دعائم الوقاية بالمؤسسة فهي تعمل على رفع معنويات العمال وآدائهم للعمل بكفاءة و امان و تعرف العلاقات الانسانية بانها :
"مجموع العلاقات الموجودة في المؤسسة سواء القائمة بين الرؤساء و المرؤوسين او بين العمال فيما بينهم"
و من اهم العوامل التي تساهم في تحسين هذه العلاقات : رفع الروح المعنوية للعمال و الاعتماد على نظام فعال للحوافز.
2-1 – 4- 3: اثر برامج الوقاية الانسانية للتقليل من حوادث العمل :
- وضع الرجل المناسب في المكان المناسب يساهم في التقليل من حوادث العمل الناتجة عن غياب المواصفات و القرارات التي تتطلبها الوظيفة .
- التدريب و سياسته للمحافظة على الموارد البشرية بصفة خاصة من خلال التقليل من الحوادث و تجنب التعرض للامراض المهنية و بالتالي فهو صمام امان يحيط بالعامل و يحميه من الحوادث في محيط العمل ، كما يهدف التدريب الى تلقين العامل المبادىء العامة المرتبطة باسباب و اخطار حوادث العمل و تدربه على الوسائل و الطرق الواجب اتباعها اثناء قيامها بعمله .
- يساعد الاعلام على نشر الوعي الوقائي لدى العاملين و ذلك بتقديم النصح و الارشاد و التوجيه عن طريق وسائل الاعلام المختلفة .
- يعمل طب العمل على تعيين العمال في مواقع العمل تتناسب و قدراتهم البدنية و النفسية اضافة الى تكييف العمل مع الفرد .
- تعمل الخدمات الاجتماعية التي توفرها المؤسسة على استقرار حالة العامل النفسية و تهيئتها للانتاج بفعالية و اتقان . الامر الذي يساهم في التقليل من حوادث العمل الناجمة عن هذا الجانب
- تهدف العلاقات العامة الى خلق و تهيئة جو مناسب من الثقة و الفهم و الاحترام المتبادل بين الادارة و الافراد فالعلاقة الحسنة بين العمال و المشرفين الذين يقدمون التوجيهات و يقومون بالمراقبة و يزودون العمال بالمعلومات اللازمة لآداء العمل تساهم بدرجة فعالة في تقليل الاخطار و العمل على منع تكرارها.