ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ




    عــن أبي سعيد رضي الله عنه قال قال رسول

    الله صلّى الله عليه وسلم :



    "ومن يستعفف يُعفّه الله ومن يستغن يُغنه الله ومن يَتَصَبَّر يُصّبِّره

    الله وما أعطِيَ أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر" رواه البخاري


    هـذا الحديث اشتمل عــلى أربع جمل جامعــة نافعة:


    إحداها:

    قوله"ومن يستعفف يعفه الله"

    والثانية : قـوله " ومــــن يستغن يغنه الله "

    وهاتان الجملتان متلازمتان، فإن كمال العبـد فـي إخلاصه لله رغبة ورهبة وتعلقـاً به دون المخلوقين ، فعلـيه أن يسعى لتحقيق هــــــذا الكمال ويعمل كـل سبب يوصله إلى ذلك حتى يكون عبداً لله حقاً حُرّاً من رق المخلوقين .

    وذلك بأن يجاهد نفسه على أمرين:

    انصرافهم عــن التعلق بالمخلوقين بالاستعفاف عما في أيديهم .

    فلا يطلبه بمقاله ولا بلسان حاله .

    ولهذا قال صلّى الله عليه وسلم لعمر :

    "ما جاءك مـن هذا المــال وأنت غيـــر مشرف ولا سائل

    فخذه . ومالا فلا تتبعه نفسَك " رواه مسلم ،

    فقطع الإشراف فـي القلب والسؤال باللسان ،

    تعففاً وترفعاً عــن مِنن الخـلق وعـــن تعلق القلب بهم ، سبب قوي لحصول العفة.

    وتمــام ذلك : أن يجــاهـد نفسه عــلى الأمــر

    الثاني : وهو الاستغناء بالله والثقة بكفايته،

    فإنه من يتوكـل على الله فهو حسبه . وهذا

    هو المقصود . والأول وسيلة إلى هذا.

    فإن مـن استعف عما في أيدي الناس وعمـــا

    يناله منهـم : أوجب لـــه ذلك أن يقوى تعلقه

    بالله ورجاؤه وطمعه فـي فضل الله وإحسانه،

    ويحسن ظنه وثقته بربه .

    والله تعــالى عنـد حسن ظـن عبده بـه إن ظن خيـراً فلـه ،

    وإن ظـن غيـره فله . وكل واحد من الأمريـن يمـد

    الآخـر فيقـويه . فكلما قوي تعلقه بالله ضعف

    تعلقـه بالمخلوقين وبالعكس .

    ومــن دعـــاء النبي صلّى الله عليه وسلم

    " اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى " رواه مسلـم



    فجمــع الخير كلـه في هذا الدعاء .

    فالهدى : هــو العلـم النافع .

    والتقى : العمل الصالــح،

    وتــرك المحرمات كلها . هـذا صلاح الديــن.

    وتمام ذلك بصلاح القلب وطمأنينته بالعفاف

    عن الخلق والغنى بالله.

    ومن كان غنياً بالله فهو الغنـي حقاً ، وإن قلت حواصله .

    فـليـس الغنى عــن كثـرة العَرَض إنمــا الغنى

    غنى القلب .وبالعفاف والغنى يتم للعبد الحياة

    الطيبة والنعيم الدنيوي والقناعة بما آتاه الله.


    والثالثة : قوله : "ومن يتصبر يصبـــره الله " .

    ثـم ذكـر في الجملة الـــرابعة : أن الصبر إذا أعطاه الله العبد فهــو أفضل العطاء

    وأوسعه وأعظمه ، إعانة على الأمور .

    قـال تعـالى :

    ( وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ ) البقرة ,

    أي: علـى أموركم كلها .

    والصبر كسائر الأخلاق يحتاج إلى مجاهدة للنفس وتمرينها .

    فلهـذا قال " ومن يتصبر " أي : يجاهد نفسه على الصبر

    " يصبره الله " ويعينه وإنمـــا كــان الصبر أعظـــم العطايا ،

    لأنـه يتعلق بجميـع أمـور العبد وكمالاته وكــل حالة من أحواله

    تحتاج إلى صبر . فـإنـه يحتاج إلــى الصبر

    على طاعة الله ، حتى يقوم بها ويؤديها .

    وإلـى صبر عــن معصية الله حتـى يتركها لله

    وإلـى صــبــر عــلى أقدار الله المؤلمة ،

    فــلا يتسخطها . بــل إلــى صبــر عــلـى نعــم الله

    ومحبوبات النفس ، فـلا يـــدع النـفس تمرح

    وتفرح الفرح المذموم، بل يشتغل بشكر الله،

    فهو في كل أحواله يحتاج إلى الصبر .

    وبالصبر ينال الفلاح . ولهــذا ذكـر الله أهــل


    الجنـة فـقــال : ( وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن
    كُلِّ بَابٍ ، سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى
    الدَّارِ )

    وكــذلك قـولـه ( أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَـا صَبَرُوا ) ,

    فهــم نـالوا الجنة بنعيمها ، وأدركوا المنازل العالية بالصبر .

    ولكن العبد يسأل الله العافية من الابتلاء الذيلا يدري ما عاقبته ،

    ثم إذا ورد عليه فوظيفتهالصبر .

    فالعافية هي المطلوبة بالأصالة فــي

    أمور الابتلاء و الامتحان .

    و الصبر يؤمر به عند وجود أسبابه ومتعلقاته والله هو المعين

    وقد وعد الله الصابرين في كتابه وعلى لسان

    رسوله أمور عالية جليلة . وعدهــم بالإعانة

    فـي كل أمورهم وأنه معهم بالعناية والتوفيق

    و التسديد و أنــه يحبهــم ويثبـت قــلـوبـهــم

    وأقدامهم ويلقي عليهم السكينة والطمأنينة ،

    ويسـهــل لهـــم الطاعات ، ويحفظـهـــم مــن

    المخالفات ، ويتـفـضــل عــلـيهــم بالصلوات

    والرحمــة والهــدايـة عنــد المصيبات .

    والله يرفعهـــم إلـــى أعــلى المقامات فــي الدنيـــا والآخـرة .

    وعدهم النـــصــر ، و أن ييسرهم لليسرى ويجنبهم العسرى

    ووعدهم بالسعادة والفلاح والنجاح ، وأن يوفيهم أجرهم بغيـر حساب ،

    وأن يخلف عليهم في الدنيا أكثر مما أخذ منهم من محبوباتهم و أحسن ،

    يعوضهم عن وقوع المكروهات عوضـــا عاجلا يقابل

    أضعاف أضعاف مـا وقــع عليهم من كريهة

    و مصيبة وهو فــي ابتدائه صعــب شديد .

    وفي انتهائه سهل حميد العــواقـب .



    " بهجــة قلـوب الأبـرار وقرة عيون الأخيار في شرح


    جوامع الأخبار"للشيخ عبد الرحمن السعدي "

المواضيع ذات الصلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
أنشئ بواسطة HaMooooDi, 03-18-2024, 06:50 PM
ردود 0
28 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة HaMooooDi
بواسطة HaMooooDi
 
أنشئ بواسطة HaMooooDi, 03-13-2024, 11:08 AM
ردود 0
7 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة HaMooooDi
بواسطة HaMooooDi
 
أنشئ بواسطة HaMooooDi, 03-09-2024, 03:36 PM
ردود 0
23 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة HaMooooDi
بواسطة HaMooooDi
 
أنشئ بواسطة HaMooooDi, 05-16-2023, 12:41 AM
ردود 8
115 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة HeaD Master
بواسطة HeaD Master
 
يعمل...
X