تُقلّب الحصى بين كفيها وتتأمل صفاء السماء
" ما بالهم تأخروا عن موعدهم ؟! "
رغم أنها لا ترتدي ساعة اليد ، إلا أنها أصبحت تمتلك ساعةً فطرية منذ أن أعلنت الاستغناء عن التكرونيات الحياة . وحسبما يشير الجو ودرجة هبوب الرياح فإن موعد عودتهم من المدرسة ينبغي أن يكون الآن ، أتراهم ضلّوا الطريق ؟ أم أن مطاردتها لم تعد ممتعةً لهم ؟!
توشك على ترك الحصى يتساقط تدريجياً من يديها ، فإذا بها تسمع أشباه خطوات ، تُحكم عندها قبضة كفها مانعةً الحصى من التساقط . تبدأ الخطوات تقترب وتزداد شدة فيزداد ارتفاع مستوى الادرينالين لديها استعداداً للمواجهة القادمة .
تماماً كما اعتادت ، يتقدمهم حسن بعينيه المشاكستين وطوله الفارع الذي اكسبه زعامةً بين أقرانه الصغار ، فيكون الأول من بينهم من يلاحظ وجودها .
يشع وجهه بهجةً وابتسامة يطوفها بعض المكر ترتسم على شفتيه .
" محمد ، علي ، ميّا المجنونة ، ميّا المجنونة ! "
يلتفت إليهم بحركةٍ سريعة ويشير بإصابعه إليها وكأنه يرجوها الالتزام مكانها حتى يتسنى لندائه أن يصل إلى جميع الأطفال .
وبرشاقة المتدّرب ، يتسارع الصبية إلى امتلاك أكبر كمٍ من الحصى وتخزينه في جيوب ملابسهم وبين أحذيتهم ، والبعض منهم يستعين بالدشداشة لتكون كالكيس ، يرفعها إلى أعلى ركبتيه ويستعملها مخزناً للحصى ،
ويبدأ التراشق !
ميّا المجنونه
ميّا المجنونه
ميّا المجنونه !
يتحد عندها عمل اللسان مع اليد ، ذلك يصرخ بأعلى صوته ليشتعل الحماس ، وتلك لا تكف عن رشق الحصى على الهدف .
كم كانت تمقت مشاكساتهم هذه ! خاصةً بعدما أصبحت رسمياً في عرف المجتمع " مجنونة " . احتاجت لغير قليلٍ من الوقت حتى تعتاد هذه النظرة الدونية من أقاربها وأهل قريتها . أما الآن ، فهي تجد في هذه المشاكسات متعتها ، حتى وإن كان العبوس لا يفارق وجهها .
" يا أولاد ! ما مليتوا من هالحركات ؟ عيب عليكم ! "
يتوقف سيل الحصى الذي كانت تحتمي بذراعيّها منه . يمسك بالطرف الخلفي من دشداشة حسن ويرفعه قليلاً عن الأرض ، يؤنبه بصوتٍ مسموع ليصل إلى الجميع :
" كل هالبلاوي تجي منك ، إن شفتك أنت وهالصيصان تضايقوا ميّا بتحاسب معك في البيت ، ومع أبوك ! "
كان للتهديد بالأب مفعول السحر ، فانفضوا جميعا وكأن المعركة السابقة كانت سراباً .
تقف مشدوهةً وهي تقابله وجهاً لوجه . رغم أنه أضاع عليها تسليتها الوحيدة ، إلا أن حضوره دائماً ما يبعثرها .
لم يكن طارق يلتفت إلى وجودها قبل وفاة أمها ، وهي التي لم تملّ مراقبته كيفما استطاعت . كانت تجد متعتها العظمى وهي تقضي الساعات أمام نافذتها التي تطل على غرفته ، حتى باتت تحفظ غيباً موعد استذكار دروسه ، موعد نومه واستيقاظه ، والأهم موعد خروجه من المنزل ، ذلك الذي حرصت على أن يتفق مع موعد خروجها هي إلى المدرسة .
يتقدم إليها بخطواتٍ بطيئة ، تكاد تفر منه خشية أن لا تحتمل قدماها ثقل جسدها المرتعش فتسقط أمامه ، حينها سيجد أهل القرية حديثاً ساخناً يقضون به وقت فراغهم . ولكنها تقرر الثبات ، فمنذ أن صُكّت بختم الجنون وهي ثابتة أبداً ، لا تهرب ، بل يُهربُ منها !
يبتسم إليها ابتسامة مميزة كادت أن تنسى وجودها ، ابتسامة صافية نقية ، تخلو من السخرية والشفقة ، ابتسامة كادت أن تنقل إليها العدوى وهي التي خاصمت الابتسام منذ زمن .
" كيفك ميّا ؟! "
ينظر إليها بثبات . يأخذها بريق عينيه إلى أعماقٍ ساحقة ، تتمنى لو أنه يكرر اسمها مجدداً لتتلذذ بسماعه ، فهو الوحيد الذي يناديها باسمها دون أن يبصمه بالجنون .
تنتبه إلى أنها تنظر إليه ببلاهة كمن أُخرس بصفعة ! تحاول أن تخلق ردة فعلٍ تؤكد له فيها أنها ليست كما يظنون ، لكنه يقاطعها بابتسامةٍ أكثر اتساعاً واشراقاً وكأنه توقع أنه لن يحصل على جوابٍ لسؤاله ، يمر بمحاذاتها ويقفل راجعاً إلى منزله .
تلتفت إلى انعكاس صورتها على مياه الفلج ، وتتمنى لأول مرةٍ أن تعود صورة "ميا" السابقة . أن تستبدل ملابسها المرقعة والمتسخة هذه بتلك التي كانت تتجدد اشراقاً ونظافة ، أن تزول صفرة وجهها وجحوظ عينيها لتعود بشرتها البيضاء النضرة وعينيها الكحيلتين ، وتلملم أطراف شعرها الاسود الكالح فتغطيه بترتيبٍ بدل تركه أشعثاً مغبراً وملجأً للحشرات التائهة .
لكنها كانت كذلك ، ولم يلتفت إليها !
تُراه مظهرها هذا جعله ينتبه إلى وجودها ؟!!
***
كانت قد عادت لتوّها من المدرسة وسيما الجدّ على محياها . هذه سنة فاصلة ، بيتهم لا يحتمل فشلاً جديداً ، لا يتسع لجثةٍ أخرى تقعد بلا حراك .
ربما لهذا أرادت أمها ذلك الصباح افساح المجال للتوسيع عليهم ، فأسلمت روحها إلى البارئ .
في ذلك الموقف وجدت أن البكاء لا يخدمها ، بل الصمت !
الصمت فالصمت ، ظلّت صامته حتى ظنوا أن الصدمة أبكمتها أبداً ، لكنها بدأت تتحدث تدريجياً ، مع أمها !
نعم مع أمها . ما ذنبها إن كانت الوحيدة التي تراها ؟ هل تتجاهل وجودها إلى جانبها بدعوى أنها ميتة ؟!
كانت تحادثها بإسهاب ، تحكي لها ما تمر به من مواقف ، تعاتبها أحياناً وتصرخ في وجهها أحياناً أخرى ، وقد تغني لها أو معها . لم تكن لتأبه بنظرات أخوتها المستنكرة ولم تتوقف عن مجالسة أمها وإن كانت بينهم . حتى بدأت تنتبه إلى نظرات الجيران المستطلعة ، والتي أمتدت إلى الأقارب فأهل القرية أجمعين . النظرات تطورت إلى همسات تعلو تدريجياً كلما مرت بمحاذاتهم .
لم تطق صبراً ! فقررت إعلان تمردها ، ولم تجد أفضل من رشق الحصى وسيلة لتفريغ غضبها ، لا تميز في ذلك صغيراً ولا كبيراً .
ومنذ ذلك الوقت ، أصبحت " ميّا المجنونة " معلَم الحارة .
***
استفاقت من خواطرها على وقع خطواته ، لا بد أنه هو ، فهي لا تخطئه أبداً . تركت الحصى الذي أصبح رفيقها الدائم جانباً وحاولت عبثاً تعديل هندامها ، لا الشعر قابلٌ للتمشيط ولا الملابس تطاوعها بالإكتواء ، رفعت رأسها خشية أن يضيع أثره ، فوجدته يتأملها بابتسامته . ارتعشت اطرافها وتجمدت في مكانها .
" لن أصمت هذه المرة ، عليّ أن أحادثه "
شجعتها عينيه الساحرتين وهي لا تحيد عنها قيد أنملة ، فتقدمت ببطء .
لم تكمل خطوتها الثانية حتى برز شبحٌ أسود من خلفه . تناولت بإنحناءةٍ تلقائية الحصى وأبدت الاستعداد للرمي ، لولا أن قام طارق بتغطية الشبح بجسمه .
لبثت ثوانٍ بسيطة ويدها ما تزال مرفعة ، ثم تبينت في الشبح امرأةً لم ترَ لجمالها قط مثيلاً في القرية .
كانت تعتلي المرأة نظراتٍ دهشةٍ مشوبة بالخوف وهي تحدق فيها . شعرت ميّا أنها كتمثالٍ حجري يمثل حقبة العصور الوسطى وهي تقارن بين مظهريهما .
سمعته يقول لها وهو يطبطب بحنانٍ على كتفها :
" اعذريها حبيبتي ، البنت بلا عقل ! "
فتتحول نظرات الاستنكار تدريجياً إلى شفقة ، وكأنها تذكرت للتو قصة هذه المجنونة .
شد على يدها بحبٍ ظاهر وطلب منها الاسراع لملاقاةِ أمه . التفت التفاتةً أخيرة إلى تلك الواقفة بثبات وابتسم ، تماماً كتلك الابتسامة التي أفقدتها يوماً الاتزان .
هل ظن أن المجنون سُلب السمع والبصر ؟!
تمنت حينها لو أنها كانت فعلا كما قال
بلا عقلٍ
وبلا قلب !
" ما بالهم تأخروا عن موعدهم ؟! "
رغم أنها لا ترتدي ساعة اليد ، إلا أنها أصبحت تمتلك ساعةً فطرية منذ أن أعلنت الاستغناء عن التكرونيات الحياة . وحسبما يشير الجو ودرجة هبوب الرياح فإن موعد عودتهم من المدرسة ينبغي أن يكون الآن ، أتراهم ضلّوا الطريق ؟ أم أن مطاردتها لم تعد ممتعةً لهم ؟!
توشك على ترك الحصى يتساقط تدريجياً من يديها ، فإذا بها تسمع أشباه خطوات ، تُحكم عندها قبضة كفها مانعةً الحصى من التساقط . تبدأ الخطوات تقترب وتزداد شدة فيزداد ارتفاع مستوى الادرينالين لديها استعداداً للمواجهة القادمة .
تماماً كما اعتادت ، يتقدمهم حسن بعينيه المشاكستين وطوله الفارع الذي اكسبه زعامةً بين أقرانه الصغار ، فيكون الأول من بينهم من يلاحظ وجودها .
يشع وجهه بهجةً وابتسامة يطوفها بعض المكر ترتسم على شفتيه .
" محمد ، علي ، ميّا المجنونة ، ميّا المجنونة ! "
يلتفت إليهم بحركةٍ سريعة ويشير بإصابعه إليها وكأنه يرجوها الالتزام مكانها حتى يتسنى لندائه أن يصل إلى جميع الأطفال .
وبرشاقة المتدّرب ، يتسارع الصبية إلى امتلاك أكبر كمٍ من الحصى وتخزينه في جيوب ملابسهم وبين أحذيتهم ، والبعض منهم يستعين بالدشداشة لتكون كالكيس ، يرفعها إلى أعلى ركبتيه ويستعملها مخزناً للحصى ،
ويبدأ التراشق !
ميّا المجنونه
ميّا المجنونه
ميّا المجنونه !
يتحد عندها عمل اللسان مع اليد ، ذلك يصرخ بأعلى صوته ليشتعل الحماس ، وتلك لا تكف عن رشق الحصى على الهدف .
كم كانت تمقت مشاكساتهم هذه ! خاصةً بعدما أصبحت رسمياً في عرف المجتمع " مجنونة " . احتاجت لغير قليلٍ من الوقت حتى تعتاد هذه النظرة الدونية من أقاربها وأهل قريتها . أما الآن ، فهي تجد في هذه المشاكسات متعتها ، حتى وإن كان العبوس لا يفارق وجهها .
" يا أولاد ! ما مليتوا من هالحركات ؟ عيب عليكم ! "
يتوقف سيل الحصى الذي كانت تحتمي بذراعيّها منه . يمسك بالطرف الخلفي من دشداشة حسن ويرفعه قليلاً عن الأرض ، يؤنبه بصوتٍ مسموع ليصل إلى الجميع :
" كل هالبلاوي تجي منك ، إن شفتك أنت وهالصيصان تضايقوا ميّا بتحاسب معك في البيت ، ومع أبوك ! "
كان للتهديد بالأب مفعول السحر ، فانفضوا جميعا وكأن المعركة السابقة كانت سراباً .
تقف مشدوهةً وهي تقابله وجهاً لوجه . رغم أنه أضاع عليها تسليتها الوحيدة ، إلا أن حضوره دائماً ما يبعثرها .
لم يكن طارق يلتفت إلى وجودها قبل وفاة أمها ، وهي التي لم تملّ مراقبته كيفما استطاعت . كانت تجد متعتها العظمى وهي تقضي الساعات أمام نافذتها التي تطل على غرفته ، حتى باتت تحفظ غيباً موعد استذكار دروسه ، موعد نومه واستيقاظه ، والأهم موعد خروجه من المنزل ، ذلك الذي حرصت على أن يتفق مع موعد خروجها هي إلى المدرسة .
يتقدم إليها بخطواتٍ بطيئة ، تكاد تفر منه خشية أن لا تحتمل قدماها ثقل جسدها المرتعش فتسقط أمامه ، حينها سيجد أهل القرية حديثاً ساخناً يقضون به وقت فراغهم . ولكنها تقرر الثبات ، فمنذ أن صُكّت بختم الجنون وهي ثابتة أبداً ، لا تهرب ، بل يُهربُ منها !
يبتسم إليها ابتسامة مميزة كادت أن تنسى وجودها ، ابتسامة صافية نقية ، تخلو من السخرية والشفقة ، ابتسامة كادت أن تنقل إليها العدوى وهي التي خاصمت الابتسام منذ زمن .
" كيفك ميّا ؟! "
ينظر إليها بثبات . يأخذها بريق عينيه إلى أعماقٍ ساحقة ، تتمنى لو أنه يكرر اسمها مجدداً لتتلذذ بسماعه ، فهو الوحيد الذي يناديها باسمها دون أن يبصمه بالجنون .
تنتبه إلى أنها تنظر إليه ببلاهة كمن أُخرس بصفعة ! تحاول أن تخلق ردة فعلٍ تؤكد له فيها أنها ليست كما يظنون ، لكنه يقاطعها بابتسامةٍ أكثر اتساعاً واشراقاً وكأنه توقع أنه لن يحصل على جوابٍ لسؤاله ، يمر بمحاذاتها ويقفل راجعاً إلى منزله .
تلتفت إلى انعكاس صورتها على مياه الفلج ، وتتمنى لأول مرةٍ أن تعود صورة "ميا" السابقة . أن تستبدل ملابسها المرقعة والمتسخة هذه بتلك التي كانت تتجدد اشراقاً ونظافة ، أن تزول صفرة وجهها وجحوظ عينيها لتعود بشرتها البيضاء النضرة وعينيها الكحيلتين ، وتلملم أطراف شعرها الاسود الكالح فتغطيه بترتيبٍ بدل تركه أشعثاً مغبراً وملجأً للحشرات التائهة .
لكنها كانت كذلك ، ولم يلتفت إليها !
تُراه مظهرها هذا جعله ينتبه إلى وجودها ؟!!
***
كانت قد عادت لتوّها من المدرسة وسيما الجدّ على محياها . هذه سنة فاصلة ، بيتهم لا يحتمل فشلاً جديداً ، لا يتسع لجثةٍ أخرى تقعد بلا حراك .
ربما لهذا أرادت أمها ذلك الصباح افساح المجال للتوسيع عليهم ، فأسلمت روحها إلى البارئ .
في ذلك الموقف وجدت أن البكاء لا يخدمها ، بل الصمت !
الصمت فالصمت ، ظلّت صامته حتى ظنوا أن الصدمة أبكمتها أبداً ، لكنها بدأت تتحدث تدريجياً ، مع أمها !
نعم مع أمها . ما ذنبها إن كانت الوحيدة التي تراها ؟ هل تتجاهل وجودها إلى جانبها بدعوى أنها ميتة ؟!
كانت تحادثها بإسهاب ، تحكي لها ما تمر به من مواقف ، تعاتبها أحياناً وتصرخ في وجهها أحياناً أخرى ، وقد تغني لها أو معها . لم تكن لتأبه بنظرات أخوتها المستنكرة ولم تتوقف عن مجالسة أمها وإن كانت بينهم . حتى بدأت تنتبه إلى نظرات الجيران المستطلعة ، والتي أمتدت إلى الأقارب فأهل القرية أجمعين . النظرات تطورت إلى همسات تعلو تدريجياً كلما مرت بمحاذاتهم .
لم تطق صبراً ! فقررت إعلان تمردها ، ولم تجد أفضل من رشق الحصى وسيلة لتفريغ غضبها ، لا تميز في ذلك صغيراً ولا كبيراً .
ومنذ ذلك الوقت ، أصبحت " ميّا المجنونة " معلَم الحارة .
***
استفاقت من خواطرها على وقع خطواته ، لا بد أنه هو ، فهي لا تخطئه أبداً . تركت الحصى الذي أصبح رفيقها الدائم جانباً وحاولت عبثاً تعديل هندامها ، لا الشعر قابلٌ للتمشيط ولا الملابس تطاوعها بالإكتواء ، رفعت رأسها خشية أن يضيع أثره ، فوجدته يتأملها بابتسامته . ارتعشت اطرافها وتجمدت في مكانها .
" لن أصمت هذه المرة ، عليّ أن أحادثه "
شجعتها عينيه الساحرتين وهي لا تحيد عنها قيد أنملة ، فتقدمت ببطء .
لم تكمل خطوتها الثانية حتى برز شبحٌ أسود من خلفه . تناولت بإنحناءةٍ تلقائية الحصى وأبدت الاستعداد للرمي ، لولا أن قام طارق بتغطية الشبح بجسمه .
لبثت ثوانٍ بسيطة ويدها ما تزال مرفعة ، ثم تبينت في الشبح امرأةً لم ترَ لجمالها قط مثيلاً في القرية .
كانت تعتلي المرأة نظراتٍ دهشةٍ مشوبة بالخوف وهي تحدق فيها . شعرت ميّا أنها كتمثالٍ حجري يمثل حقبة العصور الوسطى وهي تقارن بين مظهريهما .
سمعته يقول لها وهو يطبطب بحنانٍ على كتفها :
" اعذريها حبيبتي ، البنت بلا عقل ! "
فتتحول نظرات الاستنكار تدريجياً إلى شفقة ، وكأنها تذكرت للتو قصة هذه المجنونة .
شد على يدها بحبٍ ظاهر وطلب منها الاسراع لملاقاةِ أمه . التفت التفاتةً أخيرة إلى تلك الواقفة بثبات وابتسم ، تماماً كتلك الابتسامة التي أفقدتها يوماً الاتزان .
هل ظن أن المجنون سُلب السمع والبصر ؟!
تمنت حينها لو أنها كانت فعلا كما قال
بلا عقلٍ
وبلا قلب !
تعليق