قلب آلاخر
انها احدى ليالى الشتاء البارده حيث المطر ينهمر بغزاره على زجاج النافذه وضوء المصباح الخافت يشق ظلام الغرفه بينما دقات الساعه ترتل دقات رتيبه ومتثاقله لتعلن انها الثانيه صباحا بعد منتصف الليل وفى احدى اركان الغرفه بالمستشفى كان يرقد الشاب " احمد"على سريره بجسد متهاو وانفاس متلاحقه وامه ترمقه بعين مرتعبه تراقص فيها الدمع علىمقلتيها وهى تنظر تاره له وتاره اخرى على ذلك الجهاز المعلق بالحجره حيث ينبعث برنين خافت بنبضات قلب ولدها ووحيدها وقلبها يخفق مع خفقان قلبه الضعيف كانما هى قيثاره دمع تعزف لحنا ينساب الما ويئسا وهو يتخافت ويضعف شيئا فشيئا وهى تبتهل الى الله لو يأخذ الله من عمرها ويمده الي قلبه المهزوم ...وفى الغرفه المقابله لهما وفى سكون كانت االشابه الجميله "صفاء" تتطلع فى رقه وعذوبه بنظرات حانيه يعتصرها الآلام ويملآها الحنين الى عينى حبيبها وزوجها الراقد امامها وهو يعانى من الالام مبرحه فى كل انحاء جسده نتيجه تصادم مروع حدث له اثناء عودته اليها بعد يوم عمل شاق وقد كانت تنظر الى عينيه الشبه غائبه عن الوعى وكانما هى تستحلفه ان يبقى من اجلها وهى تضم يده بين كفيها وبرغم شده الآلآمه كان قلبه يدق بقوه كأنما يصارع الموت .. يقهره .. يتشبث بالحياه وكانه يقول لها من خلال دقات قلبه الاهثه لا تخافى ياحبيبتى سوف احيا من اجلك ..سوف ابقى ..سوف اعود وعيناها ثابته على جهاز القلب المعلق امامهاوالخوف يحتويها ويلفها بعباءته الثقيله وبصيص من امل ينفذ اليها وهى تبتهل لله وتدعوا ... وتمر اللحظات الثقال حتى يشق جدار الصمت رنين جهاز القلب منبئا بالخطروتهرع الممرضات للغرفه وفى نفس الوقت يرتفع الرنين فى الغرفه المقابله معلنا عصيانه هو الاخر وتسود حاله من الاضطراب والفوضى وتسرع بعض الممرضات للغرفه المقابله فقد توقف قلب المريضين ويسارع الاطباء لغرفه العمليات وتضاء الاضواء الكاشفه وتغلق الابواب الحديديه الضخمه وتعج الغرفه بالالات والمعدات الطبيه وفريق الاطباء يصارعون الموت وهم فى حيره من امرهم هذا رجل يتهاوى قلبه من كثره اليأس والآخر يصارع الجروح والآلآم من اجل البقاء وتمر اللحظات وتفارق الحياه ذلك الزوج متأثرا بكثره جراحه ... بينما قلب الآخر يخبو ويخبو.. حتى قارب على التلاشى وفجأه .. قرر الاطباء أجراء جراحه عاجله بنقل قلب للمتوفى حديثا لذلك الآخر الذى كان يعانى من قلب مريض منذ ولادته وقد تحولت الغرفه الى ما اشبه خليه النحل اصوات تعلو وتخبو ..تحاليل وعينات.. وكأنهم يسابقوا الزمن ومرت الساعات الطويله وانفاسهم لاهثه ..وبينما هم كذلك كانت طرقات المستشفى خاويه وبارده وكئيبه حيث كانت الام تجلس تنتظر فى ترقب وقلبها ينفطر على وحيدها والوقت يمر كأنه الدهر .. وهى تجتر الماضى البعيد ..حيث كان طفلا صغيرا كلما اراد ان يلهو مع قرنائه يجرى ويلعب كانت امه تمنعه لخوفها على قلبه الضعيف وكلما طلب منه اصدقائه اللعب او ركوب الدراجه كان ينطق بعينيه الحزينه ونبرات صوته تهمس بالاسى "الدكتور قال لى ماتلعبش علشان قلبك ضعيف" وتمر الايام ويكبر احمد وتكبر معه عقده الخوف من الموت وقد صار يافعا وانهى دراسته والتحق بالعمل الا انه كان يتجنب الاندماج مع من حوله يفضل الانطواء على نفسه حتى اصدقائه فقد بدأ بتجنبهم فقد كان لكل منهم قصه مع فتاه او حلم فى زواج واولاد أما هو فقد كان يعرف مسبقا ان لا امل ولا حلم له وحتى مجرد التفكير ان يكون له بيت وزوجة ..وازداد الآمر سؤا مع انطوائه على نفسه حيث اليأس اواتجه الى المخدرات كى يهرب من عالمه البائس حيث الموت ..وكان ما يشقيه هو ما يعتصر قلب امه المسكينه الحزينه .. وبينما كا الدمع ينساب على وجنتيها يحرقها من لوعته نظرت امامها لترى تلك الشابه الجميله وهى فى مقتبل العمر ووجهها الصبوح يعلوه القلق ويكسوه الخوف والفزع وقد اغرورقت عيناها بدمع ينساب بصمت واسى ... واقتربت الآم من الفتاه وبقلب الام اخذت تربت على كتفيها وتحنو عليها وتواسها "ان شاء الله خير يابنيتى الله معنا"....وبدأ النهار يشق طريقه عبر غبار الليل فى طرقات المستشفى ونور الصباح ينتشر على استحياء ليمحى الظلمه شيئا فشيئا. والاثنتان الام والزوجه الشابه عيناهما معلقتان على باب حجره العمليات الحديدى وكأن روحهما عالقتان بما وراء ذلك الباب المعدنى الاصم. .. وينفتح الباب حيث الاطباء يخرجون الواحد تلو الآخر وقد اعتلاهم التعب واخد منهم الاعياء مأخذه وهم يتخافتون ويتهامسون فيما بينهم عن تلكم الليله المشحونه بالاحداث ...وهرعت الام وهرعت الزوجةتتهافتان علىا لاطباء تتلمسان منهما ما يشفى صدورهما وما يسكن روحهما..تردد كبير الاطباء فيما سيبلغه للزوجه الشابه وكان يشفق عليها من هول ما هو مضطر لابلاغها اياه .. فقرر ان يعلمها مدى اصرار زوجها على البقاء حيا ومقاومه قلبه واصراره على البقاء رغم انهيار جسده نتيجه جروحه الخطيره التى اودت بحياته .وانهارت الزوجه واغشى عليها وسقطت بجسدها النحيل تتهاوى والدموع تملآ وجهها الشاحب وتلقتها الام على صدرها وهى تواسيها وهى لا تزال لا تعلم ما حدث لابنها واخبرها الطبيب ولم تصدق ما حدث ..ولدها لا يزال على قيد الحياه بعد ان بعث الله له قلب ينبض بالحياه والشباب والعافيه .سجدت الام لله شكرا ثم نظرت للفتاه وقد احتضنتها وتدعوا لها بالصبر وانطلقت الفتاه خارج المستشفى بعد ليل طويـــــل وحزيــــــــن والم يعتصرها وعيون تائه تلملم احزانها وهى تقول" انها اراده الله وما يعزينى ان قلبه ما زال يسكن شخصا آخر ينبض له بالحياه ليسعده ويسعد قلب ام حزينه"وبعد عدده ايام قضاها "احمد" بالمستشفى بدأ يسترد وعيه واخذ يتماثل للشفاء يوما بعد يوم وهو لا يصدق ما حدث له فى تلك الليله وانه مازال على قيد الحياه كان وجهه يضىء بالبشر وترتسم عليه علامات الرضا والسرور والسعاده وقد احس ان يوم مولده ذلك اليوم حيث قلب جديد فتى قوى وقد ملائه ذلك بالامل الجديد فى الحياه حتى انه بدأ يهتم بعمله مره آخرى وابتعد عن حياه الضياع والمخدرات التى كان يعاقرها وقرر ان يعيش حياته من جديد وان يلحق كل ما فاته وقد اصبح ينتابه شعور غريب لم يجد له تفسيرا . فقد اصبح يحب اشياء لم تكن لتستهويه يطرب لسماع الطيور فى الصباح الباكر وهى تزقزق وتشقشق مع نسمات الصباح النديه عشق الزهور وحرص على اقتنائها ورعايتها وكثيرا ما كان يشم رائحه عطر الجاردينيا فى انفه للحظات ثم يسائل امه الا تشمين هذه الرائحه الذكيه وتتعجب امه من سؤله وتتضحك "لا ياولدى" وتكررت تلك الظاهره فبينما هو جلوس مع رفقائه اشتم نفس الرائحه وطاف عبيرها بخياله واذا بدقات قلبه تعلو وهويتعجب من آمره هناك طيف يمر وقلب يخفق وذهن يشرد وعبير يملاء المكان للحظات ثم يختفى كل شى .. .مررت الايام وذات مغيب اذا بقدميه تسوقانيه الى شاطىء البحر وقت كانت الشمس تميل بقرصها الذهبى الغارق فى الحمره تغوص فى اعماق البحر وكأنها تهمس فى آذانه باستحياء تستأذنه تسأله الفراق على امل اللقاء عند الصباح تمحو ظلمه ليله وتملا اشعتها سماء الدنيا نورا وبهاء وتتلاءلىء اشعتها كالدر على صفحه الماء ....وفى ظلمه المغيب تلمح عيناه جسدا نحيلا كاظل يرقب المغيب كانه صلاه محب وبصر شاخصا صوب الماء فى حيره وصمت ....فاخذ يقترب شيئا فشيئا.. وشيئا ما يجذبه كالحنين يشده الى تلكم الصلاه وامتلاء فضولا واقترب اكثر واشتم رائحه العبير نعم هو عطر الجاردينا انه يزداد كلما اقترب اكثر نظر فى عينيها وتأملها فاذا هو فتاه عذبه حلوه الملامح يسرى من داخلها حزن دفين يشع من اعماقها ينساب من نظراتها التائه واحس بقلبه يخفق بقوه ويرتعد فى جوفه ويهز اضلاعه ورائحه الجاردينيا الجميله تعصف به وقد اثار دهشته تلك النظره التى رمقته بها والحزن يسكنها فتقدم منها وقال " ارجوك اسمحى لى شيئا ما يجذبنى اليك اشعر بالحنين للمكان مع اننى لم اتى هنا من قبل وجدت قدماى تقودانى الى هذا البحر واعجبنى مشهد الغروب والغريب اننى لم اكن لالحظه من قبل بل لم يكن يلفت انتباهى والغريب ايضا اننى لم اهتم بالطبيعه يوما ولا يعنينى التامل فيها بل حتى كنت لا احب البحر الا ترين ذلك غريبا" وارادت الفتاه ان تتراجع للخلف وتبتعد بعد ما اقتحم عليها خلوتها ولحظات سكونها مع اطياف الماضى وحبيبها الذى اعتادت على الذهاب معه للشاطى والتمتع بلحظات الغروب حيث تتناغم الطبيعة الماء والسماء الشمس والسحاب وتتمازج الالوان لتخرج مشهدا كونيا غايه فى الجمال يتكرر كل يوم ليسعد العاشقين ويملاء النفس بالدفء بالشجون والذكريات وعندما بدأت خطواتها بالتراجع شعرت بقلبها يسرع الخفقان وصدرها يعلو ويهبط من فرط الحنين وتسمرت قدماها فى الارض وكأن طيفا يجول بخاطرها يسبح بين حناياها يهيم فى ثناياها يذكرها يوقظها ينعش قلبها ....هذه الدقات اعرفها حق المعرفه وتلك النبضات لطالما ألفتها هذه الانفاس اشم عبيرها فى صدرىليست بالغريبه انى احبها بل اعشقها أذوب فيها ...انها هى انها.... انها ماذا انا اهذى ..هل فقدت صوابى مالى لااستطيع الحراك ولم يخرجها من صمتها الا صوته وهو يقول" الدنيا برد عليك اخشى عليك ان يصيبك المرض ما رايك لو ذهبنا الى تلك القاعه على الشاطى فهم يقدمون الشوكلاته الساخنه سوف تشعرين بعده بتحسن ودفء ثم استطرد وقال "على فكره ده احلى مكان بيقدم الشوكولاته الساخنه" وضحك فضحكت هى ومشيت معه بعد ان منحها كوفيته الصوف لتلف بها رقبتها وكتفها النحيل من البرد وبينما هى تمشى كالمسحوره تخرسها الدهشه مما يحدث فهى تعلم انها لطالما ذهبت هناك لتلك القاعه على الشاطى مع زوجها الحبيب بعد ان اعتادا على مشاهده الغروب الذى يعشقانه وهم يتضاحكان ويتسامران ثم يحتسيان الشوكولاته الساخنه فى تلك القاعه وتتوقف فجأه لتقول لنفسها ماهذا .. كيف اوافقه هكذا كيف مشيت معه ومن هذا الغريب الذى يجالسنى فاستدارت له وقالت بصوت مضطرب من انت ايها الغريب وما هى قصتك وراح يسرد لها كل ما مر به من احداث غريبه وكان قلبه مازال يخفق كلما نظر اليها وراح يحكى لها عن نفسه ومرضه الذى لازمه منذ مولده وكيف وهبه الله قلبا جديدا غير من مجرى حياته وكيف ايقظ هذا القلب فيه كل معانى حب الحياه بعد ان كان ينتظر الموت والتفاءل بعد اليأس وساورت الشكوك الفتاه فراحت تستفسر اكثر حتى ايقنت ان القلب الذى ينبض بين ضلوعه ما هو الا قلب حبيبها وبدأت الامور تتضح وننقشع الغمائم وقد ادركت ما سر الرعشه التى سرت فى اطرافها والخفقان المشحون بالشجن الذى احست به عندما اقترب منها ووقف امامها انه قلب من احبت ينبض يدق يعلو يصرخ حبيبتى هاذى انا قلب عشقك هتف باسمك استحلفك ان تسمعى نبضه ... ان تستجيبى لندائه حبيبتى لم امت مازلت ادق من اجلك قد بعثنى الله فى جسد جديد قد ملئته بالحياه بعد اليأس والامل بعد الضياع هذا قلبى حبيبتى قلب احبك وفجأه صرخت انت هو قلبك هو قلبه انا اعرفه فهو قلبى الذى بين ضلوعى فهو حبى الذى احى له وتعجب "احمد" مما سمع فهو الآخر قد همس قلبه بحبها وانجذب لها كان يشم ريحها وعبيرها على الدوام كانت تحوم حوله تحثه على المجى اليها باحساسه بقلبه بروحه وعقله ...كيف جمع الله بينهما ولم يرها ولم تراه كيف كان يقتسمان اللحظه بعدما اخذته خطاه اليها وها قد علما انه القدر..نعم انه القدر وان قلبه الذى يضخ الحياه فى عروقه هو قلب الآخر .
انها احدى ليالى الشتاء البارده حيث المطر ينهمر بغزاره على زجاج النافذه وضوء المصباح الخافت يشق ظلام الغرفه بينما دقات الساعه ترتل دقات رتيبه ومتثاقله لتعلن انها الثانيه صباحا بعد منتصف الليل وفى احدى اركان الغرفه بالمستشفى كان يرقد الشاب " احمد"على سريره بجسد متهاو وانفاس متلاحقه وامه ترمقه بعين مرتعبه تراقص فيها الدمع علىمقلتيها وهى تنظر تاره له وتاره اخرى على ذلك الجهاز المعلق بالحجره حيث ينبعث برنين خافت بنبضات قلب ولدها ووحيدها وقلبها يخفق مع خفقان قلبه الضعيف كانما هى قيثاره دمع تعزف لحنا ينساب الما ويئسا وهو يتخافت ويضعف شيئا فشيئا وهى تبتهل الى الله لو يأخذ الله من عمرها ويمده الي قلبه المهزوم ...وفى الغرفه المقابله لهما وفى سكون كانت االشابه الجميله "صفاء" تتطلع فى رقه وعذوبه بنظرات حانيه يعتصرها الآلام ويملآها الحنين الى عينى حبيبها وزوجها الراقد امامها وهو يعانى من الالام مبرحه فى كل انحاء جسده نتيجه تصادم مروع حدث له اثناء عودته اليها بعد يوم عمل شاق وقد كانت تنظر الى عينيه الشبه غائبه عن الوعى وكانما هى تستحلفه ان يبقى من اجلها وهى تضم يده بين كفيها وبرغم شده الآلآمه كان قلبه يدق بقوه كأنما يصارع الموت .. يقهره .. يتشبث بالحياه وكانه يقول لها من خلال دقات قلبه الاهثه لا تخافى ياحبيبتى سوف احيا من اجلك ..سوف ابقى ..سوف اعود وعيناها ثابته على جهاز القلب المعلق امامهاوالخوف يحتويها ويلفها بعباءته الثقيله وبصيص من امل ينفذ اليها وهى تبتهل لله وتدعوا ... وتمر اللحظات الثقال حتى يشق جدار الصمت رنين جهاز القلب منبئا بالخطروتهرع الممرضات للغرفه وفى نفس الوقت يرتفع الرنين فى الغرفه المقابله معلنا عصيانه هو الاخر وتسود حاله من الاضطراب والفوضى وتسرع بعض الممرضات للغرفه المقابله فقد توقف قلب المريضين ويسارع الاطباء لغرفه العمليات وتضاء الاضواء الكاشفه وتغلق الابواب الحديديه الضخمه وتعج الغرفه بالالات والمعدات الطبيه وفريق الاطباء يصارعون الموت وهم فى حيره من امرهم هذا رجل يتهاوى قلبه من كثره اليأس والآخر يصارع الجروح والآلآم من اجل البقاء وتمر اللحظات وتفارق الحياه ذلك الزوج متأثرا بكثره جراحه ... بينما قلب الآخر يخبو ويخبو.. حتى قارب على التلاشى وفجأه .. قرر الاطباء أجراء جراحه عاجله بنقل قلب للمتوفى حديثا لذلك الآخر الذى كان يعانى من قلب مريض منذ ولادته وقد تحولت الغرفه الى ما اشبه خليه النحل اصوات تعلو وتخبو ..تحاليل وعينات.. وكأنهم يسابقوا الزمن ومرت الساعات الطويله وانفاسهم لاهثه ..وبينما هم كذلك كانت طرقات المستشفى خاويه وبارده وكئيبه حيث كانت الام تجلس تنتظر فى ترقب وقلبها ينفطر على وحيدها والوقت يمر كأنه الدهر .. وهى تجتر الماضى البعيد ..حيث كان طفلا صغيرا كلما اراد ان يلهو مع قرنائه يجرى ويلعب كانت امه تمنعه لخوفها على قلبه الضعيف وكلما طلب منه اصدقائه اللعب او ركوب الدراجه كان ينطق بعينيه الحزينه ونبرات صوته تهمس بالاسى "الدكتور قال لى ماتلعبش علشان قلبك ضعيف" وتمر الايام ويكبر احمد وتكبر معه عقده الخوف من الموت وقد صار يافعا وانهى دراسته والتحق بالعمل الا انه كان يتجنب الاندماج مع من حوله يفضل الانطواء على نفسه حتى اصدقائه فقد بدأ بتجنبهم فقد كان لكل منهم قصه مع فتاه او حلم فى زواج واولاد أما هو فقد كان يعرف مسبقا ان لا امل ولا حلم له وحتى مجرد التفكير ان يكون له بيت وزوجة ..وازداد الآمر سؤا مع انطوائه على نفسه حيث اليأس اواتجه الى المخدرات كى يهرب من عالمه البائس حيث الموت ..وكان ما يشقيه هو ما يعتصر قلب امه المسكينه الحزينه .. وبينما كا الدمع ينساب على وجنتيها يحرقها من لوعته نظرت امامها لترى تلك الشابه الجميله وهى فى مقتبل العمر ووجهها الصبوح يعلوه القلق ويكسوه الخوف والفزع وقد اغرورقت عيناها بدمع ينساب بصمت واسى ... واقتربت الآم من الفتاه وبقلب الام اخذت تربت على كتفيها وتحنو عليها وتواسها "ان شاء الله خير يابنيتى الله معنا"....وبدأ النهار يشق طريقه عبر غبار الليل فى طرقات المستشفى ونور الصباح ينتشر على استحياء ليمحى الظلمه شيئا فشيئا. والاثنتان الام والزوجه الشابه عيناهما معلقتان على باب حجره العمليات الحديدى وكأن روحهما عالقتان بما وراء ذلك الباب المعدنى الاصم. .. وينفتح الباب حيث الاطباء يخرجون الواحد تلو الآخر وقد اعتلاهم التعب واخد منهم الاعياء مأخذه وهم يتخافتون ويتهامسون فيما بينهم عن تلكم الليله المشحونه بالاحداث ...وهرعت الام وهرعت الزوجةتتهافتان علىا لاطباء تتلمسان منهما ما يشفى صدورهما وما يسكن روحهما..تردد كبير الاطباء فيما سيبلغه للزوجه الشابه وكان يشفق عليها من هول ما هو مضطر لابلاغها اياه .. فقرر ان يعلمها مدى اصرار زوجها على البقاء حيا ومقاومه قلبه واصراره على البقاء رغم انهيار جسده نتيجه جروحه الخطيره التى اودت بحياته .وانهارت الزوجه واغشى عليها وسقطت بجسدها النحيل تتهاوى والدموع تملآ وجهها الشاحب وتلقتها الام على صدرها وهى تواسيها وهى لا تزال لا تعلم ما حدث لابنها واخبرها الطبيب ولم تصدق ما حدث ..ولدها لا يزال على قيد الحياه بعد ان بعث الله له قلب ينبض بالحياه والشباب والعافيه .سجدت الام لله شكرا ثم نظرت للفتاه وقد احتضنتها وتدعوا لها بالصبر وانطلقت الفتاه خارج المستشفى بعد ليل طويـــــل وحزيــــــــن والم يعتصرها وعيون تائه تلملم احزانها وهى تقول" انها اراده الله وما يعزينى ان قلبه ما زال يسكن شخصا آخر ينبض له بالحياه ليسعده ويسعد قلب ام حزينه"وبعد عدده ايام قضاها "احمد" بالمستشفى بدأ يسترد وعيه واخذ يتماثل للشفاء يوما بعد يوم وهو لا يصدق ما حدث له فى تلك الليله وانه مازال على قيد الحياه كان وجهه يضىء بالبشر وترتسم عليه علامات الرضا والسرور والسعاده وقد احس ان يوم مولده ذلك اليوم حيث قلب جديد فتى قوى وقد ملائه ذلك بالامل الجديد فى الحياه حتى انه بدأ يهتم بعمله مره آخرى وابتعد عن حياه الضياع والمخدرات التى كان يعاقرها وقرر ان يعيش حياته من جديد وان يلحق كل ما فاته وقد اصبح ينتابه شعور غريب لم يجد له تفسيرا . فقد اصبح يحب اشياء لم تكن لتستهويه يطرب لسماع الطيور فى الصباح الباكر وهى تزقزق وتشقشق مع نسمات الصباح النديه عشق الزهور وحرص على اقتنائها ورعايتها وكثيرا ما كان يشم رائحه عطر الجاردينيا فى انفه للحظات ثم يسائل امه الا تشمين هذه الرائحه الذكيه وتتعجب امه من سؤله وتتضحك "لا ياولدى" وتكررت تلك الظاهره فبينما هو جلوس مع رفقائه اشتم نفس الرائحه وطاف عبيرها بخياله واذا بدقات قلبه تعلو وهويتعجب من آمره هناك طيف يمر وقلب يخفق وذهن يشرد وعبير يملاء المكان للحظات ثم يختفى كل شى .. .مررت الايام وذات مغيب اذا بقدميه تسوقانيه الى شاطىء البحر وقت كانت الشمس تميل بقرصها الذهبى الغارق فى الحمره تغوص فى اعماق البحر وكأنها تهمس فى آذانه باستحياء تستأذنه تسأله الفراق على امل اللقاء عند الصباح تمحو ظلمه ليله وتملا اشعتها سماء الدنيا نورا وبهاء وتتلاءلىء اشعتها كالدر على صفحه الماء ....وفى ظلمه المغيب تلمح عيناه جسدا نحيلا كاظل يرقب المغيب كانه صلاه محب وبصر شاخصا صوب الماء فى حيره وصمت ....فاخذ يقترب شيئا فشيئا.. وشيئا ما يجذبه كالحنين يشده الى تلكم الصلاه وامتلاء فضولا واقترب اكثر واشتم رائحه العبير نعم هو عطر الجاردينا انه يزداد كلما اقترب اكثر نظر فى عينيها وتأملها فاذا هو فتاه عذبه حلوه الملامح يسرى من داخلها حزن دفين يشع من اعماقها ينساب من نظراتها التائه واحس بقلبه يخفق بقوه ويرتعد فى جوفه ويهز اضلاعه ورائحه الجاردينيا الجميله تعصف به وقد اثار دهشته تلك النظره التى رمقته بها والحزن يسكنها فتقدم منها وقال " ارجوك اسمحى لى شيئا ما يجذبنى اليك اشعر بالحنين للمكان مع اننى لم اتى هنا من قبل وجدت قدماى تقودانى الى هذا البحر واعجبنى مشهد الغروب والغريب اننى لم اكن لالحظه من قبل بل لم يكن يلفت انتباهى والغريب ايضا اننى لم اهتم بالطبيعه يوما ولا يعنينى التامل فيها بل حتى كنت لا احب البحر الا ترين ذلك غريبا" وارادت الفتاه ان تتراجع للخلف وتبتعد بعد ما اقتحم عليها خلوتها ولحظات سكونها مع اطياف الماضى وحبيبها الذى اعتادت على الذهاب معه للشاطى والتمتع بلحظات الغروب حيث تتناغم الطبيعة الماء والسماء الشمس والسحاب وتتمازج الالوان لتخرج مشهدا كونيا غايه فى الجمال يتكرر كل يوم ليسعد العاشقين ويملاء النفس بالدفء بالشجون والذكريات وعندما بدأت خطواتها بالتراجع شعرت بقلبها يسرع الخفقان وصدرها يعلو ويهبط من فرط الحنين وتسمرت قدماها فى الارض وكأن طيفا يجول بخاطرها يسبح بين حناياها يهيم فى ثناياها يذكرها يوقظها ينعش قلبها ....هذه الدقات اعرفها حق المعرفه وتلك النبضات لطالما ألفتها هذه الانفاس اشم عبيرها فى صدرىليست بالغريبه انى احبها بل اعشقها أذوب فيها ...انها هى انها.... انها ماذا انا اهذى ..هل فقدت صوابى مالى لااستطيع الحراك ولم يخرجها من صمتها الا صوته وهو يقول" الدنيا برد عليك اخشى عليك ان يصيبك المرض ما رايك لو ذهبنا الى تلك القاعه على الشاطى فهم يقدمون الشوكلاته الساخنه سوف تشعرين بعده بتحسن ودفء ثم استطرد وقال "على فكره ده احلى مكان بيقدم الشوكولاته الساخنه" وضحك فضحكت هى ومشيت معه بعد ان منحها كوفيته الصوف لتلف بها رقبتها وكتفها النحيل من البرد وبينما هى تمشى كالمسحوره تخرسها الدهشه مما يحدث فهى تعلم انها لطالما ذهبت هناك لتلك القاعه على الشاطى مع زوجها الحبيب بعد ان اعتادا على مشاهده الغروب الذى يعشقانه وهم يتضاحكان ويتسامران ثم يحتسيان الشوكولاته الساخنه فى تلك القاعه وتتوقف فجأه لتقول لنفسها ماهذا .. كيف اوافقه هكذا كيف مشيت معه ومن هذا الغريب الذى يجالسنى فاستدارت له وقالت بصوت مضطرب من انت ايها الغريب وما هى قصتك وراح يسرد لها كل ما مر به من احداث غريبه وكان قلبه مازال يخفق كلما نظر اليها وراح يحكى لها عن نفسه ومرضه الذى لازمه منذ مولده وكيف وهبه الله قلبا جديدا غير من مجرى حياته وكيف ايقظ هذا القلب فيه كل معانى حب الحياه بعد ان كان ينتظر الموت والتفاءل بعد اليأس وساورت الشكوك الفتاه فراحت تستفسر اكثر حتى ايقنت ان القلب الذى ينبض بين ضلوعه ما هو الا قلب حبيبها وبدأت الامور تتضح وننقشع الغمائم وقد ادركت ما سر الرعشه التى سرت فى اطرافها والخفقان المشحون بالشجن الذى احست به عندما اقترب منها ووقف امامها انه قلب من احبت ينبض يدق يعلو يصرخ حبيبتى هاذى انا قلب عشقك هتف باسمك استحلفك ان تسمعى نبضه ... ان تستجيبى لندائه حبيبتى لم امت مازلت ادق من اجلك قد بعثنى الله فى جسد جديد قد ملئته بالحياه بعد اليأس والامل بعد الضياع هذا قلبى حبيبتى قلب احبك وفجأه صرخت انت هو قلبك هو قلبه انا اعرفه فهو قلبى الذى بين ضلوعى فهو حبى الذى احى له وتعجب "احمد" مما سمع فهو الآخر قد همس قلبه بحبها وانجذب لها كان يشم ريحها وعبيرها على الدوام كانت تحوم حوله تحثه على المجى اليها باحساسه بقلبه بروحه وعقله ...كيف جمع الله بينهما ولم يرها ولم تراه كيف كان يقتسمان اللحظه بعدما اخذته خطاه اليها وها قد علما انه القدر..نعم انه القدر وان قلبه الذى يضخ الحياه فى عروقه هو قلب الآخر .
تعليق