كيف تصبح مهندسا ناجحا
لقد عانينا كثيرا في بداية عملنا كمهندسين وذلك لقلة تقدير الفنيين لنا ولقلة احتفاء إخواننا المهندسين القدامى بنا , ولكن بفضل الله وتوفيقه استطعنا أن نؤدي أعمالا هندسية جيده عندما كانت الظروف مواتيه وتعاونا مع كثير من إخواننا المهندسين في إنجاز أعمال هندسية طيبه ولكن كان السؤال الذي يدور بذهني دائما
لماذا يعتبرنا الناس ( قبل إن يجربوننا ) مهندسين شهادات فقط ؟
إنها قصه طويلة ولكن لنبدأ في فهم واقع المهندسين ثم الهندسة حتى نعرف إجابة هذا السؤال
واقع المهندسين في العالم العربي
إن قضيه دراية واقع المهندسين أي معرفة نظم دراستهم وواقع مجالات عملهم وتوازن خطط الجامعات في ضبط أعدادهم وتخصصاتهم اللازمة لاحتياجات مجتمعاتهم الحقيقية لظهر لنا أمورا مدهشه ومفارقات عجيبة
فأول الأمر كان نظام الدراسة في الجامعات في فتره الخمسينات وبداية الستينات مبني على عامل الندرة حيث قل عدد المهندسين بالنسبة للاحتياجات ألفعليه للدول العربية ( أي احتياجات المصانع والمؤسسات الهندسية ) وزاد ذلك عند دخول الدول العربية في مجال ألصناعه بتوسع وبالأخص مصر وسوريا والعراق والأردن والجزائر وقد كانت البنية البشرية الفنية الموجودة في هذه المصانع والمؤسسات تتكون من الفنيين والحرفيين والمحاسبين وإما الفئات الأخرى مثل المهندسين والمتخصصين منهم (مثل المهندسين الكيميائيين) فقد كانوا قلة جدا والمسئولية المنوطة بهم ضخمة وتعتمد أساسا على تسير الإنتاج فقط هذا بالإضافة إلى نظام المركزية المتبع في معظم الدول العربية مما جعل المهندس هو المسؤل عن الغياب والحضور والإذن بالخروج وعمل كشوف الحوافز حل مشاكل العمال بالإضافة إلى تسيير الإنتاج وأن يحل محل الإدارات العليا في المؤتمرات الفنية أو الدراسات أو غيرها مما جعل المهندس عبارة عن موظف إداري لا يمارس مهنة الهندسة إلا عندما يطلب منه ذلك أو يضطر إلى ذلك ( وإن استطاع إلى ذلك سبيلا ) .
أما عن وضع الرجل المناسب في المكان المناسب فحدث عن ذلك ولا حرج " فأهل الثقة أولى من أهل الخبرة " وكم رأينا من هجرات جماعية للمهندسين والخبراء والدكاترة ذوى العلم والخبرة لأنهم لم يكونوا من أهل الثقة فهاجروا إلى أوروبا وأمريكا فاستفادوا منهم وسخروهم لأهدافهم وخسرتهم الدول العربية .
أما عن دور الكليات والمعاهد العليا فقد أقتصر على تنفيذ خطط كلاسيكية لتخريج أعداد من المهندسين وتقوم وزارات العمل بتعينهم إجباريا في الشركات والمصانع ( مؤهلين أو غير مؤهلين ) فكانت النتيجة أن الكليات والمعاهد العليا لم تجد الحافز على تخريج مهندسين أكفاء لأن الأعداد كانت قليلة والبلاد تحتاجهم ( وإن كانت قلة من الدكاترة أعطوا بإخلاص كل طاقتهم لتخريج مهندسين أكفاء ... ) .
ثم ننتقل هنا إلى منعطف خطير كان واضحا كل الوضوح في هذه الفترة إلا وهو عدم الاهتمام بالفنين والمدارس الصناعية ( المكمل الحقيقي للمهندسين ) وإهمالهم وعدم ترتيب أو وضوح واجبات المهندس وواجبات الفني في الأعمال الهندسية والدعاية للمهندسين مما ربى حقدا ظاهرا عند غالبيه الفنين للمهندسين . والأمر الذي زاد الطين بله هو عدم فتح المجال على مصراعيه للفنين لدخول كليات الهندسة والمعاهد العليا مع أنهم المفروض أولى الناس في دخول كليات الهندسة والمعاهد العليا الصناعية من إخوانهم حملة الثانوية العامة ولكن كان العكس صحيحا ففتح الباب على مصراعيه لحملة الثانوية العامة لدخول كليات الهندسة وقيد تقييدا شديدا على حمله الثانوية الصناعية الذين درسوا مبادىء الهندسة بل وطبقوها قبل غيرهم لمده ثلاث سنوات على الأقل .
لا نستطيع أن ننكر أنه كانت هناك أصوات مخلصه خلال هذه الفترة كانت تعرف أماكن الخلل وتنبه إليها وتضع الحلول الصحيحة لكن هذه الأصوات نادرا ما كانت تصل إلى تنفيذ ما تنصح به من حلول ولذا كانت النهاية غالبا بهؤلاء المخلصين أن ينبذوا من أهل الثقة فمنهم من يعيش كمدا ولا يبالى إلا بنفسه أو تأخذه الحميه فيسافر إلى الخارج ليجد فرصته عند الغرب . ودائما كان الغرب يرحب بهؤلاء المخلصين ويعطيهم كل الإمكانيات ليحققوا للغرب ما فشلوا في تحقيقه للعرب والمسلمين .
بقيت نقطه هامه جدا إلا وهى المناهج التي وضعت لكليات الهندسة والمعاهد العليا الصناعية والتي تعتمد أساسا على عدم التخصص الدقيق في غالب الأحيان فمثلا أقسام الميكانيكا في كليات الهندسة كانت تشمل على تدريس ميكانيكا الإنتاج وميكانيكا القوى وكذلك أقسام الكهرباء فكانت أساسا كهرباء القوى والاتصالات وإن بقى في السنة الرابعة فسحه أخذ المهندس تخصصا من الاثنين ولقد كان هناك استثناء لذلك في قليل جدا من الكليات. هذا بالإضافة إلى عدم الاستفادة من الحصص العملية لكثره عدد الطلاب وقلة الأدوات والأجهزة مما أثر كثيرا في كفاءة المهندسين العملية. إما أقسام ألعماره والمدني والتي كان لها تاريخ فني جيد فقد عرف التخصص فيها من ألسنه الأولى ولذلك كان هذا التخصص هو الذي يخرج (في الغالب )مهندسين أكفاء.
إما عن التخصصات الأخرى في بعض الكليات والمعاهد العليا (مثل هندسة الفلزات أو المناجم أو الهندسة النووية ) فقد حوربت من جهات كثيرة وبعض الكليات أغلق هذه التخصصات. ولم يأخذ أصحاب هذه التخصصات حقهم في التعيينات في تخصصهم إلا قليلا وهذه نقطه جعلت مشاركه المهندسين في الصناعة تحتاج إلى تهيئة المهندس لنوع الصناعة التي يعين فيها وهذا لم يحدث أبدا في علمي إلا نادر جدا 0 لذا كان المهندسون يعانون من فجوة بين ما درسوا و ما سيمارسونه حقيقة في التعينات التي عينوا فيها 0
ودخلت مرحله ما بعد النكسة وزادت حاجه المصانع والمؤسسات الهندسية والهيئات العامة إلى المهندسين المتخصصين ولكن لم يتغير الحال كثيرا حيث إن الأمم المتحدة واليونسكو وهيئات أجنبية كثيرة تدخلت في خطط التعليم العالي وحدث تضارب شديد بين الاتجاه الشرقي في التعليم ( الاتجاه الفني التقني العالي والمتخصص ) والاتجاه الغربي الأكاديمي الذي يركز على التخصصات العامة فاضطرب التعليم الجامعي وكذلك حركة البعثات وما نتج عن ذلك من شهادات سياسة من ماجستير ودكتوراه وقلة من الأكفاء الذين أحتضنهم الشرق والغرب وقليل منهم عاد، ومن عاد لم يستطع إن يفيد ( كما يرجى ) حيث كان الجيل القديم والذي يملأ مواقع المسؤولية لا ينظر إلى العائدين من البعثات ( بكل طاقة لخدمه البلد ) ! إلا نظرة منافسة وليست نظرة استفادة من هذه الطاقات في تطوير العمل الجامعي مما أدى إلى عدم انتظام التعليم العالي وعدم انتظام المناهج وبالتالي عدم تكامل التخصصات الهندسية وعدم وضوح أهداف واستراتيجيات التعليم الهندسي حيث انشغل الجميع في الصراع التنافسي ونسوا تطوير التعليم الهندسي ومع كل ذلك خرج جيل من المهندسين الأكفاء الذين استفادوا وأفادوا العالم العربي بخبراتهم ولكن الحق أقول أنهم قلة كنا ننظر إليهم أنهم قياده المهندسين في العالم العربي ولكن هل يكفى هؤلاء لإحياء الصناعة وغيرها من المجالات الأخرى في العالم العربي وهل قام هؤلاء يرفع كفاءة إخوانهم المهندسين الصغار وعلموهم مما تعلموا حتى يتقدم الجيل الهندسي في العالم العربي . أضف إلى ذلك أن نشاط نقابة المهندسين كان مركزا على توفير معاشات للمهندسين إذا أقعدوا والبحث عن حقوقهم المالية من بدل تفرغ وغيره و حقوقهم الإدارية في الدرجات وبعض الخدمات الأخرى وقليل جدا من النقابات الهندسية في العالم العربي التي اهتمت بمستويات مهندسيها الفنية.
تلا ذلك مرحله زاد فيها عدد الخرجين عن احتياجات الشركات الهندسية والإدارات الحكومية ( والتي قد تشبع بعضها تماما بالمهندسين ) فحدث فائض من المهندسين الجدد الذين تربوا على أيدي خلاصة خرجين كليات الهندسة العربية ومع تعديل المناهج وظهور التخصصات المطلوبة حدث الاكتفاء ولم يجد كثير من المهندسين الجدد مكانا لهم في المؤسسات الهندسية المختلفة.
لماذا سردت هذه المقدمة ؟
إن ما رأيناه من اضطراب عملية تأهيل المهندس العربي (وقد ذكرنا بعض مما رأيناه ) واعتقادنا أن التخطيط لمستقبل المهندسين في العالم العربي بالطريقة المناسبة أمر ضروري جدا, قد جعلنا نقدم بعض الأفكار والحقائق والخبرات إلى أجيال المهندسين لعلنا ندفع بعجلة الهندسة في العالم العربي إلى الإمام.