Just In Time …. نظام تقليل الفاقد
مقدمة سياسة تقليل الفاقد هي من أكثر (أو أكثر) أنظمة إدارة التصنيع شهرة ونجاحا في العالم. بدأ تطبيق هذا النظام عن طريق شركة تويوتا اليابانية (شركة السيارات المعروفة) في السبعينيات (أي منذ حوالي 40 عاما) وأظهر نتائج باهرة. في الثمانينيات بدأت الشركات الأمريكية والأوروبية تفاجأ بتفوق الشركات اليابانية عليهم نتيجة لتطبيق هذا النظام ولذلك بدؤوا في محاولة فهم هذه السياسة ومحاولة تطبيقها. وإلى الآن ما زالت هذه السياسة تتفوق على أي سياسة أخرى لإدارة التصنيع بل وإدارة الخدمات كذلك. وما زالت شركة تويوتا هي النموذج المثالي لإدارة العمليات الإنتاجية في العالم ومازال نجاحها يتوالى. أحاول في هذه المقالة تقديم سياسة تقليل الفاقد لكي نتمكن من فهمها وتطبيقها.
ما هي؟
سياسة تقليل الفاقد تهدف إلى تقليل الفواقد في جميع العمليات الإنتاجية هذه السياسة تتميز بأنها تساعدنا على التخلص من كثير من الفواقد التي عادة ما نعتبرها أمر حتمي فالكثير ينظرون إلى وقت ضبط المعدة على أنه أمر طبيعي وعلينا التعايش معه وكذلك الحال بالنسبة للمخزون وأعطال المعدات وأوقات الانتظار وأوقات النقل. سياسة تقليل الفاقد تمكننا من تقليل هذه الفواقد تقليلا هائلا وتجعل عملية الإنتاج تتم بكفاءة عالية جدا. تسمى هذه السياسة (النظام) بعدة أسماء باللغة الإنجليزية
Just In time أي الإنتاج في الوقت المناسب وتعويض المخزون في الوقت المناسب وهي من أشهر التسميات وتختصر إلى JIT
Lean Production أي الإنتاج الرشيق أي غير المُحَمَّل بمخزون زائد أو عمالة زائدة أو فواقد أخرى
Lean Manufacturing أي التصنيع الرشيق
Toyota System أو Toyota Production System أي نظام تويوتا أو نظام الإنتاج في تويوتا نسبة إلى منشأ هذه السياسة في شركة تويوتا. وتختصر إلى TPS.
سياسة تقليل الفاقد هي نظام يتكون من عدة أنظمة (عناصر) تهدف كلها لتقليل الفاقد. هذه الأنظمة تتفاعل مع بعضها لتعطينا التأثير الناجح لسياسة تقليل الفاقد. فسياسة تقليل الفاقد أو JIT ليست مجرد أسلوب لإدارة المخزون أو تخطيط الإنتاج بل هي ثقافة وفلسفة ومجموعة من الأنظمة التي تساند بعضها بعضا.
سفينة تقليل الفاقد
سياسة تقليل الفاقد لم يتم تطبيقها وتطويرها في لحظة محددة وإنما تم تطويرها في اليابان فيما بعد الحرب العالمية الثانية في حوالي عشرين عاما وترجع جذورها إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية. وخلال تطوير هذه السياسة ظهرت الحاجة لهذه الأنظمة المختلفة لتكمل بعضها البعض. فمثلا لا يمكنك تقليل المخزون بدون تقليل نسبة المنتجات المعيبة ولا يمكنك تطبيق سياسة سحب الإنتاج بدون تقليل وقت ضبط المعدات وأعطال المعدات.
يتصور البعض أن سياسة تقليل الفاقد أو JIT تهدف إلى تقليل المخزون لمجرد أن المخزون يمثل قيمة مالية غير مستثمرة بل ويكلفنا تكلفة تخزينية. الأمر أعمق من ذلك بكثير. سياسة تقليل الفاقد تنظر إلى المخزون على أنه سبب أساسي في وجود فواقد كثيرة فالمخزون الكبير يجعلنا نتغاضى عن (أو لا نرى) كثير من المشاكل بينما قلة المخزون تجعلنا حريصين على حل هذه المشاكل وبالتالي التخلص من الفواقد. وهناك مثال شهير جدا يشرح هذه الفكرة.
تخيل عندما تجري سفينة في مجرى مائي به الكثير من العوائق مثل الصخور الكبيرة. هل تستطيع هذه السفينة أن تسير خلال هذا المجرى؟ نعم، إذا كانت هذه العوائق والصخور في القاع بحيث لا تصل إلى السفينة، أي أن السفينة يمكنها أن تسير بأمان إذا كانت المياه عميقة بما يكفي لأن تكون هذه الصخور والعوائق في القاع غير ظاهرة وغير مؤثرة في سير السفينة. هل الصخور موجودة؟ نعم. هل نراها؟ لا. هل سنحاول إزالتها؟ بالطبع لا فنحن لا نراها أصلا.
هذا هو مربط الفرس. المياه تغطي الصخور والعوائق وتجعلنا لا نراها كما أن المخزون الكبير يجعل الإنتاج يُبحر بسلام مع وجود فواقد كثيرة وكبيرة (الصخور) ولكننا لا نراها فالمخزون يُغطيها ويجعلنا لا نشعر بوجودها كما يغطي الماء الصخور. عندما يكون لدينا مخزون هائل بين مراحل الإنتاج فإننا لا نُبالي عندما تتوقف مرحلة من مراحل الإنتاج لأن باقي المراحل ستستمر في العمل أثناء إصلاح المرحلة المتوقفة وبالتالي فإن شعورنا بوجود المشكلة يكون ضعيفا فنحن قد “غطينا المشكلة بالمخزون الكبير” فلا شَعَرنا بالمشكلة و لا حاولنا دراستها ومنع تكرارها.
كذلك عندما يكون لديك مخزون كبير من المنتجات النهائية ومن المواد غير تامة الصنع فإن مشاكل الجودة تكون أمرا مقبولا جدا مثل شروق الشمس وغروبها….منتجات معيبة يتم التخلص منها أو إعادة تصنيعها… أمر عادي. المخزون الكبير جعلنا لا نبالي بتكلفة المنتجات المعيبة وجعلنا لا نبحث عن وسيلة لمنع هذه الأخطاء. ماذا يحدث في أي مكان إنتاجي أو خدمي عندما تحدث مشكلة تتسبب في إيقاف الإنتاج كليا؟ إن المؤسسة كلها تتحرك لحل المشكلة ولبحث أسبابها واتخاذ الإجراءات التي تمنع تكرارها. المخزون الكبير يجعل الكثير من المشاكل والفواقد لا تؤدي إلى توقف الإنتاج كليا أي أنها تمثل غطاء لهذه المشكلات والفواقد. هل نريد تغطية المشاكل أم نريد إزالتها؟
إذن ماذا نفعل؟ هل نقوم بإزالة المياه من المجرى المائي تماما لنجعل الصخور توقف السفينة؟ إذن ستتكسر السفينة ولن نخرج من هذه الصخور أبدا. ماذا لو قمنا بتقليل مستوى المياه قليلا بحيث نرى بعض أجزاء الصخور ونتخلص منها؟ ثم نقوم بعد ذلك بتقليل مستوى المياه أكثر لنرى أجزاء أخرى من الصخور ونتخلص منها وهكذا حتى نتخلص من كل الصخور ونستطيع الإبحار بمستوى قليل من الماء. هذه هي رحلة سياسة تقليل الفاقد. سنقوم بتقليل مستوى المخزون تدريجيا في جميع المراحل بداية من المواد الخام ومرورا بالمنتجات غير تامة التصنيع وانتهاء بالمنتجات النهائية وسنحاول رؤية المشاكل والفواقد وإزالتها. بعد ذلك نقوم بتقليل المخزون بقدر أكبر فنرى مشاكل وفواقد أخرى ونقوم بحلها وإزالتها. بعد ذلك نقلل المخزون أكثر وهكذا حتى نصل لأدنى مستوى من المخزون ونكون قد تخلصنا من كل الفواقد وتصبح أي مشكلة صغيرة ظاهرة واضحة ويتم التخلص منه فورا.
لاحظ أن بعض العوائق في مجرى الماء قد تكون عبارة عن نباتات لها جذور تحت المجرى المائي فعندما تتخلص من النبات يبقى الجذر تحت الأرض فتنبت النبات مرة أخرى. إذن علينا أن نتخلص من هذه النباتات من “جذورها” أي نقتلعها من جذورها. كذلك فإننا في رحلتنا في سفينة تقليل الفاقد سنتخلص من هذه الفواقد والمشاكل من جذورها. لا نبحث عن دراسات سطحية وحلول تسمح بتكرار المشاكل….لن نتعايش مع الفواقد….سنقتلعها من جذورها.
الكثير من العوائق في مجرى الماء قد تكون معروفة للجميع بحيث تمر السفن من حولها. الجميع يتقبل هذه العوائق على أنها جزء من الحياة ماعدا سفينة تقليل الفاقد. إننا لن ندور حول العائق لأنه عائق طبيعي ولن نقبل بحدوث اختناقات وأوقات انتظار طويلة نتيجة لهذا العائق. سنتخلص من “كل” الصخور حتى يكون المجرى بلا عوائق. سياسة تقليل الفاقد لا تتقبل الفواقد التي اعتاد الجميع على تقبلها مثل الوقت الكبير الذي نستهلكه لبداية الإنتاج أو للتغيير من منتج لآخر والأوقات الكبيرة التي تضيع في نقل المنتج من مكان لآخر وأوقات الانتظار الطويلة من مرحلة إنتاج لأخرى. سياسة تقليل الفاقد تعني التخلص من كل الفواقد.
إذن فسفينة تقليل الفاقد تحتاج لأنظمة للتخلص من هذه الصخور والنباتات والعوائق. هل يستطيع القبطان ومساعديه أن يفعلوا ذلك؟ هل يرى القبطان ومساعديه كل العوائق؟ هل يروا جذورها؟ هل يفهم القبطان كيف يقتلع كل هذه النباتات من جذورها؟ لعله يفهم جيدا كيف يقود سفينة ولكنه لا يعرف الصخور وكيفية تحريكها ولا يعرف النباتات وكيفية اقتلاعها. إذن فلابد من تضافر جهود القبطان ومساعديه مع البحارين من العمالة البسيطة التي سترى الصخور وتستطيع تحريكها وتستطيع اقتلاع النباتات من جذورها. فجميع المستويات الإدارية تتعاون لحل المشاكل بما في ذلك أدنى المستويات الإدارية من مشغلين وميكانيكيين. وجميع الأقسام تتعاون فلابد من تعاون المشغلين والمسئولين عن الصيانة والمسئولين عن عملية الإمداد والمسئولين عن البيع لحل المشاكل.
كذلك فإنه لا يمكن تكليف كل بحار بإزالة أي صخرة وحده ولكن لابد من تعاون كل البحارين عند إزالة أي صخرة. سياسة تقليل الفاقد تعتمد على روح الفريق العالية جدا. بل إن المُشغل المسئول عن مرحلة إنتاج سيتعاون لحل أي مشكلة في أي مرحلة إنتاج أخرى يحدث بها مشكلة. فالسفينة إن تعرضت للانهيار في جزء منها فإن كل البحارين سيتجهون لإصلاح هذا الجزء وإلا غرقوا جميعا. كذلك فإنه عند تطبيق سياسة تقليل الفاقد فإن توقف مرحلة إنتاج يُهدد بإيقاف كل المراحل لأن المخزون من المنتجات نصف المصنعة بين مراحل الإنتاج هو مخزون محدود جدا سينفد سريعا.
ولكن ماذا لو تم التخلص من هذه الصخور ثم قام المقيمون حول المجرى المائي بإلقاء مخلفات فيه؟ إذن فلابد من تعاون السفينة مع المسؤولين عن المجرى المائي والمقيمين حوله لمنع تراكم المخلفات والصخور. سياسة تقليل الفاقد ترتكز على التعاون بين المؤسسة ومورديها تعاونا متميزا جدا. فالموردون يلبون طلبات المؤسسة من مواد خام ومستلزمات إنتاج بسرعة فائقة بحيث لا تحتاج المؤسسة للاحتفاظ بمخزون كبير من هذه المواد. والموردون يتعاونون مع المؤسسة في حل مشاكل التصنيع وذلك بتوريد مواد أكثر مناسبة وأعلى جودة. ولا يتوقف الأمر عند ذلك بل الموردون يشتركون مع المؤسسة في تطوير منتجاتها. والمؤسسة كذلك تساعد الموردين في تطوير أنفسهم وتطالبهم بأنظمة جيدة في العمل لكي تضمن حصولها المستمر على مستويات عالية من الجودة.
في النهاية فإن الماء سيجري بسرعة وتسير سفينة تقليل الفاقد بسلام بلا عوائق. سياسة تقليل الفاقد تهدف لأن يسير الإنتاج بمثل سلاسة سريان الماء في هذا المجرى النظيف وأن تبحر المواد من مرحلة إنتاج إلى أخرى كما تبحر هذه السفينة بلا توقف. سفينة تقليل الفاقد ستصبح سريعة وقادرة على تلبية احتياجات الركاب بسرعة وقادرة على مسارها بسرعة. سياسة تقليل الفاقد ستجعلنا قادرين على تلبية احتياجات العملاء بسرعة فلن نرغمهم على شراء مخزوننا ولكننا سننتج ما يحتاجونه وبسرعة.
هذه هي فلسلفة سياسة تقليل الفاقد بشكل مبسط. هذه الفلسفة تحتاج لأنظمة عديدة للتخلص من الفواقد المختلفة. لذلك فإن سياسة تقليل الفاقد تتكون من عدة أنظمة نتناولها في المقالات التالية إن شاء الله.
يمكنك الاطلاع على شرح شركة تويوتا نفسها لهذا النظام:
Toyota Production System
مقدمة سياسة تقليل الفاقد هي من أكثر (أو أكثر) أنظمة إدارة التصنيع شهرة ونجاحا في العالم. بدأ تطبيق هذا النظام عن طريق شركة تويوتا اليابانية (شركة السيارات المعروفة) في السبعينيات (أي منذ حوالي 40 عاما) وأظهر نتائج باهرة. في الثمانينيات بدأت الشركات الأمريكية والأوروبية تفاجأ بتفوق الشركات اليابانية عليهم نتيجة لتطبيق هذا النظام ولذلك بدؤوا في محاولة فهم هذه السياسة ومحاولة تطبيقها. وإلى الآن ما زالت هذه السياسة تتفوق على أي سياسة أخرى لإدارة التصنيع بل وإدارة الخدمات كذلك. وما زالت شركة تويوتا هي النموذج المثالي لإدارة العمليات الإنتاجية في العالم ومازال نجاحها يتوالى. أحاول في هذه المقالة تقديم سياسة تقليل الفاقد لكي نتمكن من فهمها وتطبيقها.
ما هي؟
سياسة تقليل الفاقد تهدف إلى تقليل الفواقد في جميع العمليات الإنتاجية هذه السياسة تتميز بأنها تساعدنا على التخلص من كثير من الفواقد التي عادة ما نعتبرها أمر حتمي فالكثير ينظرون إلى وقت ضبط المعدة على أنه أمر طبيعي وعلينا التعايش معه وكذلك الحال بالنسبة للمخزون وأعطال المعدات وأوقات الانتظار وأوقات النقل. سياسة تقليل الفاقد تمكننا من تقليل هذه الفواقد تقليلا هائلا وتجعل عملية الإنتاج تتم بكفاءة عالية جدا. تسمى هذه السياسة (النظام) بعدة أسماء باللغة الإنجليزية
Just In time أي الإنتاج في الوقت المناسب وتعويض المخزون في الوقت المناسب وهي من أشهر التسميات وتختصر إلى JIT
Lean Production أي الإنتاج الرشيق أي غير المُحَمَّل بمخزون زائد أو عمالة زائدة أو فواقد أخرى
Lean Manufacturing أي التصنيع الرشيق
Toyota System أو Toyota Production System أي نظام تويوتا أو نظام الإنتاج في تويوتا نسبة إلى منشأ هذه السياسة في شركة تويوتا. وتختصر إلى TPS.
ولكن كل هذه المُسميات تعني نفس السياسة وتهدف لهدف واضح وهو تقليل (إزالة) الفاقد Waste Elimination ويبدو لي أن هذه هي التسمية الشائعة بالعربية وهي أفضل من غيرها لأنها توضح حقيقة هذه السياسة. بل إن تسمية Just in Time تجعل الكثيرين يظنون أن هذه السياسة تعني -فقط -ألا يكون هناك مخزون على الإطلاق وهذا خطأ كبير. فهذه السياسة لا تهدف فقط إلى تقليل المخزون ولكنها تهدف إلى تقليل الفاقد ومنه المخزون الذي يمكن الاستغناء عنه. وهي كذلك لا تجعل المخزون صفرا ولكنها تجعل المخزون قليلاً جدا مقارنة بالشركات التي لا تطبق هذه السياسة.
وقد تجد أن البعض يتعامل مع JIT على أنها جزء من TPS وهذه بدورها على أنها جزء من Lean Manufacturing. وهذا أمر لا يعنينا كثيرا في مناقشتنا لسياسة تقليل الفاقد فنحن نريد أن نتعرف على كل تفاصيل هذه السياسة سواء سميت TPS أو JIT أو Lean.سياسة تقليل الفاقد هي نظام يتكون من عدة أنظمة (عناصر) تهدف كلها لتقليل الفاقد. هذه الأنظمة تتفاعل مع بعضها لتعطينا التأثير الناجح لسياسة تقليل الفاقد. فسياسة تقليل الفاقد أو JIT ليست مجرد أسلوب لإدارة المخزون أو تخطيط الإنتاج بل هي ثقافة وفلسفة ومجموعة من الأنظمة التي تساند بعضها بعضا.
سفينة تقليل الفاقد
سياسة تقليل الفاقد لم يتم تطبيقها وتطويرها في لحظة محددة وإنما تم تطويرها في اليابان فيما بعد الحرب العالمية الثانية في حوالي عشرين عاما وترجع جذورها إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية. وخلال تطوير هذه السياسة ظهرت الحاجة لهذه الأنظمة المختلفة لتكمل بعضها البعض. فمثلا لا يمكنك تقليل المخزون بدون تقليل نسبة المنتجات المعيبة ولا يمكنك تطبيق سياسة سحب الإنتاج بدون تقليل وقت ضبط المعدات وأعطال المعدات.
يتصور البعض أن سياسة تقليل الفاقد أو JIT تهدف إلى تقليل المخزون لمجرد أن المخزون يمثل قيمة مالية غير مستثمرة بل ويكلفنا تكلفة تخزينية. الأمر أعمق من ذلك بكثير. سياسة تقليل الفاقد تنظر إلى المخزون على أنه سبب أساسي في وجود فواقد كثيرة فالمخزون الكبير يجعلنا نتغاضى عن (أو لا نرى) كثير من المشاكل بينما قلة المخزون تجعلنا حريصين على حل هذه المشاكل وبالتالي التخلص من الفواقد. وهناك مثال شهير جدا يشرح هذه الفكرة.
تخيل عندما تجري سفينة في مجرى مائي به الكثير من العوائق مثل الصخور الكبيرة. هل تستطيع هذه السفينة أن تسير خلال هذا المجرى؟ نعم، إذا كانت هذه العوائق والصخور في القاع بحيث لا تصل إلى السفينة، أي أن السفينة يمكنها أن تسير بأمان إذا كانت المياه عميقة بما يكفي لأن تكون هذه الصخور والعوائق في القاع غير ظاهرة وغير مؤثرة في سير السفينة. هل الصخور موجودة؟ نعم. هل نراها؟ لا. هل سنحاول إزالتها؟ بالطبع لا فنحن لا نراها أصلا.
هذا هو مربط الفرس. المياه تغطي الصخور والعوائق وتجعلنا لا نراها كما أن المخزون الكبير يجعل الإنتاج يُبحر بسلام مع وجود فواقد كثيرة وكبيرة (الصخور) ولكننا لا نراها فالمخزون يُغطيها ويجعلنا لا نشعر بوجودها كما يغطي الماء الصخور. عندما يكون لدينا مخزون هائل بين مراحل الإنتاج فإننا لا نُبالي عندما تتوقف مرحلة من مراحل الإنتاج لأن باقي المراحل ستستمر في العمل أثناء إصلاح المرحلة المتوقفة وبالتالي فإن شعورنا بوجود المشكلة يكون ضعيفا فنحن قد “غطينا المشكلة بالمخزون الكبير” فلا شَعَرنا بالمشكلة و لا حاولنا دراستها ومنع تكرارها.
كذلك عندما يكون لديك مخزون كبير من المنتجات النهائية ومن المواد غير تامة الصنع فإن مشاكل الجودة تكون أمرا مقبولا جدا مثل شروق الشمس وغروبها….منتجات معيبة يتم التخلص منها أو إعادة تصنيعها… أمر عادي. المخزون الكبير جعلنا لا نبالي بتكلفة المنتجات المعيبة وجعلنا لا نبحث عن وسيلة لمنع هذه الأخطاء. ماذا يحدث في أي مكان إنتاجي أو خدمي عندما تحدث مشكلة تتسبب في إيقاف الإنتاج كليا؟ إن المؤسسة كلها تتحرك لحل المشكلة ولبحث أسبابها واتخاذ الإجراءات التي تمنع تكرارها. المخزون الكبير يجعل الكثير من المشاكل والفواقد لا تؤدي إلى توقف الإنتاج كليا أي أنها تمثل غطاء لهذه المشكلات والفواقد. هل نريد تغطية المشاكل أم نريد إزالتها؟
إذن ماذا نفعل؟ هل نقوم بإزالة المياه من المجرى المائي تماما لنجعل الصخور توقف السفينة؟ إذن ستتكسر السفينة ولن نخرج من هذه الصخور أبدا. ماذا لو قمنا بتقليل مستوى المياه قليلا بحيث نرى بعض أجزاء الصخور ونتخلص منها؟ ثم نقوم بعد ذلك بتقليل مستوى المياه أكثر لنرى أجزاء أخرى من الصخور ونتخلص منها وهكذا حتى نتخلص من كل الصخور ونستطيع الإبحار بمستوى قليل من الماء. هذه هي رحلة سياسة تقليل الفاقد. سنقوم بتقليل مستوى المخزون تدريجيا في جميع المراحل بداية من المواد الخام ومرورا بالمنتجات غير تامة التصنيع وانتهاء بالمنتجات النهائية وسنحاول رؤية المشاكل والفواقد وإزالتها. بعد ذلك نقوم بتقليل المخزون بقدر أكبر فنرى مشاكل وفواقد أخرى ونقوم بحلها وإزالتها. بعد ذلك نقلل المخزون أكثر وهكذا حتى نصل لأدنى مستوى من المخزون ونكون قد تخلصنا من كل الفواقد وتصبح أي مشكلة صغيرة ظاهرة واضحة ويتم التخلص منه فورا.
لاحظ أن بعض العوائق في مجرى الماء قد تكون عبارة عن نباتات لها جذور تحت المجرى المائي فعندما تتخلص من النبات يبقى الجذر تحت الأرض فتنبت النبات مرة أخرى. إذن علينا أن نتخلص من هذه النباتات من “جذورها” أي نقتلعها من جذورها. كذلك فإننا في رحلتنا في سفينة تقليل الفاقد سنتخلص من هذه الفواقد والمشاكل من جذورها. لا نبحث عن دراسات سطحية وحلول تسمح بتكرار المشاكل….لن نتعايش مع الفواقد….سنقتلعها من جذورها.
الكثير من العوائق في مجرى الماء قد تكون معروفة للجميع بحيث تمر السفن من حولها. الجميع يتقبل هذه العوائق على أنها جزء من الحياة ماعدا سفينة تقليل الفاقد. إننا لن ندور حول العائق لأنه عائق طبيعي ولن نقبل بحدوث اختناقات وأوقات انتظار طويلة نتيجة لهذا العائق. سنتخلص من “كل” الصخور حتى يكون المجرى بلا عوائق. سياسة تقليل الفاقد لا تتقبل الفواقد التي اعتاد الجميع على تقبلها مثل الوقت الكبير الذي نستهلكه لبداية الإنتاج أو للتغيير من منتج لآخر والأوقات الكبيرة التي تضيع في نقل المنتج من مكان لآخر وأوقات الانتظار الطويلة من مرحلة إنتاج لأخرى. سياسة تقليل الفاقد تعني التخلص من كل الفواقد.
إذن فسفينة تقليل الفاقد تحتاج لأنظمة للتخلص من هذه الصخور والنباتات والعوائق. هل يستطيع القبطان ومساعديه أن يفعلوا ذلك؟ هل يرى القبطان ومساعديه كل العوائق؟ هل يروا جذورها؟ هل يفهم القبطان كيف يقتلع كل هذه النباتات من جذورها؟ لعله يفهم جيدا كيف يقود سفينة ولكنه لا يعرف الصخور وكيفية تحريكها ولا يعرف النباتات وكيفية اقتلاعها. إذن فلابد من تضافر جهود القبطان ومساعديه مع البحارين من العمالة البسيطة التي سترى الصخور وتستطيع تحريكها وتستطيع اقتلاع النباتات من جذورها. فجميع المستويات الإدارية تتعاون لحل المشاكل بما في ذلك أدنى المستويات الإدارية من مشغلين وميكانيكيين. وجميع الأقسام تتعاون فلابد من تعاون المشغلين والمسئولين عن الصيانة والمسئولين عن عملية الإمداد والمسئولين عن البيع لحل المشاكل.
كذلك فإنه لا يمكن تكليف كل بحار بإزالة أي صخرة وحده ولكن لابد من تعاون كل البحارين عند إزالة أي صخرة. سياسة تقليل الفاقد تعتمد على روح الفريق العالية جدا. بل إن المُشغل المسئول عن مرحلة إنتاج سيتعاون لحل أي مشكلة في أي مرحلة إنتاج أخرى يحدث بها مشكلة. فالسفينة إن تعرضت للانهيار في جزء منها فإن كل البحارين سيتجهون لإصلاح هذا الجزء وإلا غرقوا جميعا. كذلك فإنه عند تطبيق سياسة تقليل الفاقد فإن توقف مرحلة إنتاج يُهدد بإيقاف كل المراحل لأن المخزون من المنتجات نصف المصنعة بين مراحل الإنتاج هو مخزون محدود جدا سينفد سريعا.
ولكن ماذا لو تم التخلص من هذه الصخور ثم قام المقيمون حول المجرى المائي بإلقاء مخلفات فيه؟ إذن فلابد من تعاون السفينة مع المسؤولين عن المجرى المائي والمقيمين حوله لمنع تراكم المخلفات والصخور. سياسة تقليل الفاقد ترتكز على التعاون بين المؤسسة ومورديها تعاونا متميزا جدا. فالموردون يلبون طلبات المؤسسة من مواد خام ومستلزمات إنتاج بسرعة فائقة بحيث لا تحتاج المؤسسة للاحتفاظ بمخزون كبير من هذه المواد. والموردون يتعاونون مع المؤسسة في حل مشاكل التصنيع وذلك بتوريد مواد أكثر مناسبة وأعلى جودة. ولا يتوقف الأمر عند ذلك بل الموردون يشتركون مع المؤسسة في تطوير منتجاتها. والمؤسسة كذلك تساعد الموردين في تطوير أنفسهم وتطالبهم بأنظمة جيدة في العمل لكي تضمن حصولها المستمر على مستويات عالية من الجودة.
في النهاية فإن الماء سيجري بسرعة وتسير سفينة تقليل الفاقد بسلام بلا عوائق. سياسة تقليل الفاقد تهدف لأن يسير الإنتاج بمثل سلاسة سريان الماء في هذا المجرى النظيف وأن تبحر المواد من مرحلة إنتاج إلى أخرى كما تبحر هذه السفينة بلا توقف. سفينة تقليل الفاقد ستصبح سريعة وقادرة على تلبية احتياجات الركاب بسرعة وقادرة على مسارها بسرعة. سياسة تقليل الفاقد ستجعلنا قادرين على تلبية احتياجات العملاء بسرعة فلن نرغمهم على شراء مخزوننا ولكننا سننتج ما يحتاجونه وبسرعة.
هذه هي فلسلفة سياسة تقليل الفاقد بشكل مبسط. هذه الفلسفة تحتاج لأنظمة عديدة للتخلص من الفواقد المختلفة. لذلك فإن سياسة تقليل الفاقد تتكون من عدة أنظمة نتناولها في المقالات التالية إن شاء الله.
يمكنك الاطلاع على شرح شركة تويوتا نفسها لهذا النظام:
Toyota Production System