تعريف الجودة في الاسلام
مفهوم الجودة في الإسلام الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقاً وفلسفةً للكون والإنسان والحياة هو كمال الجودة والإبداع، ذلك أن الإسلام دين الله جلت حكمته " بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ " (البقرة ، آية : 117) . إن مفهومالجودة حاضرٌ في كل تعاليم الإسلام بكل مضامينه وهو يمثل قيمة إسلامية وقد حث القرآن الكريم على الجودةالشاملة في كل الأعمال التي يفترض أن يقوم بها الإنسان ويفهم ذلك من خلال قوله عز وجل : " لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ " (البقرة ، آية : 177) . وقد ارتبط مصطلح الجودة في الإسلام بمفردات ومفاهيم أخرى ذات علاقة ، يتعرض لها الباحثان من باب الاستجلاء والتوضيح والمقارنة ، ولعل من أبرز هذه المصطلحات الإحسان والإتقان ، فالجودة في اللغة أصلها الاشتقاقي (ج و د) وهو أصل يدل على التسمح بالشيء وكثرة العطاء . (ابن فارس ، 1991 ، ج1 : 493) وجاد الشيء جوّده أي صار جيداً وأجاد : أتى بالجيد من القول والفعل ، ويقال : أجاد فلان في عمله وأجود وجاد عمله . (ابن منظور ، 2003 ، ج2 : 254، 255) وأجاد الشيء جَوده تجويداً واستجاده عدّه جيداً وجمع الجود جياد.(الرازي،ب.ت: 75)، والجيد ضد الرديء ورجل مجيد : أي يجيد كثيراً . (الزبيدي ، ج4 : 403 ، 404) وجاء في محكم التنزيل : " إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ " (ص، آية : 31) والجياد في الآية السابقة بمعنى الجيدة في الجري والسريعة في الانقياد وكثيرة العطاء والرائعة في الجمال (القرطبي ، 2002 ، ج8 : 161، 162) . وجاد الفرس : أي صار رائعاً يجود جودةً . (ابن منظور ، 2003 ، ج3 : 135 ،136) ومن خلال العرض السابق لمعاني الجودة من ناحية لغوية يتضح أنها تتضمن الأداء الجيد والعطاء الواسع المستمر الذي يتصف بالروعة والجمال . مفهوم الإحسان : وردت مشتقاته في القرآن الكريم مرات كثيرة ، تارة بصيغة المصدر وتارة بصيغ الفاعل ولم ترد بصيغة الأمر إلا مرة واحدة مخاطباً فيها الجماعة " وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " (البقرة ، آية : 195) . والعمل الحسن كما أخبر المعصوم عمل يحبه الله عز وجل " إن الله تعالى يحب من العامل إذا عمل أن يحسن " (الألباني ، ب.ت ، ج1 : 278) . والإحسان في لغة من أحسن : فعل ما هو حسن وأحسن الشيء أجاد صنعه . (أنيس وزميله ، 1972 : 74) والإحسان بمعنى النصح في العبادة وبذل الجهد في تحسينها وإتمامها وإكمالها . (البدر ، 2003 : 26) وعرف الإحسان بأنه " إحكام العمل وإتقانه ومقابلة الخير بأكثر منه والشر بأقل منه " (حجازي ، 1982 ، ج1 : 459) . وحث الرسول على معاملة الناس بالحسنى والتزام الأخلاق الحسنة معهم "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن". (الترمذي، ب.ت، ج3: 423) فالإحسان في العمل ذو شقين ، الأول استخدام أقصى درجات المهارة والإتقان فيه وأما الشق الثاني فهو التوجه بالعمل لله عز وجل . (مدكور ، 1992 : 57) ويؤكد ذلك ما جاء في حديثه الرسول " إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته " (مسلم ، ب.ت ، ج6 : 72) ، فالحديث السابق يدلل على الإتقان في العمل كما يشير إلى توفير الأداة الفاعلة والمجيدة لتنفيذ المهمة على أكمل وجه . وبالإجمال فإن الإحسان يتضمن معنى التمام والإكمال وفعل الشيء الجيد وإتقان العمل وإخلاصه لله عز وجل ، وبذلك تكون الجودة مظهراً من مظاهر الإحسان وثمرة من ثماره . مفهوم الإتقان : الإتقان في اللغة من أتقن الشيء أحكمه وإتقانه إحكامه ، فالإتقان الإحكام للأشياء (ابن منظور ، 2003 ، ج3 : 73) . وجاء في محكم التنزيل : " كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ " (هود ، آية : 1) . فالإتقان أحد مظاهر ومؤشرات الحكمة في العمل ، والحكيم هو المتقن للأمور (السعدي، 2002 : 392) ، ورجل تقن متقن للأشياء حاذق (ابن منظور ، 2003 ، ج3 : 73) . والإتقان بمعنى الإحسان والإحكام للشيء (القرطبي ، 2002 ، ج7 : 17) ، وجاء في قوله تعالى : " لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ " (التين ، آية : 4) ، ولفت ربنا سبحانه وتعالى انتباه عباده إلى إتقان صنعته في خلقه بقوله : " صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ " (النمل ، آية : 88) ، وبين رب العزة في كتابه الحكيم بعض مظاهر إبداعه وإتقانه في هذا الكون الرحيب " وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ " (ق ، الآيات : 7-8) . ومن المؤشرات الدالة على الإتقان أداء الشيء بمهارة كما جاء في الحديث الشريف "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرؤه ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران ". (مسلم ، ب.ت ، ج1 : 549) يتضح مما تقدم أن الإتقان مفهوم يتضمن إحكام الشيء وإحسانه وأداء العمل بمهارة ويشير (محجوب ، شبكة الإنترنت ، 2007) إلى أن " هناك علاقة متداخلة بين الإتقان والإحسان غير أن الإتقان عمل يتعلق بالمهارات التي يكتسبها الإنسان فيما الإحسان قوة داخلية تتربى في كيان المسلم وتتعلق في ضميره وتترجم إلى مهارة يدوية ، فالإحسان أشمل وأعم دلالة من الإتقان. وبالإجمال يمكن القول ، أن الجودة تعني إجادة العمل والإتقان درجة عالية في الجودة والإحسان مرادف للإتقان غير أن الأخير أخص من حيث الدلالة لكونه يتضمن حذق الشيء والمهارة في أداءه وإحكامه ويبقى الإحسان هو الأصل الذي ينبثق عنه فعل الصواب وجودة العمل وإتقانه ، بصفته قيمة روحية إيمانية دافعة ومحفزة لكل عمل يحبه الله عز وجل ويرضاه . مفهوم جودة التعليم في التصور الإسلامي :حث الإسلام كما تبين سابقاً ، على إحسان العمل وتجويده وإتقانه ، وجاء في الحديث"إن الله يحب العامل إذا عمل أن يتقن " (العجلوني ، ب.ت ، ج11 : 285) . والتربية هي عمل إنساني رائع وملح ، ينبغي التماس الجودة في أداءه ، والجودة في التعليم هي "عملية بنائية تهدف إلى تحسين المنتج النهائي " (أحمد ، 2003 : 17) . وعرفت الجودة في التعليم بأنها عبارة عن " قدرة الإدارة التعليمية في مستوياتها ومواقعها المختلفة على أداء أعمالها بالدرجة التي تمكنها من إعداد خريجين يمتلكون من المواصفات ما يمكنهم من تلبية احتياجات التنمية في مجتمعهم طبقاً لما تم تحديده من أهداف ومواصفات لهؤلاء الخريجين " (الشافعي وزميله ، 2003 : 79) . ومهما تنوعت تعاريف الجودة في التعليم ، إلا أنها تضم ثلاثة جوانب أساسية ، جودة التصميم (Designauality) وتعني تحديد المواصفات والخصائص التي ينبغي أن تراعى في التخطيط للعمل ، وجودة الأداء(Performanceqality) وتعني القيام بالأعمال وفق المعايير المحددة، وجودة المخرج (Outputauality) وتعني الحصول على منتج تعليمي وخدمات تعليمية وفق الخصائص والمواصفات المتوقعة . (عليمات ، 2004 : 93). وجودة التعليم من منظور إسلامي عبارة عن " ترجمة احتياجات وتوقعات المستفيدين من العملية التعليمية إلى مجموعة خصائص محددة تكون أساساً في تصميم الخدمات التعليمية وطريقة أداء العمل من أجل تلبية احتياجات وتوقعات المستفيدين وتحقيق رضى الله عز وجل. (الخطيب ، 2007 : 3) ومن خلال التعريفات السابقة للجودة في التعليم يتضح ما يلي : - أن مفهومالجودة في التعليم ، ليس حديثاً وإنما هو قديم ومسبوق من خلال حث الإسلام على الإحسان في العمل وإتقانه . -تضمن مفهومالجودة العملية التعليمية بكل عناصرها وتفاصيلها في صورة مدخلات ومخرجات والغرض الأساس منها تحسين المنتج من خلال توفير الإمكانات المتاحة وتوظيفها ضمن خطة مدروسة . - الحكم على جودة العمل ، والأداء يتم في ضوء معايير محددة . - ارتباط الجودة بمتطلبات سوق العمل واحتياجاته . - يتطلع الفرد المسلم – وهو يسعى إلى تحقيق الجودة العالية في المنتج التعليمي – إلى إرضاء الله عز وجل من خلال التزام ما أمر به وحث عليه ولا يتعارض هذا مع الاستجابة لاحتياجات وتوقعات سوق العمل وتحقيق الفائدة والنفع للمسلمين ، عملاً بالتوجيه النبوي الشريف " أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس " (الطبراني ، 1983 ، ج12 : 453) . وفي ضوء ما سبق يعرف الباحثان جودة التعليم بأنها " عملية تستهدف تحقيق منتج تعليمي عالي الجودة ، من خلال توفير المدخلات اللازمة والعمل على تحسينها بما يحقق الأهداف المنشودة وفق معايير محددة ، ويكفل تلبية حاجات سوق العمل ، ويكون الدافع الأساس لذلك كله ، الحرص على إرضاء الله عز وجل " . ومن الجدير ذكره في هذا المقام ، أن تجويد التعليم وتحسينه بما يكفل تميز المنتج ، عملية طموحة ومستمرة لا تتوقف ، ذلك أن الفرد المسلم مطلوب منه تسديد الأعمال بصورة دائمة يحبها الله عز وجل ويتضح ذلك من خلال التوجيه النبوي الشريف " سدِّدوا وقاربوا واعلموا أنه من يدخل أحدكم عمله الجنة وأن أحبَّ الأعمال أدومها وإن قل " (البخاري، 1987، ج5 : 2373) . فالسداد كما جاء في الحديث الشريف السابق هو حقيقة الاستقامة ، وهو يعني الإصابة في جميع الأقوال والأعمال والمقاصد ، فالسداد إصابة السهم والمقاربة ، أن يصيب ما قرب من الغرض إذا لم يصب الغرض نفسه ولكن بشرط أن يكون حريصاً ومصمماً على قصد السداد وإصابة الغرض فتكون مقاربته من غير عمد . (النووي ، 1968، ج11 : 162)
منقول للفائدة والله ولى التوفيق
مفهوم الجودة في الإسلام الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقاً وفلسفةً للكون والإنسان والحياة هو كمال الجودة والإبداع، ذلك أن الإسلام دين الله جلت حكمته " بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ " (البقرة ، آية : 117) . إن مفهومالجودة حاضرٌ في كل تعاليم الإسلام بكل مضامينه وهو يمثل قيمة إسلامية وقد حث القرآن الكريم على الجودةالشاملة في كل الأعمال التي يفترض أن يقوم بها الإنسان ويفهم ذلك من خلال قوله عز وجل : " لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ " (البقرة ، آية : 177) . وقد ارتبط مصطلح الجودة في الإسلام بمفردات ومفاهيم أخرى ذات علاقة ، يتعرض لها الباحثان من باب الاستجلاء والتوضيح والمقارنة ، ولعل من أبرز هذه المصطلحات الإحسان والإتقان ، فالجودة في اللغة أصلها الاشتقاقي (ج و د) وهو أصل يدل على التسمح بالشيء وكثرة العطاء . (ابن فارس ، 1991 ، ج1 : 493) وجاد الشيء جوّده أي صار جيداً وأجاد : أتى بالجيد من القول والفعل ، ويقال : أجاد فلان في عمله وأجود وجاد عمله . (ابن منظور ، 2003 ، ج2 : 254، 255) وأجاد الشيء جَوده تجويداً واستجاده عدّه جيداً وجمع الجود جياد.(الرازي،ب.ت: 75)، والجيد ضد الرديء ورجل مجيد : أي يجيد كثيراً . (الزبيدي ، ج4 : 403 ، 404) وجاء في محكم التنزيل : " إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ " (ص، آية : 31) والجياد في الآية السابقة بمعنى الجيدة في الجري والسريعة في الانقياد وكثيرة العطاء والرائعة في الجمال (القرطبي ، 2002 ، ج8 : 161، 162) . وجاد الفرس : أي صار رائعاً يجود جودةً . (ابن منظور ، 2003 ، ج3 : 135 ،136) ومن خلال العرض السابق لمعاني الجودة من ناحية لغوية يتضح أنها تتضمن الأداء الجيد والعطاء الواسع المستمر الذي يتصف بالروعة والجمال . مفهوم الإحسان : وردت مشتقاته في القرآن الكريم مرات كثيرة ، تارة بصيغة المصدر وتارة بصيغ الفاعل ولم ترد بصيغة الأمر إلا مرة واحدة مخاطباً فيها الجماعة " وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " (البقرة ، آية : 195) . والعمل الحسن كما أخبر المعصوم عمل يحبه الله عز وجل " إن الله تعالى يحب من العامل إذا عمل أن يحسن " (الألباني ، ب.ت ، ج1 : 278) . والإحسان في لغة من أحسن : فعل ما هو حسن وأحسن الشيء أجاد صنعه . (أنيس وزميله ، 1972 : 74) والإحسان بمعنى النصح في العبادة وبذل الجهد في تحسينها وإتمامها وإكمالها . (البدر ، 2003 : 26) وعرف الإحسان بأنه " إحكام العمل وإتقانه ومقابلة الخير بأكثر منه والشر بأقل منه " (حجازي ، 1982 ، ج1 : 459) . وحث الرسول على معاملة الناس بالحسنى والتزام الأخلاق الحسنة معهم "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن". (الترمذي، ب.ت، ج3: 423) فالإحسان في العمل ذو شقين ، الأول استخدام أقصى درجات المهارة والإتقان فيه وأما الشق الثاني فهو التوجه بالعمل لله عز وجل . (مدكور ، 1992 : 57) ويؤكد ذلك ما جاء في حديثه الرسول " إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته " (مسلم ، ب.ت ، ج6 : 72) ، فالحديث السابق يدلل على الإتقان في العمل كما يشير إلى توفير الأداة الفاعلة والمجيدة لتنفيذ المهمة على أكمل وجه . وبالإجمال فإن الإحسان يتضمن معنى التمام والإكمال وفعل الشيء الجيد وإتقان العمل وإخلاصه لله عز وجل ، وبذلك تكون الجودة مظهراً من مظاهر الإحسان وثمرة من ثماره . مفهوم الإتقان : الإتقان في اللغة من أتقن الشيء أحكمه وإتقانه إحكامه ، فالإتقان الإحكام للأشياء (ابن منظور ، 2003 ، ج3 : 73) . وجاء في محكم التنزيل : " كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ " (هود ، آية : 1) . فالإتقان أحد مظاهر ومؤشرات الحكمة في العمل ، والحكيم هو المتقن للأمور (السعدي، 2002 : 392) ، ورجل تقن متقن للأشياء حاذق (ابن منظور ، 2003 ، ج3 : 73) . والإتقان بمعنى الإحسان والإحكام للشيء (القرطبي ، 2002 ، ج7 : 17) ، وجاء في قوله تعالى : " لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ " (التين ، آية : 4) ، ولفت ربنا سبحانه وتعالى انتباه عباده إلى إتقان صنعته في خلقه بقوله : " صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ " (النمل ، آية : 88) ، وبين رب العزة في كتابه الحكيم بعض مظاهر إبداعه وإتقانه في هذا الكون الرحيب " وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ " (ق ، الآيات : 7-8) . ومن المؤشرات الدالة على الإتقان أداء الشيء بمهارة كما جاء في الحديث الشريف "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرؤه ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران ". (مسلم ، ب.ت ، ج1 : 549) يتضح مما تقدم أن الإتقان مفهوم يتضمن إحكام الشيء وإحسانه وأداء العمل بمهارة ويشير (محجوب ، شبكة الإنترنت ، 2007) إلى أن " هناك علاقة متداخلة بين الإتقان والإحسان غير أن الإتقان عمل يتعلق بالمهارات التي يكتسبها الإنسان فيما الإحسان قوة داخلية تتربى في كيان المسلم وتتعلق في ضميره وتترجم إلى مهارة يدوية ، فالإحسان أشمل وأعم دلالة من الإتقان. وبالإجمال يمكن القول ، أن الجودة تعني إجادة العمل والإتقان درجة عالية في الجودة والإحسان مرادف للإتقان غير أن الأخير أخص من حيث الدلالة لكونه يتضمن حذق الشيء والمهارة في أداءه وإحكامه ويبقى الإحسان هو الأصل الذي ينبثق عنه فعل الصواب وجودة العمل وإتقانه ، بصفته قيمة روحية إيمانية دافعة ومحفزة لكل عمل يحبه الله عز وجل ويرضاه . مفهوم جودة التعليم في التصور الإسلامي :حث الإسلام كما تبين سابقاً ، على إحسان العمل وتجويده وإتقانه ، وجاء في الحديث"إن الله يحب العامل إذا عمل أن يتقن " (العجلوني ، ب.ت ، ج11 : 285) . والتربية هي عمل إنساني رائع وملح ، ينبغي التماس الجودة في أداءه ، والجودة في التعليم هي "عملية بنائية تهدف إلى تحسين المنتج النهائي " (أحمد ، 2003 : 17) . وعرفت الجودة في التعليم بأنها عبارة عن " قدرة الإدارة التعليمية في مستوياتها ومواقعها المختلفة على أداء أعمالها بالدرجة التي تمكنها من إعداد خريجين يمتلكون من المواصفات ما يمكنهم من تلبية احتياجات التنمية في مجتمعهم طبقاً لما تم تحديده من أهداف ومواصفات لهؤلاء الخريجين " (الشافعي وزميله ، 2003 : 79) . ومهما تنوعت تعاريف الجودة في التعليم ، إلا أنها تضم ثلاثة جوانب أساسية ، جودة التصميم (Designauality) وتعني تحديد المواصفات والخصائص التي ينبغي أن تراعى في التخطيط للعمل ، وجودة الأداء(Performanceqality) وتعني القيام بالأعمال وفق المعايير المحددة، وجودة المخرج (Outputauality) وتعني الحصول على منتج تعليمي وخدمات تعليمية وفق الخصائص والمواصفات المتوقعة . (عليمات ، 2004 : 93). وجودة التعليم من منظور إسلامي عبارة عن " ترجمة احتياجات وتوقعات المستفيدين من العملية التعليمية إلى مجموعة خصائص محددة تكون أساساً في تصميم الخدمات التعليمية وطريقة أداء العمل من أجل تلبية احتياجات وتوقعات المستفيدين وتحقيق رضى الله عز وجل. (الخطيب ، 2007 : 3) ومن خلال التعريفات السابقة للجودة في التعليم يتضح ما يلي : - أن مفهومالجودة في التعليم ، ليس حديثاً وإنما هو قديم ومسبوق من خلال حث الإسلام على الإحسان في العمل وإتقانه . -تضمن مفهومالجودة العملية التعليمية بكل عناصرها وتفاصيلها في صورة مدخلات ومخرجات والغرض الأساس منها تحسين المنتج من خلال توفير الإمكانات المتاحة وتوظيفها ضمن خطة مدروسة . - الحكم على جودة العمل ، والأداء يتم في ضوء معايير محددة . - ارتباط الجودة بمتطلبات سوق العمل واحتياجاته . - يتطلع الفرد المسلم – وهو يسعى إلى تحقيق الجودة العالية في المنتج التعليمي – إلى إرضاء الله عز وجل من خلال التزام ما أمر به وحث عليه ولا يتعارض هذا مع الاستجابة لاحتياجات وتوقعات سوق العمل وتحقيق الفائدة والنفع للمسلمين ، عملاً بالتوجيه النبوي الشريف " أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس " (الطبراني ، 1983 ، ج12 : 453) . وفي ضوء ما سبق يعرف الباحثان جودة التعليم بأنها " عملية تستهدف تحقيق منتج تعليمي عالي الجودة ، من خلال توفير المدخلات اللازمة والعمل على تحسينها بما يحقق الأهداف المنشودة وفق معايير محددة ، ويكفل تلبية حاجات سوق العمل ، ويكون الدافع الأساس لذلك كله ، الحرص على إرضاء الله عز وجل " . ومن الجدير ذكره في هذا المقام ، أن تجويد التعليم وتحسينه بما يكفل تميز المنتج ، عملية طموحة ومستمرة لا تتوقف ، ذلك أن الفرد المسلم مطلوب منه تسديد الأعمال بصورة دائمة يحبها الله عز وجل ويتضح ذلك من خلال التوجيه النبوي الشريف " سدِّدوا وقاربوا واعلموا أنه من يدخل أحدكم عمله الجنة وأن أحبَّ الأعمال أدومها وإن قل " (البخاري، 1987، ج5 : 2373) . فالسداد كما جاء في الحديث الشريف السابق هو حقيقة الاستقامة ، وهو يعني الإصابة في جميع الأقوال والأعمال والمقاصد ، فالسداد إصابة السهم والمقاربة ، أن يصيب ما قرب من الغرض إذا لم يصب الغرض نفسه ولكن بشرط أن يكون حريصاً ومصمماً على قصد السداد وإصابة الغرض فتكون مقاربته من غير عمد . (النووي ، 1968، ج11 : 162)
منقول للفائدة والله ولى التوفيق