خلايا التصنيع Manufacturing Cells:\
خلايا التصنيع هي أسلوب لتنظيم العمل وتخطيط المصانع، ويهدف هذا الأسلوب إلى تقليل الفواقد وبناء نظام سحب الإنتاج Pull Production بحيث يتم تقليل المخزون بين مراحل الإنتاج وبحيث تسير المادة الخام من المرحلة الأولى إلى الأخيرة كما تسير المياه في خطوط الأنابيب أي أنه لا يوجد مخزون كبير بين كل مرحلة والتي تليها. وهذا الأسلوب أثبت نجاحه وصار يطبق في شركات عالمية كثيرة.
ما هي فكرة خلايا التصنيع؟ الفكرة هي تحويل المصنع إلى مجموعة من الخلايا الصغيرة بحيث تقوم كل خلية بعمل متكامل. فبدلا من تقسيم المصنع إلى وحدات حسب وظيفة كل آلة مثل تقسيم المصنع إلى قسم التقطيع، قسم اللحام، قسم الدهان، قسم الاختبار، قسم التغليف، فإنه يتم تكوين خلايا صغيرة تقوم كل منها بعدة خطوات مختلفة مثل التقطيع واللحام والدهان والاختبار وبحيث تقوم الخلية بإنتاج منتج كامل أو إحدى المكونات الرئيسية للمنتج النهائي. أي أن كل خلية هي مصنع صغير يعمل في كل منها فرد واحد أو بضعة أفراد يقومون بمهام متنوعة.
انظر إلى الشكل أعلاه، أليس شكلا مألوفا: المعدات مقسمة حسب وظيفتها، كميات من المواد الخام والمواد نصف المصنعة مخزنة قبل كل مرحلة، معدات نقل تنقل كميات كبيرة من هذه المواد من قسم لقسم، وفي النهاية ننتج ثلاث منتجات والتي هي مبينة يألوان مختلفة. كيف نحوِّل هذا المصنع إلى خلايا التصنيع؟ وماذا سنجني من وراء ذلك؟ الشكل أدناه يبين كيفية إنتاج نفس المنتجات ولكن من خلال خلايا التصنيع.
لقد خصصنا خلية لكل منتج من المنتجات الثلاثة بحيث تحتوي كل خلية على الماكينات التي يحتاجها ذلك المنتج، ويعمل في كل خلية فرد أو مجموعة أفراد حسب الحاجة، وقد رتبنا الماكينات داخل الخلية حسب خطوات الإنتاج وتم وضعها على شكل مربع مفتوح الضلع الرابع أي على شكل حرف U وذلك لتقليل المسافات التي يقطعها العامل بين الماكينات. لاحظ أن عمليات النقل والتخزين شبه منعدمة فالقطعة الأولى من المادة الخام تدخل الماكينة الأولى في الخلية ثم تخرج لتدخل الثانية مباشرة بدون تخزين أونقل وهكذا. لاحظ أيضا أن كل مجموعة تعمل في خلية تشعر أنها مسئولة عن مصنع صغير جدا وبالتالي عن جودة المنتج وسرعة الاستجابة والتعامل مع المشاكل. من الأمور الواضحة أن خلايا التصنيع تتسم بالبساطة فالمسارات واضحة والمسافات قصيرة والمسئوليات محددة.
ما فائدة هذا الأسلوب؟ هذه الطريقة لها فوائد عديدة منها:
1- تقليل الفاقد في نقل المواد فمحطات التصنيع أو الآلات قريبة جدا من بعضها البعض بترتيب خطوات التصنيع، فالمادة الخام أو المنتج نصف المصنع يخرج من هذه الآلة ليدخل في التي تليها. بهذا نكون قد تخلصنا من عمليات النقل من قسم لآخر، ونكون قد تغلبنا على الحاجة لتخزين المنتج نصف المصنع حتى يتم نقله مع كمية كبيرة كما هو الحال عندما نستخدم معدات لنقل الخامات أو المنتجات من قسم لآخر. وهذا يعني أننا عجَّلنا العملية الإنتاجية أي أن الزمن من بداية دخول الخامة للتصنيع وحتى الوصول إلى المنتج النهائي قد انخفض.
2- تقليل المخزون من المنتجات نصف المصنعة وذلك لأن المادة الخام تدخل أول مرحلة إنتاج فتخرج منها لتدخل في التي تليها، فليس هناك حاجة لتخزين كميات كبيرة من المنتجات نصف المصنعة. والتخلص من المخزون هو هدف ووسيلة فهو هدف لأن المخزون يعني أموالا راكدة والأهم من ذلك أنه وسيلة لأهداف كثيرة منها إظهار المشاكل وتحسين الجودة فالمخزون الكبير يساعد على إخفاء المشاكل لأننا لو وجدنا عيبا في قطعة فسنتركها ونأخذ غيرها، وبالتالي فلن نهتم بحل مشاكل الجودة بعكس ما يحدث في خلايا التصنيع حيث العيب في قطعة واحدة يعني توقف الخلية وهذا يعني أننا سنكون حريصين جدا على عدم حدوث أي خطأ. وتقليل المخزون بين مراحل الإنتاج يساعد على اكتشاف الأخطاء مبكرا فالخطأ سيظهر فورا في مرحلة الإنتاج التالية، بعكس الأسلوب التقليدي حيث ننتج مائة قطعة مثلا ثم ننقلها للمرحلة التالية في قسم آخر ثم بعد طول انتظار تبدأ اول قطعة في الدخول للمرحلة التالية فنكتشف عيبا قد تكرر في المائة قطعة وربما في القطع التي أنتجت أثناء انتظار هذه المائة للدخول للمرحلة الثانية.
3- تحفيز العاملين فالخلية تبدو كمصنع صغير والعاملون فيها هم مديرو هذا المصنع الصغير وهم مسئولون عن إنتاجه، وهذا شعور مختلف عن شعور العامل الذي يقوم بعملية صغيرة ومحدودة في كل المنتجات فهو مجرد ترس صغير في آلة كبيرة وهو غير مسئول عن المنتج النهائي وليس لديه حرية في التصرف. والتحفيز في خلايا التصنيع يأتي من قيام العامل بمهارات متنوعة فهو يقوم بتشغيل أكثر من آلة ويقوم ببعض الاختبارات وبدور إداري في تشغيل الخلية وكل هذا من أساليب التحفيز المعروفة.
4- تقليل وقت ضبط الماكينة لأن كل خلية تقم بتصنيع منتج واحد أو عدد من المنتجات المتشابهة، وبذلك فإنه ليس هناك حاجة لإحداث تغيير كبير في ضبط الماكينة من منتج لآخر. وخفض وقت ضبط الماكينة يعني تقليل الوقت المفقود في عمليات الضبط وزيادة مرونة المصنع لإنتاج أي منتج بسرعة وإمكانية إنتاج كميات قليلة من أي منتج دون الخوف من ضياع الوقت في عمليات الضبط الخاصة بهذا المنتج.
5- تحسين السلامة المهنية فعند العمل بهذا الأسلوب تكون العملية الإنتاجية بسيطة فلا يوجد أكوام من المخزون ولا توجد عمليات نقل معقدة فنحن نقوم بنقل قطعة أو بضع قطع بدلا من نقل مئات القطع.
6- تبسيط عملية التخطيط فتخطيط العملية الإنتاجية في النظام التقليدي معقدة فالقطعة الواحدة تمر على أقسام مختلفة والماكينة الواحدة تنتج قطعا مختلفة وهناك عمليات نقل وتداخلات ولذلك فإن جدولة الإنتاج تحتاج لقسم تخطيط مركزي. أما في خلايا التصنيع فإنه يمكن قياس سرعة الإنتاج في كل خلية ولا نحتاج لمن يخطط لنقل المنتجات نصف المصنعة من ماكينة لأخرى.
ومن خلال خلايا التصنيع تتحسن جودة الإنتاج وتتوفر لدينا مساحات فارغة كثيرة نتيجة لعدم الحاجة لكميات كبيرة من المخزون وللاستغناء عن الفراغات الكبيرة بين كل آلة وغيرها. وتطوير العملية الإنتاجية في خلايا التصنيع هو عمل مستمر يشارك فيه بالدور الأساسي فريق العمل في الخلية ويساعد على ذلك سهولة تحليل خطوات العمل في الخلية فأنت تدرس شيئا بسيطا واضحا في مكان محدود.
وإنشاء خلايا التصنيع يحتاج بعض الجهد في التخطيط والتحليل لتكوين خلايا مناسبة. فلو افترضنا أننا ننتج منتجات عديدة وكل منتج مكون من أجزاء كثيرة فإننا نبدأ بتحديد الأجزاء التي تحتاج عمليات تشغيل متشابهة بحيث تصلح لكي تنتج في نفس الخلية ويستخدم لذلك أساليب تعرف بتكنولوجيا المجموعة Group Technology حيث يتم تقسيم الأجزاء إلى مجموعات أو عائلات Families متشابهة. وهناك خطوة أخرى وهي تحديد عدد العاملين في كل خلية والأعمال التي يقوم بها كل فرد ويؤخذ في الاعتبار المحافظة على سريان المواد في الخلية دون تعطيل. وعمل هذه الخلايا يتطلب عمليات مستقرة أي قليلة المشاكل لأن أي مشكلة تعطل عمل الخلية. وكما ذكرت فإن فريق العمل في الخلية يعمل على حل المشاكل جذريا طبقا لثقافة نظام تويوتا الإنتاجي. وهذه مواضيع تحتاج لتفاصيل قد نتطرق إليها لا حقا إن شاء الله ولكن موضوعنا الأساسي في هذه المقالة هو خلايا الخدمات.
خلايا الخدمة Service Cells
خلايا الخدمة هي تطبيق لفكرة خلايا التصنيع في مجال الخدمات. ما هي خلية الخدمة؟ خلية الخدمة تتكون من مجموعة خطوات لتقديم الخدمة، ويعمل في هذه الخلية شخص أو مجموعة أفراد بحيث تشغل الخلية حيزا محدودا، وبحيث تتدفق المكونات التي يتم التعامل معها من أوراق أو مواد أو عملاء بسهولة كسريان المياه في خطوط الأنابيب. خلايا الخدمة لها قيمة عظيمة في الخدمات التي تتكون من عدة خطوات، فبدلا من أن نجعل العميل يمر على الأقسام والمباني والأماكن المختلفة، فإننا ننشئ خلية خدمة مماثلة لخلية التصنيع بحيث يدخل العميل من الناحية اليمنى ويمر على الموظفين بالتسلسل ويخرج من الناحية الأخرى وقد حصل على الخدمة التي يريدها بدون مشقة انتقال وانتظار في عدة طوابير. ولا يشترط تواجد العميل في مقر الخدمة لكي ننشئ خلية خدمة بل إننا قد نستخدمها لتلبية طلبات العميل التي تتم في غيابه فنجعل الموظفين الذين يقومون بعمل ما يعملون في خلية واحدة لكي تتم الخدمة بسرعة وبجودة عالية.
الشكل أعلاه يوضح الشكل التقليدي للحصول على الخدمة حيث المربعات الزرقاء تمثل مكاتب أو مبانٍ منفصلة، والدوائر المرقمة تمثل خطوات الخدمة، والأسهم تبين المسارات من خطوة لأخرى. كما ترى فإن العملية معقدة جدا حتى أن العميل يخرج بعد جهد كبير ووقت طويل بائسا شاحب الوجه. ولكن يمكننا تحسين الخدمة كثيرا باستخدام خلايا الخدمة كما هو مبين في الشكل أدناه. لقد قمنا بخلق خلية خدمة تتكون من فرد من كل تخصص من هذه التخصصات المختلفة وجعلناهم يجلسون في مسار على شكل مربع مفتوح أو حرف U ورتبناهم بحيث يمر عليهم العميل واحدا تلو الآخر. بهذا أصبحت الخدمة بسيطة والخطوات واضحة والمسافات قليلة حتى أن العميل يخرج بعد وقت قصير سعيدا بهذه الخدمة. لاحظ أن العميل سينتظر في طابور واحد في بداية الخدمة ثم سينتقل بعد ذلك للمراحل التالية بدون انتظار في طابور آخر. ولتقليل طول الطابور في بداية الخلية فإننا نحاول جعل معدل تقديم الخدمة مساويا لمعدل طلب الخدمة فلو أردنا أن نزيد من سرعة الخلية للضعف فإننا نزيد من عدد الموظفين في كل محطة من محطات الخلية، وبالمحافظة على أسلوب محدد (نمطي) للعمل نستطيع المحافظة على سرعة تقديم الخدمة.
وهذه مجرد بداية فهناك الكثير من التحسينات التي يمكن أن ندخلها على العملية وأولها أن ندرب الموظفين على القيام بأكثر من عمل مما يساعد على تجنب الانتظار الطويل عند مرحلة ما من مراحل الخدمة، كما أننا قد نجد أن الموظف الواحد يمكن أن يقوم بخطوتين أو ثلاث خطوات بدلا من خطوة واحدة وهو ما يظهر في الشكل أدناه حيث يقوم موظف واحد بالخطوتين الأولى والثانية ويقوم موظف ثانٍ بالخطوتين الرابعة والخامسة وأما الموظف الثالث فيقوم بثلاث خطوات.
وأثناء دراستنا لخلية الخدمة قد نتوصل في بعض الأحيان إلى أن موظفا واحدا أو اثنين يمكن أن يقوموا بعمل الخلية كلها، وقد نكتشف بعض الخطوات الزائدة التي يمكن التخلص منها. ويتسم العمل في الخلية بروح الفريق فكل الموظفين العاملين في الخلية مسئولون عن راحة العميل وسرعة تقديم الخدمة بجودة عالية، فالأمر مختلف عن الحالة التقليدية حيث يقوم كل موظف بخطوة منفصلة من خطوات الخدمة ولا علم له بما يحدث للعميل بعد ذلك ولا يخصه -ولا يهمه- أن يسأل عن سرعة الخدمة ولا جودتها. أما في خلايا الخدمة فإن سرعة تقديم الخدمة تكون متاحة بصفة دائمة أمام العاملين من خلال أنظمة الحاسوب أو على سبورة في مقر الخدمة، فجو العمل هنا يتسم بالتحفيز وبالمسئولية. ويقوم فريق العمل في الخلية ببحث كل مشكلة وأي بطء أو خلل يظهر في تقديم الخدمة وذلك من خلال التفكير الجماعي والعميق والبحث عن الحلول الجذرية التي تجعل الخدمة تتم بسرعة وبسلاسة.
وقد نكتشف أننا بحاجة لخلية واحدة أو اثنتين أو أكثر بحسب طبيعة الخدمة واختلاف الخدمات المقدمة، فعلى سبيل المثال إذا كنا نتحدث عن استقبال الطلبة في العام الجامعي الجديد فإننا قد ننشئ خلية تتكون من عدة محطات، ففي المحطة الأولى يقوم الطالب بتسجيل اسمه وبعض البيانات، وفي المحطة التالية يستلم الطالب بعض المعلومات التي تخص مرحلته الدراسية وفي المحطة التالية يتسلم بعض الكتب أو الأدوات وفي المحطة الأخيرة يقوم ببعض الاختيارات، وقد نجد أن الطلبة الذين يلتحقون بالجامعة لأول مرة يمرون بخطوات أكثر وبالتالي فقد نقرر إنشاء خليتين واحدة للطلبة الجدد وواحدة لباقي الطلبة. ولو طبقنا هذا على استخراج رخص السيارات فإننا نحتاج عدة خلايا مثل: رخص سيارات خاصة، رخص سيارات أجرة، رخص سيارات نصف نقل، رخص سيارات نقل، بحيث تتكون كل خلية من كل الخطوات بما فيها ماكينة التصوير وشراء النموذج ودفع الضريبة والمخالفات إلى آخر ذلك.
كانت هذه مقدمة عن خلايا الخدمات وخلايا التصنيع وبمشيئة الله نتعرف لتفاصيل أكثر
في المقالات التالية.
من مراجع المقالة:
خلايا التصنيع هي أسلوب لتنظيم العمل وتخطيط المصانع، ويهدف هذا الأسلوب إلى تقليل الفواقد وبناء نظام سحب الإنتاج Pull Production بحيث يتم تقليل المخزون بين مراحل الإنتاج وبحيث تسير المادة الخام من المرحلة الأولى إلى الأخيرة كما تسير المياه في خطوط الأنابيب أي أنه لا يوجد مخزون كبير بين كل مرحلة والتي تليها. وهذا الأسلوب أثبت نجاحه وصار يطبق في شركات عالمية كثيرة.
ما هي فكرة خلايا التصنيع؟ الفكرة هي تحويل المصنع إلى مجموعة من الخلايا الصغيرة بحيث تقوم كل خلية بعمل متكامل. فبدلا من تقسيم المصنع إلى وحدات حسب وظيفة كل آلة مثل تقسيم المصنع إلى قسم التقطيع، قسم اللحام، قسم الدهان، قسم الاختبار، قسم التغليف، فإنه يتم تكوين خلايا صغيرة تقوم كل منها بعدة خطوات مختلفة مثل التقطيع واللحام والدهان والاختبار وبحيث تقوم الخلية بإنتاج منتج كامل أو إحدى المكونات الرئيسية للمنتج النهائي. أي أن كل خلية هي مصنع صغير يعمل في كل منها فرد واحد أو بضعة أفراد يقومون بمهام متنوعة.
انظر إلى الشكل أعلاه، أليس شكلا مألوفا: المعدات مقسمة حسب وظيفتها، كميات من المواد الخام والمواد نصف المصنعة مخزنة قبل كل مرحلة، معدات نقل تنقل كميات كبيرة من هذه المواد من قسم لقسم، وفي النهاية ننتج ثلاث منتجات والتي هي مبينة يألوان مختلفة. كيف نحوِّل هذا المصنع إلى خلايا التصنيع؟ وماذا سنجني من وراء ذلك؟ الشكل أدناه يبين كيفية إنتاج نفس المنتجات ولكن من خلال خلايا التصنيع.
لقد خصصنا خلية لكل منتج من المنتجات الثلاثة بحيث تحتوي كل خلية على الماكينات التي يحتاجها ذلك المنتج، ويعمل في كل خلية فرد أو مجموعة أفراد حسب الحاجة، وقد رتبنا الماكينات داخل الخلية حسب خطوات الإنتاج وتم وضعها على شكل مربع مفتوح الضلع الرابع أي على شكل حرف U وذلك لتقليل المسافات التي يقطعها العامل بين الماكينات. لاحظ أن عمليات النقل والتخزين شبه منعدمة فالقطعة الأولى من المادة الخام تدخل الماكينة الأولى في الخلية ثم تخرج لتدخل الثانية مباشرة بدون تخزين أونقل وهكذا. لاحظ أيضا أن كل مجموعة تعمل في خلية تشعر أنها مسئولة عن مصنع صغير جدا وبالتالي عن جودة المنتج وسرعة الاستجابة والتعامل مع المشاكل. من الأمور الواضحة أن خلايا التصنيع تتسم بالبساطة فالمسارات واضحة والمسافات قصيرة والمسئوليات محددة.
ما فائدة هذا الأسلوب؟ هذه الطريقة لها فوائد عديدة منها:
1- تقليل الفاقد في نقل المواد فمحطات التصنيع أو الآلات قريبة جدا من بعضها البعض بترتيب خطوات التصنيع، فالمادة الخام أو المنتج نصف المصنع يخرج من هذه الآلة ليدخل في التي تليها. بهذا نكون قد تخلصنا من عمليات النقل من قسم لآخر، ونكون قد تغلبنا على الحاجة لتخزين المنتج نصف المصنع حتى يتم نقله مع كمية كبيرة كما هو الحال عندما نستخدم معدات لنقل الخامات أو المنتجات من قسم لآخر. وهذا يعني أننا عجَّلنا العملية الإنتاجية أي أن الزمن من بداية دخول الخامة للتصنيع وحتى الوصول إلى المنتج النهائي قد انخفض.
2- تقليل المخزون من المنتجات نصف المصنعة وذلك لأن المادة الخام تدخل أول مرحلة إنتاج فتخرج منها لتدخل في التي تليها، فليس هناك حاجة لتخزين كميات كبيرة من المنتجات نصف المصنعة. والتخلص من المخزون هو هدف ووسيلة فهو هدف لأن المخزون يعني أموالا راكدة والأهم من ذلك أنه وسيلة لأهداف كثيرة منها إظهار المشاكل وتحسين الجودة فالمخزون الكبير يساعد على إخفاء المشاكل لأننا لو وجدنا عيبا في قطعة فسنتركها ونأخذ غيرها، وبالتالي فلن نهتم بحل مشاكل الجودة بعكس ما يحدث في خلايا التصنيع حيث العيب في قطعة واحدة يعني توقف الخلية وهذا يعني أننا سنكون حريصين جدا على عدم حدوث أي خطأ. وتقليل المخزون بين مراحل الإنتاج يساعد على اكتشاف الأخطاء مبكرا فالخطأ سيظهر فورا في مرحلة الإنتاج التالية، بعكس الأسلوب التقليدي حيث ننتج مائة قطعة مثلا ثم ننقلها للمرحلة التالية في قسم آخر ثم بعد طول انتظار تبدأ اول قطعة في الدخول للمرحلة التالية فنكتشف عيبا قد تكرر في المائة قطعة وربما في القطع التي أنتجت أثناء انتظار هذه المائة للدخول للمرحلة الثانية.
3- تحفيز العاملين فالخلية تبدو كمصنع صغير والعاملون فيها هم مديرو هذا المصنع الصغير وهم مسئولون عن إنتاجه، وهذا شعور مختلف عن شعور العامل الذي يقوم بعملية صغيرة ومحدودة في كل المنتجات فهو مجرد ترس صغير في آلة كبيرة وهو غير مسئول عن المنتج النهائي وليس لديه حرية في التصرف. والتحفيز في خلايا التصنيع يأتي من قيام العامل بمهارات متنوعة فهو يقوم بتشغيل أكثر من آلة ويقوم ببعض الاختبارات وبدور إداري في تشغيل الخلية وكل هذا من أساليب التحفيز المعروفة.
4- تقليل وقت ضبط الماكينة لأن كل خلية تقم بتصنيع منتج واحد أو عدد من المنتجات المتشابهة، وبذلك فإنه ليس هناك حاجة لإحداث تغيير كبير في ضبط الماكينة من منتج لآخر. وخفض وقت ضبط الماكينة يعني تقليل الوقت المفقود في عمليات الضبط وزيادة مرونة المصنع لإنتاج أي منتج بسرعة وإمكانية إنتاج كميات قليلة من أي منتج دون الخوف من ضياع الوقت في عمليات الضبط الخاصة بهذا المنتج.
5- تحسين السلامة المهنية فعند العمل بهذا الأسلوب تكون العملية الإنتاجية بسيطة فلا يوجد أكوام من المخزون ولا توجد عمليات نقل معقدة فنحن نقوم بنقل قطعة أو بضع قطع بدلا من نقل مئات القطع.
6- تبسيط عملية التخطيط فتخطيط العملية الإنتاجية في النظام التقليدي معقدة فالقطعة الواحدة تمر على أقسام مختلفة والماكينة الواحدة تنتج قطعا مختلفة وهناك عمليات نقل وتداخلات ولذلك فإن جدولة الإنتاج تحتاج لقسم تخطيط مركزي. أما في خلايا التصنيع فإنه يمكن قياس سرعة الإنتاج في كل خلية ولا نحتاج لمن يخطط لنقل المنتجات نصف المصنعة من ماكينة لأخرى.
ومن خلال خلايا التصنيع تتحسن جودة الإنتاج وتتوفر لدينا مساحات فارغة كثيرة نتيجة لعدم الحاجة لكميات كبيرة من المخزون وللاستغناء عن الفراغات الكبيرة بين كل آلة وغيرها. وتطوير العملية الإنتاجية في خلايا التصنيع هو عمل مستمر يشارك فيه بالدور الأساسي فريق العمل في الخلية ويساعد على ذلك سهولة تحليل خطوات العمل في الخلية فأنت تدرس شيئا بسيطا واضحا في مكان محدود.
وإنشاء خلايا التصنيع يحتاج بعض الجهد في التخطيط والتحليل لتكوين خلايا مناسبة. فلو افترضنا أننا ننتج منتجات عديدة وكل منتج مكون من أجزاء كثيرة فإننا نبدأ بتحديد الأجزاء التي تحتاج عمليات تشغيل متشابهة بحيث تصلح لكي تنتج في نفس الخلية ويستخدم لذلك أساليب تعرف بتكنولوجيا المجموعة Group Technology حيث يتم تقسيم الأجزاء إلى مجموعات أو عائلات Families متشابهة. وهناك خطوة أخرى وهي تحديد عدد العاملين في كل خلية والأعمال التي يقوم بها كل فرد ويؤخذ في الاعتبار المحافظة على سريان المواد في الخلية دون تعطيل. وعمل هذه الخلايا يتطلب عمليات مستقرة أي قليلة المشاكل لأن أي مشكلة تعطل عمل الخلية. وكما ذكرت فإن فريق العمل في الخلية يعمل على حل المشاكل جذريا طبقا لثقافة نظام تويوتا الإنتاجي. وهذه مواضيع تحتاج لتفاصيل قد نتطرق إليها لا حقا إن شاء الله ولكن موضوعنا الأساسي في هذه المقالة هو خلايا الخدمات.
خلايا الخدمة Service Cells
خلايا الخدمة هي تطبيق لفكرة خلايا التصنيع في مجال الخدمات. ما هي خلية الخدمة؟ خلية الخدمة تتكون من مجموعة خطوات لتقديم الخدمة، ويعمل في هذه الخلية شخص أو مجموعة أفراد بحيث تشغل الخلية حيزا محدودا، وبحيث تتدفق المكونات التي يتم التعامل معها من أوراق أو مواد أو عملاء بسهولة كسريان المياه في خطوط الأنابيب. خلايا الخدمة لها قيمة عظيمة في الخدمات التي تتكون من عدة خطوات، فبدلا من أن نجعل العميل يمر على الأقسام والمباني والأماكن المختلفة، فإننا ننشئ خلية خدمة مماثلة لخلية التصنيع بحيث يدخل العميل من الناحية اليمنى ويمر على الموظفين بالتسلسل ويخرج من الناحية الأخرى وقد حصل على الخدمة التي يريدها بدون مشقة انتقال وانتظار في عدة طوابير. ولا يشترط تواجد العميل في مقر الخدمة لكي ننشئ خلية خدمة بل إننا قد نستخدمها لتلبية طلبات العميل التي تتم في غيابه فنجعل الموظفين الذين يقومون بعمل ما يعملون في خلية واحدة لكي تتم الخدمة بسرعة وبجودة عالية.
الشكل أعلاه يوضح الشكل التقليدي للحصول على الخدمة حيث المربعات الزرقاء تمثل مكاتب أو مبانٍ منفصلة، والدوائر المرقمة تمثل خطوات الخدمة، والأسهم تبين المسارات من خطوة لأخرى. كما ترى فإن العملية معقدة جدا حتى أن العميل يخرج بعد جهد كبير ووقت طويل بائسا شاحب الوجه. ولكن يمكننا تحسين الخدمة كثيرا باستخدام خلايا الخدمة كما هو مبين في الشكل أدناه. لقد قمنا بخلق خلية خدمة تتكون من فرد من كل تخصص من هذه التخصصات المختلفة وجعلناهم يجلسون في مسار على شكل مربع مفتوح أو حرف U ورتبناهم بحيث يمر عليهم العميل واحدا تلو الآخر. بهذا أصبحت الخدمة بسيطة والخطوات واضحة والمسافات قليلة حتى أن العميل يخرج بعد وقت قصير سعيدا بهذه الخدمة. لاحظ أن العميل سينتظر في طابور واحد في بداية الخدمة ثم سينتقل بعد ذلك للمراحل التالية بدون انتظار في طابور آخر. ولتقليل طول الطابور في بداية الخلية فإننا نحاول جعل معدل تقديم الخدمة مساويا لمعدل طلب الخدمة فلو أردنا أن نزيد من سرعة الخلية للضعف فإننا نزيد من عدد الموظفين في كل محطة من محطات الخلية، وبالمحافظة على أسلوب محدد (نمطي) للعمل نستطيع المحافظة على سرعة تقديم الخدمة.
وهذه مجرد بداية فهناك الكثير من التحسينات التي يمكن أن ندخلها على العملية وأولها أن ندرب الموظفين على القيام بأكثر من عمل مما يساعد على تجنب الانتظار الطويل عند مرحلة ما من مراحل الخدمة، كما أننا قد نجد أن الموظف الواحد يمكن أن يقوم بخطوتين أو ثلاث خطوات بدلا من خطوة واحدة وهو ما يظهر في الشكل أدناه حيث يقوم موظف واحد بالخطوتين الأولى والثانية ويقوم موظف ثانٍ بالخطوتين الرابعة والخامسة وأما الموظف الثالث فيقوم بثلاث خطوات.
وأثناء دراستنا لخلية الخدمة قد نتوصل في بعض الأحيان إلى أن موظفا واحدا أو اثنين يمكن أن يقوموا بعمل الخلية كلها، وقد نكتشف بعض الخطوات الزائدة التي يمكن التخلص منها. ويتسم العمل في الخلية بروح الفريق فكل الموظفين العاملين في الخلية مسئولون عن راحة العميل وسرعة تقديم الخدمة بجودة عالية، فالأمر مختلف عن الحالة التقليدية حيث يقوم كل موظف بخطوة منفصلة من خطوات الخدمة ولا علم له بما يحدث للعميل بعد ذلك ولا يخصه -ولا يهمه- أن يسأل عن سرعة الخدمة ولا جودتها. أما في خلايا الخدمة فإن سرعة تقديم الخدمة تكون متاحة بصفة دائمة أمام العاملين من خلال أنظمة الحاسوب أو على سبورة في مقر الخدمة، فجو العمل هنا يتسم بالتحفيز وبالمسئولية. ويقوم فريق العمل في الخلية ببحث كل مشكلة وأي بطء أو خلل يظهر في تقديم الخدمة وذلك من خلال التفكير الجماعي والعميق والبحث عن الحلول الجذرية التي تجعل الخدمة تتم بسرعة وبسلاسة.
وقد نكتشف أننا بحاجة لخلية واحدة أو اثنتين أو أكثر بحسب طبيعة الخدمة واختلاف الخدمات المقدمة، فعلى سبيل المثال إذا كنا نتحدث عن استقبال الطلبة في العام الجامعي الجديد فإننا قد ننشئ خلية تتكون من عدة محطات، ففي المحطة الأولى يقوم الطالب بتسجيل اسمه وبعض البيانات، وفي المحطة التالية يستلم الطالب بعض المعلومات التي تخص مرحلته الدراسية وفي المحطة التالية يتسلم بعض الكتب أو الأدوات وفي المحطة الأخيرة يقوم ببعض الاختيارات، وقد نجد أن الطلبة الذين يلتحقون بالجامعة لأول مرة يمرون بخطوات أكثر وبالتالي فقد نقرر إنشاء خليتين واحدة للطلبة الجدد وواحدة لباقي الطلبة. ولو طبقنا هذا على استخراج رخص السيارات فإننا نحتاج عدة خلايا مثل: رخص سيارات خاصة، رخص سيارات أجرة، رخص سيارات نصف نقل، رخص سيارات نقل، بحيث تتكون كل خلية من كل الخطوات بما فيها ماكينة التصوير وشراء النموذج ودفع الضريبة والمخالفات إلى آخر ذلك.
وقد يتبادر لذهنك أن تطبيق خلايا الخدمات يعني زيادة عدد الموظفين ولكن في الواقع قد لا نحتاج لزيادة عدد الموظفين لعدة أسباب. أولا: في النظام التقليدي ستجد أن أكثر من موظف يقومون بنفس العمل وبالتالي فعندما ننشئ خلايا الخدمة سنأخذ واحدا في هذه الخلية وواحدا في هذه الخلية وهكذا. ثانيا: عملية تدريب الموظف على القيام بأكثر من عمل تؤدي لزيادة إنتاجيته وبالتالي فقد نحتاج لعمالة أقل فالموظف الواحد قد يقوم بعمل اثنين أو ثلاثة. ثالثا: بما أننا ننشئ الخلية لتقوم بعمل واحد أو أعمال متقاربة جدا فإن الموظف يتعامل مع حالات متشابهة فلا يتشتت تركيزه ولا يضيع وقته في البحث عن نماذج مختلفة أو الدخول في مواضيع مختلفة وهذا مما يؤدي لزيادة إنتاجيته. وفي النهاية فلو احتجنا لزيادة موظف أو إضافة ماكينة تصوير من أجل تحسين الخدمة فإن هذا أمر مقبول جدا. وفي بعض الخدمات – كما في بعض خلايا التصنيع - قد تكون بعض الأدوات أو الماكينات المكلفة جدا مشتركة بين خليتين بحيث توضع في نقطة مشتركة بين الخليتين.
كانت هذه مقدمة عن خلايا الخدمات وخلايا التصنيع وبمشيئة الله نتعرف لتفاصيل أكثر
في المقالات التالية.
من مراجع المقالة:
Operations Management for MBA’s, J. Meredith & S. Shafer, Wiley, 1999
The Toyota Way, J. Liker, McGraw Hill, 2004